1 أبريل 2023 7:05 ص
أخبار عاجلة

روح نصر أكتوبر وزمن التضامن العربي.. تقرير

ارشيفية

المراقب : وحدة الدراسات

في معركة أكتوبر 1973 يجد المرء طاقات نور عديدة في وسط أجواء الظلام والإظلام الحالية والتي ربما نتجت عن حالة الضعف والتفكك العربي التي سرت في الجسد الواحد وهو مشهد بالتأكيد مجافي ومنافي لما جرى في ذلك الزمن الجميل ، أي زمن حرب أكتوبر .
السؤال الذي نود طرحه في هذه القراءة :” هل كانت حرب أكتوبر حربا مصرية فقط أم كانت معركة قومية عربية بامتياز ؟
في مذكراته الثرية جدا يحدثنا المشير ” محمد عبد الغني الجمسي ” والذي شغل منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر 1973 برتبة لواء ، ولاحقا رئيس أركان برتبة فريق ، ثم وزيرا للحربية برتبة مشير ، نجد حديثا يؤكد على أن المعركة في ذلك الوقت كانت معركة قومية لا مصرية فقط .. كيف ذلك؟
يقول الجمسي لقد بنيت الإستراتيجية المصرية على أساس إدارة الصراع المسلح ضد إسرائيل بالإمكانيات الذاتية لمصر بالتعاون مع سوريا ، وان القتال نفسه يتيح الفرصة لاستغلال الطاقات العربية التي تراها كل دولة عربية .
والشاهد فعلا أن العرب جميعا قد رفعوا شعار ” قومية المعركة ” وبذلت غالبية الدول العربية الجهود لوضع هذا الشعار موضع التنفيذ ، كما أن جامعة الدول العربية حاولت إيجاد تعاون عسكري بين الدول العربية لتحرير الأرض وحل القضية الفلسطينية ، إلا أن ذلك كان أملا لم يتحقق خلال سنوات مضت منذ هزيمة يونيو 1967 ورغم انعقاد مؤتمرات قمة عربية لإزالة آثار العدوان .
ما الذي كان يهم القيادة العامة للقوات المسلحة في مصر قبل انطلاق المعركة ؟
كان الاهتمام الأكبر هو أن يكون العمل العسكري ضد إسرائيل ينطلق من ثلاث جبهات عسكرية هي مصر وسوريا والأردن ، وان تشترك الدول العربية الأخرى بجزء من إمكانياتها العسكرية في هذه الجهات إيمانا بان الأرض المحتلة لا يمكن أن تسترد إلا بالقوة المسلحة بعد فشل كل الجهود السياسية لحل المشكلة خلال خمس سنوات مضت .
في الفترة من 27 إلى 30 يناير 1973 انعقد في القاهرة ” مجلس الدفاع المشترك ” وهو احد أجهزة جامعة الدول العربية وقد كان فرصة لمناقشة فكرة قومية المعركة .

في ذلك الاجتماع قدمت مصر تقريرا لمجلس الدفاع المشترك بمعرفة وزير الحربية وقتها الفريق أول احمد إسماعيل علي أوضح فيه الموقف الاستراتيجي العربي وأسس الخطة الشاملة لتحرير الأراضي العربية والفكرة العامة للتخطيط العسكري ، وانتهى التقرير بتوصيات محددة للعمل العسكري المشترك والتزامات الدول العربية بشأنها من حيث تحديد الوحدات والتشكيلات العسكرية التي تقدمها الدول العربية لخوض المعركة الشاملة ضد إسرائيل بهدف استعادة الأرض وحل المشكلة ، وهي في الحقيقة معركة المصير .

ولعل أعظم ما جرى في ذلك الاجتماع هو بلورة روح عربية قومية واحدة ، فقد اتفق العرب جميعا على أن الصراع العربي الصهيوني صراع من اجل البقاء في مواجهة غزوة استعمارية عنصرية توسعية لا يمكن القضاء عليها بالتصدي الكامل لها ولهذا يجب أن تجتمع إمكانات الأمة العربية جميعا .
في ذلك اللقاء توصل الجميع إلى مفهوم سياسي واحد لما تريده إسرائيل ، واعتبروا جميعا أن الهدف السياسي لإسرائيل هو ” فرض شرعية الوجود في فلسطين وتامين هذا الوجود بضم مساحات جديدة من الأرض العربية ورفع القيود على نموه وتطوره ، تمهيدا لمرحلة ثانية من التوسع لتحقيق حلم إسرائيل في إقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات .
أما الهدف الاستراتيجي العسكري الذي وضح لكل القيادات العربية في ذلك اللقاء فهو أن إسرائيل تسعى إلى ” منع الدول العربية والمقاومة الفلسطينية من استعادة الأرض العربية المحتلة أو تعريض الأمن القومي لإسرائيل للخطر حتى ترضخ الإرادة العربية لتحقيق الهدف السياسي لإسرائيل .
وأما العناصر الرئيسية للإستراتيجية الإسرائيلية فهي الاحتفاظ بقوات جوية متفوقة رئيسية ضاربة لها ، والاحتفاظ بخطوط وقف إطلاق النار هادئة لحين فرض حل في صالحها .
وتتضمن هذه الإستراتيجية أيضا عرقلة العمل العسكري العربي الموحد ، والعمل على تثبيت الأمر الواقع في الأراضي المحتلة وطمس حقائق القضية الفلسطينية .
هل كان في حرب أكتوبر إبداع حقيقي ومعجزة عسكرية بالفعل ، تجاوزت إشكالية التفوق الإسرائيلي المعروف والدعم الأمريكي الفائق لها ؟
المؤكد انه كان على القوات المسلحة المصرية وفي ظل الدعم العربي المالي والنفطي والعسكري والمعنوي لها أن تدخل الحرب في ظروف عسكرية صعبة معقدة لهدم ” نظرية الأمن الإسرائيلي ” التي وضعتها إسرائيل لتكون ستارا لتحقيق أهدافها التوسعية وفرض الأمر الواقع على العرب .
ولعلنا لم نس ما قاله ديان قبل الحرب بحوالي شهر ونصف ” إن السلام الذي تريده إسرائيل قد تحقق منذ عام 1967
، وان السلام الرسمي مع العرب يضر بالحالة التي تحرص عليها إسرائيل ، وهي تثبيت الأمر الواقع الذي فرضته تلك الحرب .. وان حدود إسرائيل تتغير تلقائيا حسب طبيعة ونمو وتوسع إسرائيل “.
كانت مصر مقبلة على الحرب بينما العدو في حالة تفوق عسكري ، والوضع الطبيعي أن يكون المهاجم متفوقا على المدافع ، وكان من الضروري إهدار التفوق العسكري في المرحلة الافتتاحية للحرب وهي مرحلة الهجوم مع اقتحام قناة السويس .
في وقت الحرب كان العدو يستند إلى خط محصن على الضفة الشرقية للقناة ، وله القوات الكافية المدربة في سيناء تحتل الخط الأمامي وقوات مدرعة على انساق متتالية ، وكان لابد من نجاح العلمية الهجومية واختراق تحصيناته وتدميرها ، وبذلك يتم تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي .
كانت القوات المسلحة المصرية مقبلة على الحرب وهي تعلم أن نجاح العبور يتطلب حتما إنشاء كباري وتشغيل معديات ، وهذا يتطلب حتما عمل فتحات في الساتر الترابي العالي على الضفة الشرقية للقناة ، وكل فتحة تتطلب تهايل 1500 متر مكعب من الرمال تستغرق عدة ساعات . والكباري لابد أن تنشا خلال 8 ساعات لعبور الدبابات والأسلحة الثقيلة ، فإذا تحققت المفاجأة يمكن كسب الوقت ومنع العدو من التدخل السريع لعرقلة عمل الفتحات أو إنشاء الكباري وبالتالي يتم العبور .
على أن اخطر ما كان يواجه القوات المسلحة المصرية في ذلك الوقت هو أنها كانت ستدخل الحرب ضد عدو لديه جهاز مخابرات اشتهر بكفاءته وتعاونه مع أجهزة المخابرات الأمريكية لمعرفة كل ما يدور في الوطن العربي ، فإذا اكتشفت اى من هذه الأجهزة نوايا مصر الهجومية فان إسرائيل ستبادر بتوجية ضربة وقائية ، ضربة إجهاض تجعل عملية الهجوم أكثر صعوبة واشد تعقيدا ، كما أن إسرائيل ستبادر أيضا بتعبئة الاحتياط وإرساله إلى الجبهتين المصرية والسورية خلال يومين .
ماذا جرى وضمن انتصارا باهرا لمصر وللعالم العربي في هذه الحرب المجيدة ؟
الثابت انه وبسبب ما تقدم كان من الضروري بذل كل جهد ممكن لتحقيق المفاجأة حتى تكون المبادأة للعرب لأول مرة في الحرب ضد إسرائيل ، وحرمان العدو من فترة الإنذار اللازمة للتعبئة ، وعدم إعطائه فرصة توجيه ضربة وقائية وضمان نجاح الهجوم والعبور ، وكذلك الهجوم في الجولان بأقل خسائر ممكنة .
لقد كانت القوات المسلحة المصرية في منطقة القناة على اتصال بالعدو حيث لا يفصلها عنه سوى حوالي 200 متر وهو عرض القناة كما أن القوات في الجبهة السورية تتواجد تحت الملاحظة المستمرة من جانب العدو الذي يحتل المرتفعات العالية بالجولان وفي جبل الشيخ والتي تسيطر على مناطق حشد في المناطق المنخفضة ، ومعنى ذلك أن العدو يسهل عليه اكتشاف أي تغيير جوهري في حجم القوات أو استعدادها لحرب في الجبهتين أو أحداهما ، وهذا يوضح مدى صعوبة تحقيق المفاجأة في هذه الحالة .
كما كانت هناك صعوبة أخرى في تنفيذ الإجراءات الخداعية بحيث تبدو للعدو حقيقية ، وبحيث تقتنع القوات أو الجهات التي تقوم بتنفيذها بأنها حقيقية دون أن تعلم أنها خداعية .
في وسط هذه الصعوبات الحقيقية تتجلى العبقرية المصرية مدعومة بالتضامن العربي الذي آمن بفكرة قومية المعركة ، ولذلك فقد اشترك في وضع خطة المفاجأة عدد محدود جدا من ضباط هيئة عمليات القوات المسلحة وكتبت بخط اليد كخطة العمليات تماما واشتملت الخطة على إجراءات وأعمال كثيرة متنوعة في مجالات مختلفة بحيث تكون صورة متكاملة أمام العدو تفيد بان القوات المسلحة في مصر وسوريا ليس لديها نية الهجوم بل تعمل لتقوية دفاعاتها واستعدادها ضد هجوم إسرائيلي محتمل .
يضيق المسطح المتاح للكتابة على سرد أبعاد لحظات الانتصار الحقيقي في حرب أكتوبر وأولاها الانتصار على الذات المتفرقة والمبعثرة ، ولم الشمل تحت راية عربية واحدة ، لقد كانت فكرة قومية المعركة أولى خطوات النجاح والفلاح في حرب أكتوبر ، واغلب الظن أن العالم العربي في أيامنا هذه في حاجة ماسة إلى روح أكتوبر من جديد حتى يقدر له العبور الحقيقي إلى بر الأمان ، سلاما وتنمية وازدهار على جميع جبهات الحياة .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.