وحدة الدراسات
هل عالمنا على موعد مع الحرب العالمية الثالثة بالفعل ؟
يبدو أن هناك بالفعل من يرون مشهد الحرب العالمية الثالثة، وكأنه قائم بالفعل أو على الأقل أن العالم يعيش الخطوات شبه النهائية لما قبل وقوع القارعة .
في أواخر مايو أيار المنصرم ، قال المؤرخ البارز، ” تيموثي سنايدر”، أستاذ التاريخ في جامعة ييل الأميركية الشهيرة والمتخصص في تاريخ أوروبا الشرقية والإتحاد السوفيتي ، إن الأوكرانيين يتصدون لحرب عالمية ثالثة ، وشبه العام الثالث من الحرب الشاملة في أوكرانيا بالفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية مباشرة .
سنايدر أعتبر كذلك أن أوكرانيا يمكن مقارنتها اليوم بتشيكوسلوفاكيا ” التي أختارت القتال “.
وعند “سنايدر ” كذلك، وهذا ما قاله في مؤتمر صحفي في العاصمة الإستونية ” تالين ” :” إذا أستسلم الأوكرانيون ، أو إذا تخلينا نحن عن أوكرانيا ، فإن روسيا ستشن حربا مختلفة في المستقبل “.
ولعل أصواتا أوروبية مختلفة، تشارك ” سنايدر ” رؤيته، وفي القلب منها وزير الدفاع البريطاني ، “غرانت شابس”، والذي أستبق الكثيرين، ففي يناير كانون الثاني الماضي، حذر الرجل من أننا نعيش مرحلة ” ما قبل الحرب العالمية “، وبخاصة في ظل حالة الغرق الكوني في حروب مختلفة تشمل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران في السنوات الخمس الفائتة.
يجزم ” شابس”، بأننا ننتقل من ” عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب”.، وهي الآراء التي يتقاسمها معه رئيس أركان الجيش البريطاني الجديد الجنرال ” باتريك ساندرز”، والذي أكد مؤخرا على ضرورة أن يكون المواطنين البريطانيين ” مدربين وجاهزين”، للقتال المحتمل مع روسيا ، واصفا أولئك الذين يعيشون اليوم بأنهم ” جيل ما قبل الحرب “.
حديث مثير أخر يددور في بريطانيا اليوم، ويتعلق بفكرة العودة إلى التجنيد الإجباري ، وهو الأمر الذي لفت إليه الإنتباه القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في بريطانيا الجنرال السير ” ريتشارد شريف” .
هل الأوربيون هم الآن الأكثر إستعدادا لوقوع هذه الحرب العالمية بأكثر من الجانب الأميركي ؟
بحسب السير باتريك، لا يتوجب على الأوربيين إنتظار القارعة ، كما فعل أسلافهم، حين أرخوا الحبل طويلا لهتلر، وما كان من هذا الأخير سوى أن قام بشده إلى أن أنقطع .
تبدو أوربا بالفعل قلقة في النهار، وأرقة بالليل، لا سيما بعد ما تراه من مناورات نووية تكتيكية روسية، وقبها تصريحات عدة من بوتين بشأن تلك الحرب العالمية، والتي يراها ممكنة بالفعل ، وأن العالم أصبح بالفعل، قاب قوسين أو أدنى من حرب شاملة “.
أما الذين أعطوا آذانهم لديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي الحالي، وتهديداته المباشرة بإستخدام الأسلحة النووية في مواجهة الغرب، فقد عرفوا أن الخطر المميت المحمول على أجنحة، يمكن أن يحط على أراضيهم في أي وقت .
ولعل الضربة الأوكرانية الأخيرة التي وجهت إلى شبه جزيرة القرم بصواريخ أميركية متقدمة، والتبرير الأميركي الرسمي ، بأنها أراض أوكرانيا، ويحق لكييف أن تدافع عنها بكل ما لديها من أسلحة، تجعل المخاوف قابلة لأن تضحى وقائع ولو نووية على الأراضي الأوروبية .
هل بدات الحرب العالمية بالفعل ؟
من المؤكد أن قضية مثل الحرب العالمية الثالثة، لم تكن لتغيب عن أعين الباحثين والدارسين منذ وقت مبكر، وهناك بالفعل من كانت له رؤية جيوسياسية إستشرافية، بشأن هور صراع عالمي على أربع جبهات ، حول العالم .
في ذكرى يوم الإنزال، الموافق 6 يونيو 2021، أي قبل ثلاثة أعوام، نشرت صحيفة ” ذا هيل ” الأميركية مقالا بعنوان ” هل يمكن للولايات المتحدة الأميركية خوض أربع حروب على جبهات متعددة في ذات الوقت ؟
لاحقا سوف يفهم القارئ لماذا أربع جبهات تحديدا، حيث ستخرج دراسات معمقة عن الحلف الرباعي الذي بات يهدد حلف الناتو، روسيا والصين، وإيران وكوريا الشمالية.
تبدو الحرب العالمية الثالثة في هذا المقال، والذي قام عليه البروفيسور الأميركي ” مايكل هوشبيرج “، الباحث الزائر في مركز الجغرافيا السياسية بجامعة كامبريدج، وكأنها حربا عالمية مجزأة، ومنفصلة ، تخوضها قوى إقليمية إستبدادية ، إما بالتعاون الوثيق أو بالإعتماد على تحدي واحد أو أخر للنظام القائم على المستوى الدولي .
من أين يمكن أن تنطلق شرارة الحرب العالمية الثالثة ، إن لم تكن قد أنطلقت بالفعل بحسب البروفيسور “هوشبيرج “؟
يذهب البروفيسور الحاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا إلى أن الأنظمة الإستبداية المراقة تشكل تهديدا متزايدا ، فغيران ترعى المتمردين الحوثيين في اليمن، وتؤجج السخط الشيعي في دول الخليج والعراق ، وتهيمن على لبنان وسوريا من خلال حزب الله ، كما تهدد الملاحة الدولية عبر خليج هرمز.
ومن المؤكد أن إيران ، من خلال وكلائها العديدين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ، سوف تسعى إلى الهيمنة على المنطقة وتحريض حماس على شن المزيد من الهجمات على إسرائيل .
هل الصين بعيدة عن المواجهة العالمية القادمة ؟
بحسب مقال ” ذا هيل”، فإن الصين الشيوعية وهي خصم جديد عنيد للولايات المتحدة ، قد تميل إلى مواصلة السعي إلى إعادة توحيد تايوان مع بقية بر الصين ، كتمهيد لتأمين السيطرة على بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي .
يتسق الحديث عن دور الصين في إشعال الحرب العالمية الثالثة ، مع ما أعلنه الزعيم الصيني شي جين بينغ من أنه سيتم دمج تايوان في الصين ، بالقوة إذا لزم الأمر . تعمل الصين على بناء القدرة على غزو تايوان أو حصارها ، مما يهدد اعتماد الولايات المتحدة على تايوان للحصول على الإلكرتونيات المتقدمة واشباه الموصلات ، وكيمياء لإحتواء الطموحات الصينية في المحيط الهادئ .
ولعله من نافلة القول أنه إذا كانت الصين هي التحدي القائم للناتو، فإن روسيا وحلفائها ، هي المواجهة القائمة والتي قد تشعب بالفعل صراعا عالميا نوويا، ماذا عن ذلك ؟