عماد الدين حسين
ظهر يوم الإثنين الماضى سألت الدكتور محمد معيط السؤال التالى: هل هناك نية لتخفيض سعر الدولار الجمركى؟
قبل أن أعرض إجابة وزير المالية أذكر القراء فإن قيمة الدولار الجمركى حتى يوم ٦ مارس الماضى كانت تساوى ٣٠٫٩ جنيه، ثم صار السعر حرًا.
ماذا يعنى ذلك؟!
قبل ٦ مارس فإن المستورد كان يسدد ثمن البضاعة فى الجمارك على أساس أن سعر الدولار هو ٣١ جنيهًا تقريبًا. وبعد هذا التاريخ صار السعر هو ما يحدده السوق أى حوالى ٤٧ جنيهًا طبقًا لأسعار يوم الخميس الماضى. وبالتالى فإن كل دولار يدفعه مستورد السلعة صار يكلفه حوالى ما بين ١٧ و٢٠ جنيهًا إضافية.
من الذى سوف يدفع هذه الزيادة فى النهاية؟!
الإجابة ببساطة هى المواطن مستهلك السلعة، لكن فى المقابل وحتى يكون الطرح موضوعيًا فإنه فى حالة تحديد سعر للدولار الجمركى أقل من السعر الفعلى الحقيقى، فإن موازنة الدولة هى التى تتحمل هذا الفرق، الذى يتحول فى النهاية إلى عجز فى الموازنة العامة للدولة.
حينما طرحت السؤال على د. محمد معيط، وزير المالية، خلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف فإن الذى خطر فى ذهنى وقتها أن عموم المصريين ينتظرون انخفاض أسعار السلع والخدمات بعد أن تدفق الكثير من الدولارات إلى شرايين الاقتصاد.
المواطن المصرى يفكر أنه ما دام أن الحكومة نجحت فى توفير الدولارات، وصار المستوردون وكل تجار السلع الأساسية يحصلون على الدولار من البنوك بالأسعار الرسمية المعلنة، فمن المفترض أن تبدأ الأسعار فى الهبوط، خصوصًا أن الحجة الأساسية لهؤلاء التجار فى ارتفاع الأسعار قد انتهت، وهى أنهم كانوا يذهبون إلى البنوك الرسمية للحصول على الدولارات فلا يجدونها، وبالتالى يذهبون للسوق السوداء، ويحصلون على الدولار الذى قفز سعره ذات وقت إلى أكثر من ٧٠ جنيهًا. والآن وبعد توحيد أسعار الصرف فإن الدولار صار متاحًا فى البنوك بأقل من خمسين جنيهًا بأسعار الأسبوع الماضى.
وبالتالى ما الحجة لاستمرار ارتفاع الأسعار، فالمفترض أن تتراجع بنفس مقدار تراجع سعر الدولار من سبعين جنيهًا إلى أقل من خمسين جنيهًا؟!
كل ما سبق كلام منطقى، لولا أن قرار الحكومة بتحرير سعر الدولار الجمركى سوف يلتهم إلى حد كبير ما تم توفيره بعد توحيد سعر الصرف وتوفير الدولار فى البنوك بسعر أقل. بمعنى أن العشرين جنيهًا الفارقة بين سعر الدولار فى السوق العادية الحالية والسوق السوداء السابقة، سوف يتبخر أثرها فى ارتفاع سعر الدولار الجمركى الذى كان يبلغ ٣١ جنيهًا، وقفز الآن إلى حدود الخمسين جنيهًا.
آسف جدًا على هذا الاستطراد المعلوماتى، والآن أعود إلى ما رد به الدكتور محمد معيط على سؤالى، وقال نصًا: إعادة النظر فى سعر الدولار الجمركى موضوع مهم جدًا، ويحتاج إلى دراسة، وعلينا أن ندرس التجربة منذ تم التطبيق فى ٢ نوفمبر ٢٠١٦. وهناك آراء وأفكار كثيرة، وعلينا ألا نندفع فى هذا الأمر.
أظن أن طبيعة رد الدكتور معيط مهمة، وتوحى بأن هناك أملًا فى إعادة النظر فى تحرير الدولار الجمركى إذا ثبت أن أضراره أكثر من إيجابياته.
مرة أخرى الأمر ليس صراعًا بين الأبيض والأسود بل ما الذى يحقق المصلحة العامة لعموم المصريين والدولة؟
شهدنا فى العقود الماضية سياسة تقدم الدعم على المشاع حفاظًا على التوازن الاجتماعى خصوصًا للطبقات الأقل دخلًا والأكثر احتياجًا.
هذا الدعم كان مهمًا جدًا للعديد من الفئات المحتاجة، لكن كان له أثر سيئ على عجز الموازنة وذهاب جزء من هذا الدعم إلى غير مستحقيه. والأمر نفسه ينطبق على فكرة (الدولار الجمركى). هو سيفيد المستوردين ويعظم من أرباحهم، لكنه أيضًا سيفيد المستهلك النهائى للسلع، ويجعله يشترى السلعة بأسعار معقولة، لكن هذه الفاتورة سوف تتحملها الدولة فى نهاية المطاف. وبالتالى يصبح السؤال ببساطة هو من الذى سوف يتضرر أكثر المواطن العادى أم موازنة الدولة أم المستورد؟!
لو تمكنا من الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال فيمكننا أن نصل إلى قرار صحيح فيما يخص الدولار الجمركى.
وهذا النقاش يقودنا إلى نقطة مهمة أثارها د. معيط، حينما سأله أحد الزملاء عن خطة الحكومة لتقليل الفقر، وهى أن الحكومة تستهدف بالتأكيد مساعدة الطبقة الفقيرة، لكنها لا يمكن أن تغفل الطبقة المتوسطة التى هى العمود الفقرى للبلد.
وجوهر عمل وزير المالية، كما يقول معيط هو تخفيض عجز الموازنة وتخفيض نسبة الديون وزيادة نسبة النمو والإنتاج عمومًا.
……………..
نقلا عن الشروق