2 يونيو 2023 11:53 م

كفته كينج.. نادر جوهر

نادر جوهر

عندما كنت شابا عاصرت في القاهره وبحي المهندسين فتره ظهور اول مطعم لساندوتشات الهامبرجر في مصر، وكان اسمه ويمبي، وكان المطعم مزدحما علي مدار الساعه، ونقف في الطابور لاكثر من ساعه للحصول علي حلم ساندوتش الهامبورجر، لم يكن الامر سوي خليط بين انبهار بالحضارة الامريكيه، وما نشاهده في أفلام هوليوود، وبين التجديد في طريقه عمل الساندوتش واضافاته من مايونيز وكتشب ومسترده. ثم اختفي المطعم وظهرت محلات مماثله حتي ظهور وحوش الفاست فوود من ماكدونالد وبرجر كنج وتواجدهم في كل مدن مصر.
وقد نشأ جيل جديد من أبنائنا علي ادمان او اعتبار ان تناول الفاست فوود هو امر عادي ولايعرفون غيره، علما بان المجتمع الأمريكي الذي صدر مثل هذه الثقافه لنا يعاني منها، لانها تسببت في زياده نسبه البدانه بين الشعب الأمريكي وما صاحبها من امراض عضال يعاني منها الصغار والكبار.
وعندما وصلت لبدايه الثلاثينات من عمري، تنبهت الي ان ساندوتش الهامبورجر في محلات الفاست فوود سئ للغايه، ما بين الخبز الأبيض واللحم المصنع والاضافات الصناعيه، وعند زياراتي الي الولايات المتحده، كنت اطلب من أصدقائي ارشادي الي محلات بيع طبق الهامبرجر الأمريكي الأصيل، المتواجد في الريف الأمريكي، والمختلف تماما في نوع اللحم وطريقه الشواء والتقديم، وظللت لفتره اقارن بين ساندوتش الكفته المصري وساندوتش ماكدونالد، حتي انني لفتره سنوات كنت افكر جديا في افتتاح محل سندوتشات كفته مصريه واطلق عليه اسم كفته كنج، وكنت واثقا من انه سيكون الذا واطيب طعما واكثر صحيه، ولكن انشغالي في العمل الإعلامي وقف دائما كعائق في تحقيق حلمي بنشر ساندوتش الكفته. لقد كنت افكر في ان الامر يحتاج لمجهود كبير، وتطويرات بسيطه لتوصيل ساندوتش الكفته المصريه الي العالميه، فالخبز البلدي المصنوع من الدقيق الأسمر والرده بالطبع يتفوق علي الخبز الأبيض، سواء في الطعم او الفائده الصحيه، وكل مانحتاجه هو تغيير حجمه وزياده سمكه ليتوافق مع قطعه الكفته داخله، كما ان اللحم المشوي علي الفحم سيكون افضل والذ من لحم الهامبورجر المطهي علي لوح من الصاج، والاضافات الطبيعيه في ساندوتش الكفته من فلفل اسود وبهارات، افضل من إضافات الصوص الصناعيه، كما ان سلطه الطحينه او سلطه الزبادي، هي بديل افضل للمواد الصناعيه المستخدمه في الكاتشاب والمايونيز والمستردة الامريكيه، ساندوتش الكفته متفوق طعما ومتفوق صحيا، ويحتاج الي تعديلات في الشكل وليس المضمون، من طريقه تشغيل ودعايه وتغليف وتسويق جيد، وربما يصل الي العالميه اذا توافرت له المقومات التجاريه الصحيحه.
الامر ليس فقط ساندوتش، ولكن اذا نظرنا للموضوع بطريقه اكثر عمقا فاننا بلد الخمسه آلاف سنه حضاره، ولنا موروث ثقافي يجب ان نعتز به ونحافظ عليه، ولا نجعله يندثر بدعوي التطوير ومسايره العصر، ولا يجب ان يقتصر علي افتتاح متحف، او نشر مآثر الحضاره، ولكن استغلال هذا الإرث وتطويره، انه منجم لاينضب وغير متكرر في دول العام، ويحافظ علي هويتنا وعلي شخصيه أبنائنا والاجيال القادمه، الفارق بين من استغل ثقافته وغزا بها العالم وبيننا، هو مدي الحريه المتاحه للمواطن، ومدي التسهيلات والتمويل التي تقدمها الإدارات الحكوميه والبنوك للمواطنين، فالادارات الحكوميه عاده عامل مساعد وليست معوقه او مرتشيه او روتينيه، والبنوك تمول المشروعات الصغيره لتكبر وتتطور ولا تقوم فقط علي جمع الأموال ومساعده الحكومات علي كبح التضخم، هوليوود في أمريكا كانت احد العوامل الخفيه في انتشار سلسله مطاعم الفاست فوود، وهوليوود الشرق تندثر وليست من الاهتمامات السياسيه للدوله، وفي النهايه فان سياسه الانفتاح والحريات وتعدد المشاركه في اتخاذ القرارات هو السبيل الوحيد للاستفاده من الإرث الحضاري لمصر والوصول الي العالميه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.