
إميل أمين
متى عرفت الإنسانية طريقها إلى الحضارة ؟ ربما يظن البعض أن ذلك حدث حين أكتشف البشر النار ، أو حين صنعوا الآلات الحديدية بهدف حرث الأرض وزرعها ، أو عندما صنعوا الآواني الفخارية لحفظ الطعام .
غير أن عالمة الإنثروبولوجيا الأمريكية ” مارجريت ميد ” ، قدمت ذات مرة جوابا مثيرا حين أشارت إلى«إن أول علامة على الحضارة في ثقافة قديمة هي إثبات وجود شخص شُفِي من كسرٍ في عظم الفخذ!»..لماذا ؟
عند العالمة الأمريكية أنه في مملكة الحيوان، إذا كسرت ساقه، فإنه ميت لا محالة؛ لا يمكنه الهرب من الخطر، أو الذهاب إلى النهر لشرب الماء، أو الصيد لإطعام نفسه وصغاره، ويصبح لحماً طازجاً للحيوانات المفترسة، فلا ينجو أي حيوان من ساقه المكسورة لفترة كافية لشفاء العظم.
إن كسر عظم الفخذ الذي تم شفاؤه دليل على أن شخصاً ما قضى وقته في البقاء مع من سقط، وجبر كسره، ووضعه في مكان آمن واعتنى به حتى تعافى.
تحمل الإجابة رؤية فلسفية مفادها :”إن مساعدة شخص ما في مواجهة الصعوبات هي نقطة انطلاق حضارة أكثر إنسانوية ، الإنسان فيها هو القضية ، والإنسان كذلك هو الحل ، لا أكثر ولا أقل “.
في هذا السياق تجئ مؤسسة ” أحياها “، والتي أنطلقت في المملكة العربية السعودية من قبل الأمير عبد العزيز بن طلال وسُرى بنت سعود للتنمية الإنسانية ، لتخدم هذا المعنى والمبنى الذي يعمق الروح الإنسانية ، ويجذر حضورها ، في عالم بات قريبا من تسليع الإنسان ، وفي ظل عولمة تشابه حجر الرحى ، لا تقيم وزنا للمبادئ ولا الأخلاقيات ، تحكمها التوجهات المادية والبراغماتية ، وتخلى جانبا روح الإيمان ، ومفاهيم الرحمة ومنطقات التعاطف الإنساني .
قبل نحو أسبوع كانت جائزة الحوار الوطني في المملكة العربية السعودية وهي أول جائزة من نوعها ومن مركز يحمل أسم مؤسس المملكة من نصيب مؤسسة أحياها .
والشاهد أن جائزة الحوار الوطني تعد جائزة وطنية سنوية تهدف لتشجيع الإنجازات الوطنية المقدمة من المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص أو مؤسسات المجتمع المدني ،أو الأفراد التي ساهمت بشكل مميز وفعال في تعزيز قيم التلاحم والتسامح التي يسعى مركز الملك عبد العزيز للحوار لترسيخها في المجتمع .
جاءت مؤسسة ” أحياها ” في الوقت القيم ، وكما يقال في علم النفس ، وهو الوقت الذي تعظم فيه فائدة الفعل ، لا سيما إذا أتسق مع مجريات الأحداث حول العالم .
تعنى ” أحياها ” بالمبادرات التنموية المستدامة ، ودعم البرامج المبتكرة ، ما يفيد بأنها حاضنة تنموية لمفهوم ريادة العمل الإنساني.
يؤكد رئيس مجلس أمناء المؤسسة الأمير عبد العزيز بن طلال على أن المؤسسة تقوم بدور تكاملي مع المؤسسات الحكومية والخاصة والغير ربحية لدعم المشاريع الإنسانية المستدامة .
والثابت أن مؤسسة “أحياها” هي شكل من أشكال مؤسسات المجتمع الوطني الأنفع والأرفع لتغيير الأوضاع وتبديل الطباع، عبر رفع منسوب المشاركة الشعبية بجانب العمل المؤسساتي الحكومي ، وكنوع من أنواع العمل الوطني الصادق لإستنهاض قوى المملكة العربية السعودية، في مساراتها ومساقاتها الحديثة .
لا تتوقف نظرة ” أحياها ” عند الحاضر ، وإنما تتطلع إلى آفاق المستقبل ، بحثا عن كل ما يذلل العقبات والتحديات التي تواجه الإنسان ومجتمعه ، وسواء كان الأمر يخص أجيال اليوم ، أو يتجاوزها لأجيال الغد ، وفي كل الأحوال تبقى برامج المؤسسة جسرا بين الحاضر والمستقبل ، بهدف التطوير والتغيير البناء ، وفي عالم تتراكم فيه المعضلات يوما تلو الأخر .
تبدو منطلقات ” أحياها ” خلاقة وإبداعية غير إتباعية ، لاسيما وأنها تؤمن بأن العمل الإنساني المستدام يحقق جودة لحياة الإنسان وبيئته ، ولهذا تهتم أول الأمر بتبني مشاريع مبتكرة ومبادرات ملهمة .
تهدف ” أحياها ” في مسيرتها إلإنسانية إلى تحسين حياة المجتمع ، من خلال برامج مجتمعية مبتكرة ومستدامة ، عبر عمل مؤسسي إحترافي ومؤثر لتجاوز التحديات ، وخلق فرص تنموية ، والعمل يدا بيد مع المؤسسات الحكومية والأهلية لتطوير حياة الإنسان .
في السياق نفسه ترى الأميرة سُرى بنت سعود بن سعد آل سعود نائب رئيس مجلس الأمناء بمؤسسة أحياها أن ظروف المرحلة في قيادة العمل الإنساني تستوجب المساهمة في تعزيز البيئة الجاذبة والملهمة لكل برنامج يخدم الإنسان .
ذكاءات ” أحياها “، وكما تبينها الأميرة سُرى بنت سعود ، تتضح من خلال التركيز على برامج ومشاريع ذات تاثير متعدي، ليس فقط للمستهدفين المباشرين لكل منتج، ولكن لكل شريك محتمل في خدمة الإنسان ومجتمعه وحتى للأجيال القادمة .
من أبدع وأروع ما يقرأ المرء عن ” أحياها “، فكرة إعتمادها بشكل كبير على البرامج المجتمعية التفاعلية ، والتي تكون فيها الجماهير المستهدفة فعالة وواعية للحل ، وليست مجرد متلقي للخدمات أو المنتجات المجتمعية ، الأمر الذي يفيد بأن هناك بالفعل رؤية ما بعد إنسانوية لمجتمع يتحرك نحو البناء العقلاني الواعي ، مجتمع الإنتاج والإبداع ، وليس الإستكانة والإستسلام .
يعن لنا وفي مناسبة فوز ” أحياها” بجائزة متميز وكبرى التساؤل : ” من يغير مسار العالم ؟
الثابت عند الفيلسوف الألماني الكبير جورج هيجل (1770-1831) أن الأفراد أصحاب الروئ الإستثنائية ، هم من يملكون القدرة على تغيير مستقبل العالم ، والعالم تقوده فكرة ، وفي ” أحياها ” تبدو الفكرة مزيج من الإيمان بالإنسان ، والتخطيط بحسب الرؤى والمناهج الميثودولوجية ، والبعيدة عن جفاف الإيديولوجيات المتشددة إلى حد المتطرفة .
من نهنئ بهذا الجائرة ، القائمين على مؤسسة أحياها ، أم المتفاعلين معها والمستفيدين منها ؟
في كل الأحوال التهنئة واجبة للجميع ، مع الأمنيات بمزيد من التوفيق والنجاح .