3 يونيو 2023 1:09 ص

إميل أمين ..الحوار والتعايش .. طريق للتنمية والسلام

إميل أمين

هل بات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات ضرورة حتمية ،أم رفاهية يمكن الإستغناء عنها ساعة نشاء ؟
قبل الجواب يبقى هناك تساؤل أهم : ما هو البديل عن الحوار ؟ وهل الخصام والحروب والقلاقل والإضطرابات هي الحل والبديل الوحيد المتوافر أمامنا ؟
لعله يلزمنا أن نوضح بادئ بدء أن منهج الحوار لم يعد ضرورة عالمية أو شرق أوسطية فحسب، بل بات حاجة كونية ، ذلك أن منهج الحوار أضحى مطلبا انسانيا وحضاريا في عالم سقطت فيه الحواجز ،وتشابكت فيه المصالح، وزادت إحتياجات البشر لبعضهم البعض ، وأصبح الشان الداخلي خارجيا بطريقة أو باخرى ،والخارجي تحول ليؤثر على سير الحياة الداخلية ،وباتت فكرة الإستغناء عن الأخر غير ممكنة في عالم تشابكت فيه الخيوط وتداخلت الخطوط ، وعليه فإنسان القرن الحادي والعشرين، لا يجد أمامه سوى درب من إثنين ، فإما المنهج الحواري التفاهمي العقلاني، الذي يتجنب الصدام ويحاول توسيع مساحات التفاهم بالتركيز على الإيجابيات المتحققة ،وإضاءة أوجه الشراكة النافعة بين الأديان والثقافات والحضارات ،وتقليص مساحات الخلافات والتعارض ، وإما المنهج الثاني وهو التصادمي التحريضي الإتهامي العدائي ، ذلك المعتمد على توظيف الدين في الصراعات السياسية ،وإحياء النزاعات التعصبية وإستدعاء الروح العدائية التاريخية ،وتصوير المغاير على أنه العدو المتامر ابدا ودوما، وعليه تجب كراهيته وعداوته .
في هذا السياق يمكننا قطعا أن نشير إلى أن ظلام الاصوليات الدينية التي ملأت الساحات العالمية في النصف الأخير من القرن المنصرم ،وتجاوزت الأديان السماوية إلى العقائد الوضعية ،قد أثرت بالسلب على مسيرة الحوار، وبات الأخر متحفزا لمن عاداه، وظهرت على السطح نظريات الصدام ومن ثم تقسيم العالم كما فعل هنتنجتون.
ولعل التساؤل الرئيس الذي يقوم عليه هذا المقال : هل من علاقة بين الحوار والتعايش كطريق للتنمية والسلام؟
بالقطع نعم ، ذلك أن الحوار يعني المعرفة، إذ يساعد عليها ويمهد الطريق للتنوير ، والذي هو جزء لا يتجزأ من التقدم والمساعدة على نهضة الفكر والعالم ، كما أن الحوار من أهم الأساسات التي بنيت عليها الدول الكبرى، سيما النهضة في أوربا.
في هذا الصدد يجدر الاشارة الى ما كتبه وزير الاوقاف المصري الأسبق ، العالم الجليل الدكتور محمود حمدي زقزقوق، رحمة الله عليه ، في كتابه القيم ” الإسلام وقضايا الحوار ” من أن :” قضية الحوار أصبحت في عالم اليوم قضية ملحة على جميع المستويات، فنحن نعيش في عصر تشابكت فيه المصالح وتعقدت فيه المشاكل على نحو لم يسبق له مثيل ، ومن هنا يمكن القول أن الحوار قد أصبح ضرورة من ضرورات العصر للتغلب على المشكلات الواقعية في عالمنا ،والقضايا الدينية تعد جزءا لا يتجزأ من مشكلات عالمنا الواقعية ، بل تعد القضايا الدينية في كثير من الأحيان بمثابة الخلفية لبقية المشكلات ،لما للدين من تاثير عميق قي نفوس الناس” .
إن الإيمان يعاش دوما في القلب ، ويبين لنا تاريخ الأديان أن جماعة المؤمنين تسير تدريجيا نحو ملء أمانتها لله إذ تستقي في مسيرتها من الثقافة التي تعايشها لتصقلها ، نجد هذه الدينامكية لدى مؤمني الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى ، إننا نستجيب لدعوة الله على مثال أبو الاباء إبراهيم ونرحل للبحث معا عن تمام وعود الخالق فينا ، كما نسعى جاهدين للإنصياع لمشيئته ونشق دربا في ثقافتنا الخاصة .
والشاهد أن السؤال الذي يطرح نفسه الان : أي إسهام تقدمه الديانات إلى ثقافات العالم للتصدي للتاثيرات السلبية لظاهرة العولمة الأخذة بالغنتشار سريعا ، وفيما كثيرون مستعدون للإشارة غلى الخلافات بين الديانات، والتي يمكن الكشف عنها بسهولة ، نجد أنفسنا كمؤمنين أمام تحدي الإعلان بوضوح عما لدينا من قواسم مشتركة .
والمقطوع به أن طريق الحوار ليس سخاءا رخاءا على الدوام ، ولم يكن كذلك صفاءا ذلالا ،في كل مراحله التارايخية، وقد تبدو في بعض الأحيان الخلافات التي نعالجها في الحوار الديني المشترك كحواجز ، ومع ذلك فهي لا تقتضي تعتيم المعنى المشترك للمخاوف الوقورة ،وإحترام الطابع الجامع والمطلق ، والحقيقة التي تدفع بالدرجة الأولى المؤمنين الى إقامة علاقات الواحد مع الاخر .
إنه اقتناع مشترك بأن الوقائع المتسامية تجد مصدرها في الكلي القدرة وتحمل بصمات الله الذي يمجده المؤمنون الواحد تجاه الأخر، وأمام المنظمات ومجتمعنا وعالمنا.
بهذه الطريقة لا تغني الثقافة فحسب، بل وتصقلها حياة أمانة دينية ، تردد صدى حضور الله القوي ،وتشكل ثقافة لا تعرف حدود الزمان والمكان، إذ تغذيها أساسا المبادئ والأعمال المتأتية عن الإيمان .
هل من بلورة ولو نسبية للأهداف التي يسعى الحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات إلى تحقيقها ؟
ربما تكون هذه بعضا منها :

** التعايش المشترك والسلمين بي جميع البشر .

** لا يتم هذا الإ بتوضيح بعض الحقائق المهمة، لكي يدرك كل شخص ان الأخر أيضا عنده الحق في أيمانه ،ولو كان جزئيا او يختلف عن الاخر .

** التعاون معا ضد الإلحاد المعاصر ،وكافة المذاهب التي تجعل من الإنسان سلعة معروضة للبيع والشراء .

** مواجهة النظريات والأفكار التصادمية المنطلقة من إيديولوجيات علمانية متطرفة .

** عبادة الله وطاعته وخدمة الأوطان بحب ومودة .

** التعاون والتضامن لخدمة المجتمع في كافة أحوال اليسر والعسر .

والمؤكد أن هناك كذلك معوقات وعقبات كؤود في طريق الحوار ونشير هنا إلى ثلاثة منها وهي :

** مقومات تاريخية وسياسية نتجت عن صراعات وحروب بين بني البشر عبر التاريخ ، شمالا وجنوبا ، شرقا وغربا .

** معوقات تأويلية عند بعض أتباع الديانات تتمثل في فكرة إمتلاك الحقيقة المطلقة .

** معوقات فردية تتعلق بمدى أحقية الشخص المشارك في الحوار في الحديث بإسم دينه، وإعتبار نفسه ممثلا للقاعدة العريضة لهذا الدين أو ذاك .

هل من خلاصة لما تقدم ؟

يمكننا القول أن ثقافة الحوار وثقافة السلام متلازمتان ،وأن الحوار ما هو الإ وسيلة للوصول إلى هذا الهدف الأسمى في المجتمع ،والذي نسميه بالتعايش السلمي، ذلك أنه إذا وجد السلام بين الأديان فلا شك سيحل الوئام بين الإنسان وأخيه الإنسان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.