المراقب: وحدة الدراسات
في أواخر ديسمبر كانون الثاني الماضي ، أرتفعت من جديد بعض الأصوات اليمينية في الداخل الأمريكي ، تطالب بإقامة دولة الرب المسيحية ، ذات الجذور اليهودية ، والمثير أن هناك الالاف الذين ينضمون لهذا التيار الجديد يوميا ، وبشكل جماعي يؤذن بتغيرات جوهرية في العقلية الأمريكية .
تتمركز الدعوة الجديدة ، في مدينة ناشفيل بولاية تينسي الأمريكية ، ويقودها القس غريغ لوك ، والذي ينتمي إلى ما يعرف بالكنيسة الخمسينية .
يحتاج الأمر تفكيك هذا المصطلح ، الكنيسة الخمسينية ، وبإختصار القول ، هي إحدى فروع التيار البروتستانتي ، الذي شارك بقوة في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية ، سيما أن غالبية المهاجرين من أوربا للأرض المكتشفة حديثا ، كانوا ينتمون لهذا التيار المسيحي ، القريب جدا في الفكر من اليهودية ، والذي يرتكز على قبول التوراة ومفاهيمها بصورة ربما أكثر من العهد الجديد .
هنا لا يمكن إعتبار ،”الخمسينية “، كنيسة رسولية ، أي أن مؤسسها ليس من الحواريين ، مثل الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية حول العالم .
ينشط القس غريغ لوك ، محاولا إحياء حركة التجديد الإيماني ، ويعتبر أن الوقت الحالي ، هو الموعد المرتقب لتجديد روح أمريكا المسيحية ، المتماسة مع اليهودية .
المثير للغاية أن حركة غريغ لوك ، تجد نظراء لها في ولايات أمريكية أخرى ، حتى وإن أختلفت الأسماء ، فيما الأمر الأشد خوفا ، هو إيمان تلك الجماعات بالعنف ، كطريق للتغيير .
هنا ربما يتوجب على الذين تابعوا أحداث نهار السادس من يناير كانون أول عام 2021 ، أي اليوم الذي جرت فيه محاولات إقتحام الكونغرس ، أن يتذكروا وجود أعلام ذات هوية مسيحية وسط تلك الغوغاء التي تبعت الرئيس ترامب ، وحاولت إلغاء نتيجة الإنتخابات الرئاسية 2020 .
تعتقد هذه الجماعات أن :” الرب له خطة خاصة للولايات المتحدة “، ومن هولاء القس “كين بيترز “، وهو بدوره مشرف على جماعة أخرى تدعى ،” الكنيسة الوطنية “، بولاية تينسي أيضا .
من أين يمكن للمرء أن يبدا تأريخ تلك الجماعات اليمينية الدينية الأمريكية ، ثم يبقى التساؤل الأكثر أهمية :” ما الذي يجعلها هذه الأيام تحديدا تعاود الظهور مرة جديدة ، وعلى هذا النحو من القوة والعزم والتصميم ، في محاولة لتغيير المشهد المجتمعي الأمريكي ، فكريا في البداية ، وربما ديموغرافيا في نهاية المشهد ، ما يحمل على توقع صراعات أهلية عما قريب .
لفهم أمريكا المتدينة ، دولة الرب ، يتحتم علينا العودة إلى الوراء نحو أربعة قرون ، أي حوالي أربعمائة عام ، حين تم إكتشاف تلك الأرض الجديدة من جانب كريستوفر كولمبس ورحالته .
في ذلك التوقيت ، كانت أوربا تعيش حالة من الصراع الديني والمذهبي ، وقد لاقى البروتستانت المحتجين على السلطة الكنسية الكاثوليكية في روما ، عنتا وعسفا شديدين ، الأمر الذي دعاهم للتفكير في الهجرة من أوربا إلى ذلك العالم الجديد ، وقد أطلقوا عليها لقب،” أرض كنعان “، في تشابه مقصود بخروج الشعب العبراني من أرض مصر إلى الأرض المقدسة في فلسطين .
كانت الباكورة قد أستقلت السفينة الشهيرة “ماي فلاور “، عام 1620 م ، ومن هنا بدأ الإرتباط بالعهد القديم أي بالتوارة ، ولهذا تجذرت العلاقة مع الشعب اليهودي ، قبل ظهور تيودور هيرتزل ، أو الدعوة لتأسيس دولة إسرائيل .
أسس المهاجرون الجدد ، والبعض يطلق عليهم لقب ” المستعمرون البيوريتانيين “، كما الحال مع البروفيسور مايكل كوربت ، والبروفيسورة جوليا ميتشل كوربت ، في كتابهما العمدة ،” الدين والسياسة في الولايات المتحدة “، أسسوا مستعمرة خليج ماساتشوستس .
لقد أراد البيوريتانيين ، وهم البروتستانت الذين رغبوا في تطهير كنيسة إنجلترا ، الإنفصال تماما عن رئاستهم الدينية هناك ، وممارسة معتقداتهم الدينية والإيمانية بحرية تامة ، وقد بلغ عدد هولاء نحو عشرين ألف مهاجر ، سوف يصبحوا نواة لفكر ديني جديد على أراضي الهنود الحمر وليكتبوا قصة مثيرة للدولة الدينية التي تختبئ وراء شعارات المدنية .
ونظرا للمكانة البارزة التي أحتلتها التجربة البيوريتانية في أعين العالم ، آمن البيوريتانيين بأن الرب سينزل بالمستعمرات اشد عقاب على أي خطيئة . فقد كان العهد عبارة عن إتفاقية أبرمها جميع المستعمرين مع بعضهم البعض ومع الرب.
ومن ثم اصبحت هذه الإتفاقية بمثابة عقد ملزم لسائر المجتمع . وقد أنعكس هذا العهد على كل من النظم الدينية والسياسية ، وكان يتعين على كل من الدولة والكنيسة أن تعضد وأن تحمي كلتاهما الأخرى ، بالرغم من كونهما مؤسستين مستقلتين . فالجميع مطالبون بالذهاب إلى الكنيسة وتقديم الدعم المادي لها .