أخبار عاجلة

دراسة.. هل تنتهي الكوكبية على الأيادي الأميركية ؟

أرشيفية

المراقب : وحدة الدراسات

هل ستوجه الطعنة الكبرى للعولمة من الداخل الأميركي، وقبل أي جهة أخرى ، وبخاصة في ظل تحول السياسيين الأميركيين ضد الإنفتاح الاقتصادي العالمي .

هل أكتشف الأميركيون أنهم وقعوا ضحايا لخدعة العولمة والتي أعتقدوا أنها كفيلة بتقويم سلوك العديد من الدول المشاكسة، حال دمجها في الاقتصاد الحر الليرالي الغربي على نحو خاص ؟

يرى المؤرخ الإنجليزي الشهير آدم توز ،أنه في فجر القرن الحادي والعشرين، كانت بلدان الجنوب العالمي والكتلة الشيوعية السابقة تتسابق لخفض الحواجز التجارية ، وتحرير أسواق رأس المال ، وتشجيع افضل وألمع طلابها عل الدراسة في الغرب .

في الوقت عينه كانت الشركات المتعددة الجنسيات تعمل على توسيع سلسل التوريد الخاصة بها لجلب العمال من المكسيك والصين وفيتنام والهند وروسيا إلى صفوفها ، كما خلقت شبكة الإنترنت طرقا جديدة تماما لنقل المعلومات عبر الحدود ، وأرتفعت إنتاجية العمل وأنخفض الفقر العالمي .

في هذا السياق تبنى الساسة الأميركيون هذا الإتجاه إلى حد كبير ، فقد تعاون الجمهوريون والديمقراطيون في التفاوض على إتفاقيات تجارية مع الأصدقاء القدامى والأعداء السابقين. وقد حدث هذا كله في سياق من التفاؤل العام ، ففي يناير كانون الثاني من عام 2000 ، قال 69% من الأميركيين لمؤسسة غالوب إنهم راضون عن الإتجاه الذي تسلكه البلاد.

على أنه بعد مرور عقدين من الزمان ، لم تسر الأمور على النحو الذي آمله العديد من أنصار التجارة الحرة في نهاية إدارة الرئيس بيل كلينتون . فلم تتحول الصين ولا روسيا إلى ديمقراطيات ليبرالية قائمة على السوق الحرة، وشهد عقدان من الحرب التي لا تنتهي أزمات مالية وأنتفاضات شعبوية وأوبئة ، ولم يكن غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات التي أعقبته سوى أحدث صدمة للنظان المعولم .

هل تجاوز العالم مرحلة هشاشة العولمة؟
الثابت أن هناك حالة من تسابق البلدان على إقامة حواجز جديدة أمام التجارة، وفرض ضوابط رأس المال ، وتقييد تدفقات الهجرة، وقد تبنى الساسة الأميركيون هذا الإتجاه أيضا .
لقد كان أقوى خط مشترك بين رئاستي دونالد ترمب وجو بايدن ، هو عدائهما للإنفتاح الاقتصادي، وكل هذا يحدث في سياق من التشاؤم العام . ففي مارس آذار الماضي ، قال 22% فقط من الأميركين لمعهد غالوب لإستطلاعات الرأي أنهم راضون عن الإتجاه الذي تسلكه اليلاد على صعيد الإقتصاد والمال والتجارة .
لقد اثارت حالة الإضطراب التي شهدها القرن الحادي والعشرين الاتهامات والإتهامات المضادة حول من يتحمل المسؤولية عن ” نهاية التاريخ ” ، أو موت العولمة .

هنا تبدو المعركة المعولمة بين طرفين ، أنصار التجارة الحرة والذين يشيرون إلى الفوائد الهائلة التي جلبها التحرير الاقتصادي للاقتصاد العالمي وينددون بصعود المذهب التجاري الجديد في الولايات المتحدة وأماكن أخرى .
وعلى الجانب الأخر فإن منتقدي التجارة الحرة يقدمون دحضا صعبا ، فهم يزعمون أن العقدين الماضيين كشفا عن التناقضات الداخلية الليبرالية الجديدة ، وكما يرون ، فإننا نشهد الإستجابة الطبيعية للمجتمعات التي تعصف بها تقلبات السوف الحرة فالإنفتاح الاقتصادي – أو العولمة – قد زرع بذور تدميره .

من الواضح جدا أنه ليس الأميركيين فحسب، ولكن الأوروبيين ايضا ،قد ملوا وسأموا من التأثير المدمر للتجارة الدولية ، والتأثير المخفض للأجور بسبب الهجرة ، وقد كان هذا واضحا بقوة في أستجابة الكونجرس لخطاب حالة الإتحاد الأول الذي ألقاه بايدن ، وكان أكثر جملة لاقت تصفيقا حادا هي وعد الرئيس بأن” عندما نستخدم أموال دافعي الضرائب لإعادة بناء أميركا ، فإننا سنشتري المنتجات الأميركية لدعم الوظائف الأميركية “.

ترسم بيانات استطلاعات الرأي صورة مختلفة ، ففي عام 2021 ، وفقا لمؤسسة غالوب ، كان 79% من الأميركيين ينظرون إلى التجارة العالمية، أي العولمة،بإيجابية ، وهو رقم قياسي .

غير أنه بالوصول إلى العام التالي ، 2022، فإن هذه النسبة أنخفضت إلى 63% .

هل بات هناك تيار يعادي العولمة في الداخل الأميركي في الأزمنة الإعتيادية عامة، وفي زمن الإنتخابات الرئاسية الأميركية على نحو خاص ؟

المؤكد أنه حتى لو لم يكن العداء للعولمة جذابا للشعب الأميركي المتوسط، فإنه يحظى بقدر من الجاذبية للناخب الأميركي المحوري . ففي دورات الإنتخابات القليلة الماضية ، كان مفتاح النصر يمر عبر حزام الصدأ ، وهذا يعني إظهار الولاء لفكرة أن أميركا كانت عظيمة قبل العولمة ، وعلاوة على ذلك، لا يعطي أنصار التجارة الحرة والهجرة أولوية عالية لهذه القضايا ، في حين أن أهميتها بالنسبة لمعارضيها أعلى كثيرا ، وهذا يفسر لماذا تعتقد الممثلة التجارية الأميركية كاثرين تاي ، أن هيلاري كلينتون خسرت في عام 2016 ، إلى حد كبير بسبب الشراكة عبر المحيط الهادئ ، وهي أتفاقية تجارية مفتوحة بين الولايات المتحدة و11 دولة أخرى .

هل يقودنا هذا التحليل إلى أن زمن ما عرف بالعولمة الأفقية قد توارى، وحل محله آوان العولمة العمودية ؟
في أواخر العام 2022، قدم لنا رجل الأعمال الكندي من اصل هندي ، والمولود في نيوزيلندا، رؤية جديدة عن العولمة .

براكاش هو أحد مؤسسي مركز إبتكار المستقبل ، وهو شركة استشارية مقرها تورنتو في كندا ، وهو ايضا مؤلف خمسة كتب ومتحدث عالمي أحدث كتاب له جاء بعنوان ” العالم عمودي : كيف تعمل التكنولوجيا على إعادة تشكيل العولمة ؟”.

فكرة براكاش الرئيسية تتمحور حول ظهور كتل جيوسياسية جديدة في مختلف أنحاء العالم، هي التي ستشكل المستقبل العالمي، وما يعني أنها هي التي ستصنع شكلا جديدا من العولمة المغايرة للقرية الكونية التي خبرنا عنا ماكلوهان قبل خمسة عقود ..ماذا عن ذلك بمزيد من التفصيل ؟ .

عند براكاش إن العالم يدخل الآن فترة من ” العولمة العمودية”، مع تشكل كتل جيوسياسية في مختلف أنحاء العالم ، مع إنقسام العالم إلى مجموعات متعددة ، فإن هذه الكتل الجديدة – الرسمية ، أي التحالفات ، وغير الرسمية أي الممرات التجارية، قد تعيد تشكيل كل شيئ من سلاسل التوريد إلى الإستدامة .

على سبيل المثال ، مع تطلع الدول في مختلف أنحاء العالم إلى التحول إلى المركبات الكهربائية ، يتشكل تكتل جيوسياسي جديد في أميركا اللاتينية ، يمكن أن يتخذ القرارات نيابة عن الجميع ، من الصين إلى تسلا.

إن تحالف الليثيوم الجديد الذي تتطلع إليه المكسيك ، التي أممت صناعة الليثيوم لديها في وقت سابق من عام 2022، من شأنه أن يجمع البلاد مع الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي ، الدول الأربع التي تسيطر على معظم إنتاج الليثيوم في العالم في سعيها إلى التحكم في إنتاج وتجار مورد أصبح بسرعة أحد السلع الأكثر أهمية في العالم .

وفي منطقة المحيطين الهندي والهادي، أقترحت الولايات المتحدة ” تشيب 4″، وهو تحالف أشباه الموصلات مع اليابان وكوريا الحنوبية وتايوان ، بهدف إنشاء سلاسل توريد للرقائق التي لا تعتمد على الصين ووقف صعود بكين التكنولوجي .
وفي الشرق الأوسط تتعاون إسرائيل مع الهند والإمارات العربية المتحدة ، ضمن تكتل لتعزيز الإبتكار ،وفي آسيا الوسطى ، بينما تريد كازاخستان إعادة تصميم تدفق التجارة المادية والرقمية عبر أوراسيا ، تعمل الصين على بناء ما يعرف ب” الممر الشمالي ” وهو ممر يربط آسيا وأوروبا عبر روسيا وبيلاروسيا ، كجزء من مبادرة منذ عدة سنوات، مبادرة الحزام والطريق .

ماذا يعني ذلك لفكرة العولمة التقليدية القديمة؟
المؤكد أنه مع ظهور كل هذه الكتل الجديدة الناشئة، يبتعد العالم بسرعة كبيرة عن نه ” مجموعة واحدة للجميع “، لقد أنتهى عصر العولمة القديمة ، ولن تؤدي التحالفات والممرات الجديدة التي تتشكل إلا إلى المزيد من التفتت العالمي ، مما يولد صدمات كبيرة لفكرة العولمة القديمة.

من ناحية أخرى ، لم تعد العديد من هذه الكتل الحصرية الجديدة التي أنشأتها الولايات المتحدة تشمل حلفاء أميركا التقليديين ، مثل كندا أو فرنسا أو ألمانيا ، بل إن الولايات المتحدة إلى جانب المملكة المتحدة ، تضاعفت جهودها في منطقة المحيطين الهندي والهادي ، وهو ما يمثل معضلة لشركائها القدامي في أوروبا والشرق الأوسط .

 

كانت العولمة القديمة في جوهرها فكر اقتصادي ، فقد كان الاقتصاد العالمي مفتوحا ومتاحا للجميع منذ عقود من الزمن ، ولكن هناك عملية إعادة تنظيم جديدة جارية مما يقسم العالم على طول خطوط صدع جديدة.

والواقع أن العديد من هذه الخطوط الصدعية إيديولوجية ، وهو تحول هائل عن العقود الأخيرة، عندما بدا أن الإيديولوجية في طريقها إلى الإختفاء.

في المستقبل القريب ، سوف تتنافس كتل متعددة على حكم العالم وسوف تضطر هذه الكتل إلى التعايش مع بعضها البعض ، في حين تعمل على إيجاد طرق إبداعية لجلب البلدان والشركات إلى زارويتها .

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

رويترز: مصر وقطر والولايات المتحدة يضمنون تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار بغزة

ذكرت وكالة أنباء رويترز، أن مصر وقطر والولايات المتحدة هي من ستقوم بضمان تنفيذ اتفاقية …