
السيد العادلي
المتابع الجيد للشأن الروسي منذ تفكك الكتلة الشيوعية في نهاية 1991م يري أن هناك شخص واحد أثر بشكل مباشر علي تكوين العقلية الروسية الجديدة وهو “الكسندر دوجين ” فيلسوف بوتين المفضل الذي استعار عقله ليفكر به ويخطط ويرسم ملامح الدولة الروسية أو الامبروطورية الروسية الجديدة كما يطلق عليها من خلال كتابه ” أسس الجغرافيا السياسية” فمن هو ملهم بوتين العنيد الذي نجح في التأثير علي عقلية وفكر بوتين .
” رجل ملتح فتن بوتين بأفكاره التي تتركز في ضرورة إعادة أمجاد روسيا العظمي، وذلك منذ بدايته وحتي الحرب الأوكرانية الروسية.
ولا يمكن أبدا أن ينكر أي متابع جيد للشارع الروسي خلال الثلاث عقود الماضية، إلا وقد سمع جيدا عن الفيلسوف الملتحي الذي يكره الشيوعية بفكرها القديم ويعتنق الفكر المتجدد ، والروحانيات الصوفية القريبة من التصوف في الإسلام .
– “السكندر دوجين” الذي يحظي بنفوذ سياسي قوي داخل أروقة الكرملين والدوما وعلي مستوي الأكاديمي الروسي والذي يهيمن علي فكر وعقل بوتين من خلال توافق تام في العقل والفكر، وأبرز المناصرين لفكرة القومية الروسية،
– فمن هو السكندر دوجين وماهي أفكاره وكيف اعتنق بوتين العنيد لفكر هذا العقل الذي يكره الشيوعية ويعشق الروحانيات الصوفية أو المسيحي المتصوف الذي يحب الإسلام مع الاحتفاظ بعقيدته الدينية.
ولد السكندر دوجين في عام 1962 ووالده كان ضابط في الاستخبارات السوفيتية وأمه طبيبه .
وقد عاني في طفولته كثيرا خاصة وأنه خرج للدنيا وقد انفصل والده عن والدته وهو في عمر الثالثة من عمره لكنه حرص علي أن يعيش ابنه في مستوي معيشي جيد
وفي عام 1979 انضم ألكسندر دوجين لمعهد موسكو للطيران لكنه ترك كلية الطيران والتحق بكلية الفلسفة الذي كان شغوفا بها لدرجة الجنون، بجانب أنه كان من محبي التقاليد المحافظة و الروحانيات الصوفية وهو الأمر الذي أثر كثيرا علي بوتين وحبه للدين الإسلامي وتقربه للمسلمين لدرجة أنه يحفظ آيات كثيرة جدا من القرآن الكريم ، بجانب أن هذا الآمر يؤكد مدي تأثر بوتين بالفليسلوف الملتحي كما يطلق عليه في الاتحادي السوفيتي حتي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الوجود القانوني لدولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، في 26 ديسمبر 1991م عقب إصدار مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي الإعلان رقم (H-142) والذي أُعلِن فيه الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة، وإنشاء رابطة الدول المستقلة لتحل محل الاتحاد السوفيتي. .
تخرج ألكسندر قبل أن يحصل علي الدكتوراه واكتفي بالحصول علي الماجستير مرتين – الأولي في علم الاجتماع والثانية في العلوم السياسية .
وقبيل تفكك الاتحاد السوفيتي انشق دوجين عن الشيوعية وشارك في المظاهرات التي أدت إلي إسقاط ” ميخائيل جورباتشوف ” أخر رئيس للإتحاد السوفيتي المنحل .
في الحقيقة لم يكن ألكسندر دوجين رجل عادي بل كان فيلسوف وعلي قدر كبير من الثقافة السياسية وكان قارئ جيد للتاريخ وأول من توقع بانهيار الاتحاد السوفيتي رغم حزنه الشديد علي تفكك بلاده بهذا الشكل الذي أعطي للولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة وتحديد بوصلة الحياة السياسية في الكرة الأرضية كلها، ويتحدث دوجين تسع لغات .
وعمل أستاذا في علم الاجتماع بجامعة موسكو القومية المرموقة إلي جانب أنه كاتب سياسي غزير الفكر، وألف أكثر من 30 كتابا أهمها “أسس الجغرافية السياسية “الذي ألفه في عام 1997م ، وكتابه ” النظرية السياسية الرابعة ” الصادر في عام 2009م اللذان يعدان أهم الكتب في روسيا البيضاء ومنقطة القوقاز كلها الداعية إلي إحياء فكرة القومية الروسية وإعادة الأمبروطورية السوفيتية بشكلها الجديد وإعادة هيمنتها مجددا في عالم متعدد الأقطاب .
ألتقي فكر بوتين ودوجين في تحقيق حلم إعادة الامبروطورية الروسية خاصة علي كافة المناطق الناطقة باللغة الروسية سواء في جورجيا أو شبه جزيرة القرم أو أوكرانيا ويعتبره الكثيرون أنه العقل المدبر لإقناع بوتين بضم شبه جزيرة القرم في عام 2014م بل والحرب الروسية الأوكرانية التي تجري اليوم منذ أكثر من 103 يوم بالكمال والتمام.
– يشغل الفيلسوف دوجين مستسار رئيس مجلس الدوما ، ويتبني سياسة خارجية تدعو إلي إعادة بناء الاتحاد السوفيتي السابق تدريجيا بعيدا عن الشيوعية التي أربكت وأضعفت الإتحاد السوفيتي السابق ، لكن علي مصطلح ” أوراسيا الشمولية” أو الاتحاد الروسي الجديد، وهنا يلتقي حلم” بوتين – دوجين ” الذي يلخص مفهوم سياسي جديد يطلق عليه ” الأورو أسيوية الجديدة” التي تعتمد علي أن أسيا أقرب ثقافيا إليها من أوربا ، لذلك يدعو إلي إمبراطورية أورو أسيوية تمتد من المحيط الأطلسي غربا إلي جبال الأورو شرقا، إضافة إلي أوكرانيا وفلندا، بجانب كل الشعوب الناطقة بالروسية.
ويتفق بوبتن مع معشوقة وأستاذه وملهمه بأن الجغرافيا تلعب دورا هاما، لا يقل بأي حال من الأحوال عن القوة الروسية العسكرية ، ويطلقان عليها مصطلح ” الثقافة والإرث الحضاري الروسيين ” والتي تقوم علي بناء أمة روسية عظيمة وتلك سياسة بوتين الذي يطلق عليها ” السياسة الرابعة ” والتي وضع علي أساسها سياسته الداخلية والخارجية وبدأ فورا في تنفيذها منذ أن تولي حكم الدولة الروسية، ويبدوا أن الرجلين ” بوتين- دوجين ” عقل واحد ، تفكير واحد ولكن بجسدين.
في الحقيقة المراقب الجيد للشأن الروسي يري بوضوح تأثير الفيلسوف ألكسندر دوجين علي السياسة الروسية و توجيه البوصلة السياسية الثقافية للدب الروسي الجديد الذي بدأ يصحوا من نومه بعد فترة ثبات عميق، ترك المجال لهيمنة القطب الواحد يدير العالم ويتحرك في البوصلة السياسية العالمية كيفما يشاء، حيث يعتبر دوجين أهم الشخصيات البارزة منذ ثلاثة عقود ، حتي أن بوتين المعروف بعناده ولايستمع الي أحد واتبع حرفيا توصيات دوجين في كتاب” أسس الجغرافيا السياسية” .