متابعات- خارجي
حددت محكمة العدل الدولية يوم الجمعة المقبل 19 يوليو للنطق بقرارها الإفتائي الاستشاري في طلب الإفتاء المقدم من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة حول الآثار القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
وقد تم قيد هذا الطلب لدى المحكمة رسميا في 30 ديسمبر 2022 أي قبل أحداث طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة بأكثر من تسعة أشهر.
وشاركت مصر والعديد من الدول العربية والأفريقية والآسيوية في الجلسات بمرافعات، بعدما قدمت مذكرات مكتوبة، تدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ووقف جميع صور الاحتلال والاستيطان والتمييز والقتل والتهجير التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي.
لا علاقة مباشرة بين هذه الفتوى وقضية الإبادة الجماعية في غزة
لا توجد علاقة قانونية مباشرة بين هذا الطلب الذي بدأت محكمة العدل الدولية نظره في فبراير الماضي تمهيدا لإصدار فتوى قانونية منها ضمن اختصاصها الإفتائي، وبين الدعوى الأخرى المقامة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة انتهاك معاهدة منع الإبادة الجماعية بسبب العدوان الحالي على غزة.
كما لن يكون لهذه الفتوى أو غيرها أثر مباشر على الحكم في قضية الإبادة الجماعية، ولا العكس، حتى إذا استندت محكمة العدل الدولية في حيثيات الفتوى إلى الوقائع محل الحكم، أو العكس، إذ أن الفتوى تظل استشارية وغير ملزمة، ويتمثل هدفها في تبصرة الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعانتها على اتخاذ القرار الصحيح بشأن المسألة محل الطلب، حيث تختص المحكمة بتفسير الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية وبيان كيفية تطبيقها على المسألة.
وتتيح المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة لكل من الجمعية العامة ومجلس الأمن طلب الفتوى من محكمة العدل الدولية في أية مسألة قانونية، ولكن لكل منهما القرار النهائي في كيفية التعامل مع محصلة الفتوى وحيثياتها. وفي القضايا التي لا تملك الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخاذ قرار ملزم، فإن الأمر النهائي يرجع لمجلس الأمن، الذي تحكمه –كما هو معلوم- اعتبارات معقدة بسبب امتلاك الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض (الفيتو) مما يؤدي إلى عرقلة العديد من قرارات الشرعية الدولية حتى وإن اتفقت عليها الغالبية الكاسحة من دول العالم. نذكر في هذا السياق –على سبيل المثال- قرار الجمعية العامة الصادر في ديسمبر الماضي بوقف إطلاق النار في غزة والذي لم يجد أي سبيل للنفاذ حتى الآن.
ذكرى تعود بفتوى بطلان الجدار الإسرائيلي العازل
وسبق في عام 2004 أصدرت المحكمة فتوى بناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الآثار القانونية لتشييد إسرائيل الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد انتهت في الفتوى إلى عدد من النتائج التي جردت هذا العمل من مشروعيته ووصمته بالبطلان المطلق ومخالفة جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الملزمة.
وذكرت المحكمة أن تشييد الجدار العازل يتعارض مع القانون الدولي، وأنه يتوجب على إسرائيل التوقف عن الأعمال الإنشائية فورا بما في ذلك بالقدس الشرقية، وأن تلغي جميع القوانين والقرارات واللوائح المنظمة لهذا الإنشاء، وأنها أيضا ملزمة بجبر جميع الأضرار الناتجة عن تشييد الجدار العازل، وأن على جميع الدول عدم الاعتراف بهذا الوضع غير القانوني، وأن على الأمم المتحدة كجمعية عامة ومجلس الأمن النظر فيما يلزم من إجراءات أخرى لإنهاء هذا الوضع.
وقد ردت المحكمة في حيثياتها على الادعاء بأن مسألة تشييد الجدار لا تعدو كونها جانبا من جوانب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وليس من المناسب نظرها من وجهة نظر القانون الدولي، قائلة إنها تمتنع عن الفصل عندما لا تتوافر لديها الوقائع والأدلة المطلوبة التي تمكنها من الخلوص إلى نتائج، ولكن في هذه الواقعة وجدت تحت تصرفها طلب فتوى من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وملفا ضخما قدمه الأمين العام إلى المحكمة يتضمن معلومات مفصلة عن مسار الجدار وتأثيره السياسي والإنساني والاقتصادي والاجتماعي على الشعب الفلسطيني، وتقارير عديدة عن زيارات لمواقع الإنشاء أجراها مقررو الأمم المتحدة والعاملون بهيئاتها، وبالتالي أصبح لدى المحكمة ما يكفي من معلومات وأدلة تمكنها من الفصل في مشروعية إنشاء الجدار.
الآثار المترتبة على الفتوى المنتطرة
شأن الخطوات السابقة أمام القضاء الدولي؛ فإن الفتوى المراد صدورها ستكون لها قيمة قانونية وأدبية ومعنوية لنصرة القضية الفلسطينية، كما أن إجراءاتها تبرهن على وقوف الغالبية العظمى من شعوب العالم الحر إلى جانب الحق الفلسطيني.
ومن الممكن البناء مستقبلا على الفتوى من خلال استصدار قرارات وأحكام أخرى من القضاء الدولي ممثلا في محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية، أو المحاكم المحلية في الدول الغربية لملاحقة منتهكي الاتفاقيات الدولية من الإسرائيليين وداعميهم ومواليهم من الولايات المتحدة وأوروبا.
وفتاوى محكمة العدل الدولبة غير ملزمة، مثلها مثل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، طالما بقيت القوة الاستثنائية لمجلس الأمن المقيد بسبب حق الفيتو.
فعلى سبيل المثال؛ بعد صدور فتوى محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية الجدار العازل في 9 يوليو 2004، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بأغلبية ساحقة بضرورة وقف إنشاء الجدار وعدم مشروعيته وذلك في 20 يوليو 2004، واعترضت إسرائيل والولايات المتحدة وأستراليا على القرار وامتنعت 10 دول فقط عن التصويت.
وهكذا لم يتطور الأمر إلى قرار ملزم من مجلس الأمن بسبب الموقف الأمريكي المناصر لدولة الاحتلال.