وحدة الدراسات
في الثامن من نوفمبر تشرين الثاني المقبل ، تشهد الولايات المتحدة الأمريكية ، إنتخابات التجديد النصفي للكونجرس ، وفيها يعاد إنتخاب كافة أعضاء مجلس النواب والبالغ عددهم 435 عضو ، مقابل ثلث أعضاء مجلس الشيوخ ، أي 35 مقعدا من أصل 100 ، كما تشمل الإنتخابات الإقتراع على مناصب 39 حاكم ولاية .
قبل ثمانية أشهر تبدو الحملة الإنتخابية قد أنطلقت مبكرا ، والصراع دائر على أشده بين الحزبين الرئيسيين ، الجمهوري والديمقراطي ، لا سيما في ظل إضطرابات داخلية ، ومواجهات خارجية غير مسبوقة في تاريخ تلك الإنتخابات طوال العقدين الماضيين على الأقل .
يسعى طرفي المعادلة السياسة إلى تعديل تمثيليهما في مجلسي الكونجرس، فالجهوريون يريدون السيطرة من جديد على الغرفة الأعلى بنسبة مؤكدة ، أي مجلس الشيوخ ، والعودة مرة ثانية للهيمنة على مجلس النواب بأكمله ، بعد طول غياب .
على الجانب الأخر ، يتطلع الديمقراطيون إلى الحفاظ على سيطرتهم على النواب ، وإحراز تقدم يكفل لهم السيادة المطلقة على الشيوخ ، وبذلك يمكنهم تمرير كافة مشروعات قوانين وبرامج الرئيس بايدن، ودعم سياساته المختلف عليها في الداخل الأمريكي .
على أن علامة الإستفهام الرئيسة في هذه القراءة :” هل قدم بايدن وإدارته ما يكفي لتحقيق إنتصارات للديمقراطيين ، أم أن ما جرى حتى الساعة أي بعد عام ونصف تقريبا من دخوله البيت الأبيض كرئيس ، يجعل إنتصار الجمهوريين في مجلس الشيوخ على الأقل شبه مؤكد حتى الساعة ، وإذا لم تحدث تطورات على الساحتين الداخلية والخارجية تغير إتجاهات الأحداث وميول الناخبين “؟
ربما يعن لنا قبل الجواب عن التساؤل المتقدم التوقف للحظات وتأمل أحوال الرئيس بايدن ، وهل سيكون رصيد إضافي للديمقراطيين يراكمون عليه نجاحات تؤهلهم للنصر ، أم أنه سيضحى عامل إنتقاص من قدراتهم ومساحة نفوذهم عبر مختلف الولايات .
بعد نحو ثمانية عشر شهرا في البيت الأبيض ، يبدو من الواضح أننا أمام رئيس أخفق في تحقيق هدفين رئيسيين وعد بهما خلال حملته الإنتخابية :
الأول : هو القضاء على الظاهرة التي عرفت بأسم ” الترامبية ” أي أولئك الذين يمضون خلف الرئيس السابق دونالد ترامب ، والذين يفوق عددهم الخمس وسبعين مليونا ، وربما أكثر الآن ، هولاء الذين لم يفتر حماسهم ، بل ربما تضاعف من جراء خيبات إدارة بايدن المتتالية .
الثاني : هو توحيد البلاد خلف راية رئاسية واحدة ، إذ لا يزال مستوى الإستقطاب على أعلى مستوى عرفته الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب الأهلية التاريخية ، إستقطاب على أكثر من صعيد ، عرقي وإيديولوجي ، حزبي وطائفي ، بين من يرى أمريكا لا تزال بوتقة إنصهار ، ومن يرفع راية الهويات القومية المتشددة .
ولعل إخفاق الرئيس بايدن في تحقيق أي من الهدفين المتقدمين ، هو ما جعل روبرت كاغان ، وهو مفكر أمريكي ،من قيادات المحافظين الجدد ، يتوقع صراعا أهليا عام 2024 ، أي مع الإنتخابات الرئاسية القادمة ، لا سيما إذا رشح الرئيس السابق ترامب نفسه عن الحزب الجمهوري .
تبدو المخاوف من الإنقسام الحادث في النسيج المجتمعي الأمريكي خطيرة بالفعل ، الأمر الذي دفع الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان للقول أنه يسأل الله أن لا يفكر ترامب في ترشيح نفسه مرة أخرى ، لثقته بأن ذلك قد يقود إلى مواجهات دامية ، قد تضحى بداية لإنشقاقات أمريكية متوقعة من قبل الكثيرين ، تبدأ في العقول ثم لا تلبث أن تنسحب على النطاق الجغرافي ، ما يعني تفكيك روح الإتحاد الأمريكي .
في الأسبوع الاخير من شهر مارس آذار المنصرم ، إنخفضت نسبة تأييد الرئيس بايدن بصورة تدعو حزبه للقلق .
الإستطلاع الذي نحن بشأنه أجرته رويترز /إيسوس ، في الفترة ما بين 21 و 22 مارس ، وفيه أشار 54 % من المستطلعة أراؤهم إلى أنهم لا يوافقون على أداء بايدن الوظيفي .
ما هو الهم الأكبر والشغل الشاغل الرئيس للمواطن الأمريكي ، والذي على ضوءه يتم تحديد نسب التاييد للرئيس ؟
حكما هو الإقتصاد والعائد المادي الأسبوعي لكل مواطن أمريكي ، وهو ما لم يتحسن في عام ونصف من حكم بايدن ، بل على العكس من ذلك تراجعت الأوضاع ، ما بين تضخم ، وإرتفاع أسعار ، في الداخل ، وقرارات غير يقينة تجاه الخارج ، كما الحال مع وقف إستيراد النفط من روسيا ، عقابا لها على غزوها لأوكرانيا .
وفي الجزئية الأخيرة ، نجد أن هناك ما يقرب من 40% من الذين شملهم الإستطلاع قد ألقوا باللوم على إدارة بايدن في إرتفاع أسعار الغاز القياسي في الأسابيع الأخيرة ، حيث ألقى حوالي 20% باللوم على العقوبات المفروضة على روسيا ونحو 18% ألقوا باللوم على شركات النفط والغاز في رفع الأسعار .
هل بايدن في مأزق ؟ وهل يقود هذا المأزق إلى خسارة كبرى لحزبه عما قريب ؟
كان هذا التساؤل هو ما طرحته صحيفة ” ذا هيل” للنقاش مؤخرا ، بعدما رصدت تدني نسبة التاييد للرئيس ، رغم تفوقه على المسرح العالمي ، ورسمه مسارا ثابتا من خلال دوره في أزمة أوكرانيا ، غير أن ذلك لا يبدو أنه يفيده كثيرا في الداخل الأمريكي .
تهتم ” ذا هيل ” بإبراز نقطة جوهرية في هذا السياق ، وهي أن الأمريكيين وأن إتفقوا مع قرارات بايدن لجهة روسيا ، ومع قلقهم من المشاهد غير الإنسانية للحرب في أوكرانيا ، الإ أن المشاكل الأخرى ، والتضخم قبل كل شيئ ، تحتل مكانة بارزة أكثر في حياة الناخبين الأمريكيين ، وما لم يتمكن بايدن من تخفيف تلك المشاكل ، فقد يتكبد حزبه خسائر فادحة في نوفمبر القادم .
مثل هذه النتيجة ستجعل الرئيس مقيدا بشدة من قبل الكونجرس الذي يقوده الحزب الجمهوري خلال السنتين الأخيرتين من ولايته الأولى .