كتب : إميل أمين
يوما تلو الأخر ، يمتد الحضور الفاعل لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” كايسيد”، إلى بقاع وأصقاع أوسع حول الكرة الأرضية، ليعزز من دوره التسامحي والتصالحي في عالم ملتهب جيوسياسيا، وذلك عبر رؤى الحوار والجوار، هدم الجدران وإقامة الجسور.
في الفترة الممتدة من 18 إلى 22 أغسطس، أنطلقت في العاصمة البرازيلية برازيليا، أحتفالات الذكرى العاشرة لبرنامج كايسيد للزمالة الدولية بفعالية متميزة ، الأمر الذي يمثل محطة بارزة في مسيرة البرنامج الذي ساهم في تمكين 500 زميل وزميلة من 92 دولة حول العالم.
آمن قادة كايسيد وصناع قراره وأفكاره منذ البدايات، أن الإنسان هو القضية وهو الحل، ومن خلال زملاء شباب، من أصحاب الوعي والحضور، وعبر قارات الأرض الست، يمكن تغيير عالمنا إلى الأفضل، والإنتقال من أوضاع الهشاشة المجتمعية والأممية إلى حال التماسك العضوي، وتضافر الجهود لإستنقاذ الحجر والبشر ،من وهدة الأزمات الإيكولوجية تارة، والصراعات الدوغمائية والإيديولوجية تارة أخرى.
ولعله من حسن الطالع، أن يتزامن أحتفال كايسيد مع إنطلاق أعمال المنتدى السنوي للشراكة العالمية بشأن الدين والتنمية المستدامة ( PaRD) ومنتدى القيم الدينية لمجموعة العشرين (IF20)، تحت شعار ( عدم إغفال أحد : سلامة الكوكب وقاطنيه )، والذي يشارك فيه خريجو برنامج زمالة كايسيد من أميركا اللاتينية بحوارات معمقة لمراجعة أهداف الزمالة ووضع خطط مستقبلية .
يعن لنا التساؤل :” ما الذي يستدعي من كايسيد أن يذهب إلى أخر حدود المسكونة في الجنوب الغربي من الكرة الأرضية ؟
بالقطع إنها الرسالة التي يؤمن بها قادة المركز، وفي مقدمهم الأمين العام الدكتور زهير الحارثي، والذي شارك بالفعل في أعمال هذه الفعالية و أكد على أهميتها، وكيف أنها تعكس مكانة المركز بإعتباره عضوا فعالا في الشراكة العالمية بشأن الدين والتنمية المستدامة.
ما الذي يمكن أن تمثله شراكة كايسيد في أعمال منتدى مجموعة العشرين للحوار بين الأديان في البرازيل ؟
المؤكد أن هذا الحديث المتجدد يلفت الإنتباه للكيفية التي يمكن للزعماء الدينيين أن يعززوا من خلالها التفاهم والحوار بين المجموعات البشرية المتنوعة، والطرق التي يدعون عبرها إلى التعاون والتعاضد في مجالات الإهتمام المشترك .
يمكننا القول بدون تزيد أن الزعماء الدينيين يمكنهم المساعدة في تعزيز التفاهم والرحمة والحوار بين المجموعات البشرية المختلفة الإنتماء العقدي، لكنها تتشارك في الأصل الإنساني الواحد، وتحتاج إلى خرائط لرسم دروب المستقبل معا، من غير إنعزالية أو محاصصة طائفية أو عقدية، وبالطبع بدون تمايزات عرقية .
يذهب الأمين العام لكايسيد الدكتور زهير الحارثي إلى أن حضور زملاء كايسيد في أعمال المنتدى العالمي هذا، يذكر بالقوة التحويلية للحوار في بناء الجسور بين المجتمعات، ودلالة على عمق إيمان كايسيد وإلتزامه بتعزيز مفاهيم السلام والحث على دوام النماء والبناء والإستدامة، عبر مراحل متتالية ومتوازية من التفاهم العالمي .
ومن المعروف أن برنامج كايسيد للزمالة الدولية قد نجح منذ إنطلاقه في تدريب شبكة واسعة من القادة، حيث نفذوا أكثر من 600 مبادرة فردية أثرت على حياة أكثر من 400 ألف شخص. وأحتفالا بالذكرى العاشرة، سيستضيف الرنامج في عام 2025 ، دفعة جديدة تضم 16 زميلا وزميلة من قادة منظمات دولية تعمل على تعزيز الحوار بين الأديان، فيما يمثل هذا الإحتفال في برازيليا إنطلاقة لعام من الفعاليات التي ستعزز التزام كايسيد المستمر بالحوار والتعاون في جميع أنحاء العالم .
ويبقى أبدا ودوما التساؤل :” هل الدين حقا قوة حقيقية في حل الأزمات العالمية؟
الجواب وعلى لسان الدكتور الحارثي، نعم، حيث أن الحوار قوة تحويلية قادرة على تغيير الأوضاع وتبديل الطباع نحو الأفضل أبدا ودوما، حيث يشجع الحوار صانعي السياسات والقيادات الدينية على التشديد في المقام الأول على إنسانيتنا المشتركة كركيزة أساسية للتنمية المستدامة وبناء السلام . ويضيف” هذا الإعتراف ضروري لضمان عمليات صنع السياسات، بحيث تأخذ في الإعتبار احتياجات جميع فئات المجتمع، لا سيما الفئات المهمشة والأصلية على حد سواء .
ويركز الحارثي كذلك على أنه لا توجد قوة مؤثرة بشكل أكبر على الوعي الجماعي البشري، أكثر من الدين والروحانية، فالدين يوجه التفضيلات الفردية والهويات الدينية لما يقرب من 85% من سكان العالم، مما يؤثر بشكل مباشر على المعايير المؤسسية والإجتماعية في جميع أنحاء العالم .
منذ العام 2017 وكايسيد يشارك مشاركة قوية في منتدى القيم الدينية لمجموعة العشرين، حيث قدم الدعم لمؤتمرات القمة السابقة .
وفي فعالية هذا العام والتي تتسق بشكل كبير مع مهمة كايسيد ، أكد مركز الحوار العالمي على أهمية تخليق خيوط التفاهم ، ونسج خطوط التعاون، عبر المجتمعات الإنسانية المتنوعة ، وسيتم تحقيق ذلك من خلال المشاركة النشطة لخريجي زملائها من أميركا اللاتينية في الجلسات وورش عمل المنتدى المفتوح .
وفي كل الأحوال يبقى دور كايسيد أمس واليوم وفي الغد ناجزا وفاعلا، بإعتبار برامجه محفزات للتماسك الإجتماعي وبخاصة حيث للدين قوة الضبط والربط، روحيا وأدبيا أول الأمر ، ما يمكن البشرية يوما تلو الأخر من العمل في دروب النور، وطرد عتمة الكراهية بعيدا جدا.