
اسامة سرايا
كان على البلدان الكبرى المهتمة بالحروب لفرض أمرها، أو قرارها، والمدججة بالأسلحة الفتاكة بكل أشكالها، أن تدرس بعناية ودقة تجارب الحروب الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط ما بعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١ فى واشنطن ونيويورك، والتى كانت ردا على عملية إرهابية استهدفتها فى عُقر دارها، خاصة فى العراق وأفغانستان، فلا فارق يمكن قياسه بين إمكانات أمريكا العسكرية وهذين البلدين من العالم الثالث، لكن أمريكا العظمى، التى تكاد تكون فشلت عسكريا بعد سنوات من الحروب، استطاعت إسقاط الحكم فى العراق، وتركته مغلوبا على أمره، ويعانى الهشاشة، ولم تنجح فى غرس ديمقراطيتها المزيفة هناك، وزادت من ضعفه، وأخلّت بالتوازن بين طوائفه، وفى أفغانستان لم تستطع أن تُسقط الحكم، وبعد سنوات مريرة، وتكاليف باهظة، عادت الجماعة المتطرفة إليه، وخرجت أمريكا تهرول من هناك، لم تحقق أى أهداف بل خسائر فادحة لها، وللمنطقة، والعالم.
من هنا، كان على الروس مراجعة تجارب حروبهم فى أفغانستان، أو حتى فى سوريا، فلا نجاح يُذكر، أو أى أهداف تحققت، كما أن دخولهم حرب أوكرانيا لإخضاعها جعل روسيا عُرضة للقياس العالمى من كل أطراف اللعبة الدولية ليعرفوا حجمها عسكريا، واقتصاديا، ودورها السياسى ما بعد الاتحاد السوفيتى، وقد وقعت روسيا فى فخ كبير.. حرب لا تدرك نهايتها، أو أبعادها، وكل الدول المحايدة حولها انضمت إلى «الناتو»، وأصبحت تشعر نحوها بمخاوف جمة.. وهكذا تتداعى الأمور، حتى الدول غير المسلحة دخلت مضمار التسلح الواسع (ألمانيا واليابان)، والأوكرانيون يتسلحون بكل الفنون، حتى الغناء والفن، ويطوفون حول العالم ليقولوا للروس «لن تهزمونا».. وهكذا الطائرات المسيرة تنطلق من داخل روسيا فوق الكرملين، والجيش الروسى كأنه يقاتل فى صحراء مكشوفة، والعالم كله يتفرج ويقول ماذا يحدث؟!
أعتقد أنه على كل الدول الراغبة فى فتح جبهات للحروب معرفة المتغيرات التى حدثت فى السلاح، وأننا عالم واحد.. الكل يريد أن يعيش، وأصبح يملك ما تملكون، ولن تفرضوا على أحد سياسات بالقوة.. فقط حكموا العقول، وأوقفوا الحروب التى أصبحت من الوسائل القديمة، ولا جدوى منها!
……………………
نقلا عن الأهرام