المراقب : وحدة الدراسات
يكاد يكون الخوف من الأخر هو السبب الرئيس لإنطلاق الحروب بين البشر، وهذا ما جرت به المقادير بين اليابانيين والروس .
يحدثنا المؤرخ الياباني ” كاواي أتسوشي”، عن خلفية ما جرى في الفترة التي عرفت باسم ” عصر الميجي “، وتمتد من 1868- 1912″، ففي ذلك الوقت ساد خوف من حدوث غزو روسي لليابان ، فقد كانت روسيا في القرن الثامن عشر قد بدأت في توسيع حدودها الجنوبية لتأمين موانئ في المياه الدافئة ، وأجبرت اليابان في السنوات الأخيرة من حكم النظام الشيوعي على الأنفتاح على التجارة، حيق وقعت معاهدة شيمودا بين البلدين في عام 1855 بعد أن أبرمت معاهدتين مماثلتين مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
طوال نصف قرن ظلت المناوشات قائمة بين الجانبين، ووصل الأمر حد الحرب المباشرة في عام 1903، وفي فبراير شباط 1904 أعلنت اليابان الحرب على روسيا .
يقال أن الإمبراطور ” ميجي ” كاني عارض الحرب حتى إلى ما قبل بدايتها ، حيث كان يقول إنه في حال هزيمة اليابان فهو لا يعرف كيف يمكنه الاعتذار من أسلافه أو ما يمكنه فعله من أجل الشعب . كان الإمبراطور والحكومة والقادة العسكريون يعلمون جميعا أن اليابان لا تستطيع التغلب على روسيا في صراع مباشر.
مع أخذ ذلك في الإعتبار ، خطط الجيش لضمان استمرار الحرب لمدة عام تقريبا. حيث يقوم الأسطول الياباني المشترك في البداية بنصب كمين للأسطول الروسي في المحيط الهادئ وتدميره . وفي الوقت نفسه يضرب الجيش الياباني منطقة لياويانغ في منشوريا بكامل قوته قبل أن تتمكن روسيا من تركيز قواتها في الشرق الأقصى، وهذا من شأنه أن يستنزف بسرعة حماس الحكومة الروسية للقتال ، ويؤدي إلى نهاية سريعة للقتال ، وبعبارة أخرى، بدأت اليابان أعمالها العدائية مع خصم قوي مثل روسيا ، دون أن تكون لديها فكرة واضحة عن احتمالات النصر .
هل كان إنتصار اليابان على روسيا في هذه الحرب وبالا عليها على المدى البعيد ؟
غالب الظن أن تلك الحرب كانت لها نتائج تتجاوز حدود اليابان وروسيا ، فقد أدى إنتصار اليابان إلى نشر الخوف من ” الخطر الأصفر”، في الغرب، وألأهم المعارضة والمقاومة ضد الاستعمار وتقسيم العالم بين البيض والصفر .
كان صن يات سين، وماوتسي تونغ في الصين، وجواهر لال نهرو في الهند، وهوتشي منه في فيتنام ، من بين الذين شجعتهم نتيجة الحرب ، حيث حفزتهم لاحقا على القيام بحركاتهم الثورية. كما حفزت الثورة الدستورية الفارسية في إيران والمقاومة ضد الحكم البريطاني في مصر .
هل يمكن لجزر الكوريل أن تدشن حقبة جديدة من الصراعات العسكرية بين موسكو وطوكيو ؟
تؤكد اليابان على تمسكها بجزر الكوريل ، التي تخضع لسيطرة روسيا ، وتصفها طوكيو ب” المناطق الشمالية “، في إطار نزاع يعود تاريخه إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ومن دلائل هذا التمسك، ما ورد في ” الكتاب الأزرق الدبلوماسي لعام 2022″، الذي اصدرته وزارة الخارجية اليابانية من أن :” الأراضي الشمالية هي جزر تخضع لسيادة اليابان، وجزء لا يتجزا من أراضينا، وتخضع الآن لإحتلال غير قانوني من روسيا “.
في أواخر شهر ديسمبر الماضي، قال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني ” يوسيمايا هاياشي”، السابق الغشارة إليه، إن حكومة بلاده تعتبر موقف روسيا القائل إن مسألة الأراضي بشأن الجزء الجنوبي من جزر الكوريل مغلق ، غير عادل وغير مقبول .
وأضاف :” لم يتم حل مسألة الأراضي بين اليابان وروسيا ، لذلك أجرينا مفاوضات حول معاهدة السلام ، معبرا عن إعتقاده بأن ” سبب وقف المشاورات بهذا الشأن يعود إلى تصرفات موسكو تجاه كييف وليس إلى العقوبات المناهضة لروسيا “.
هل العقوبات ضد روسيا التي شاركت وتشارك فيها اليابان هي السبب الرئيس في تعقد مشهد جزر الكوريل؟
ةيبدو أن هذا ما يلمح إليه “هاياشي”، والذي يعتبر أنه بعد شهر من بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا” أعلنت روسيا من جانب واحد أنها لا تنوي مواصلة المفاوضات حول معاهدة السلام مع اليابان بسبب العقوبات اليابانية المفروضة على روسيا “، مضيفا ” نعتبر مفاوضات روسيا التي تحاول تحويل المسؤولية إلى اليابان ، غير عادلة ، وأن العلاقات الثنائية بين البلدين تبدو في حالة صعبة ولا يمكن قبول أي شيئ ملموس يتعلق بالمشارات بشأن معاهدة السلام “.
لم يطل أنتظار الرد الروسي، والذي جاء بعد بضعة أيام على لسان الرئيس السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي ، ديمتري ميدفيديف، الذي قطع بان جزر الكوريل جزء من روسيا ، وأنه لا يبالي بمشاعر اليابانيين.
ميدفيديف وعلى موقع X كتب ما نصه :” لا أحد يعارض معاهدة السلام على أساس أن ” المسألة الإقليمية ” مغلقة نهائيا وفقا للدستور الروسي”، والمعلوم أنه في عام 2020 تم تعديل الدستور الروسي لمنع وحظر التنازل عن الأراضي إلى قوة أجنبية ، وقال أيضا إن بلاده مستعدة، كما حدث من قبل، للتفاوض على معاهدة سلام إذا لم تشمل المحادثات قضية الجزيرة .
لم توقع روسيا ، وريثة الإتحاد السوفيتي ، مع اليابان حتى الساعة على معاهدة سلام تنهي رسميا الأعمال العدائية بينهما المتبقية من زمن الحرب العالمية الثانية، ومن هنا يطفو على السطح تساؤل جدي وجزري:” هل جزر الكوريل فقط هي حجر العثرة في طريق معاهدة سلام تنهي أحقاد الماضي، أم أن هناك عوامل أخرى فاعلة ومؤثرة في سياق العلاقات الثنائية بين البلدين تعقد من المشهد في الحال وتزيد الطينة بلة في الإستقبال ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى قراءة قادمة بإذن الله .