المراقب: وحدة الدراسات
يعن لنا أنت نتساءل مخلصين التساؤل والبحث عن الجواب :” هل هناك خطأ في أن فكرة حلم الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ؟
الشاهد أن الحلم في حد ذاته أمر جيد، سيما إذا صاحبته قدرات حقيقية تسعى في طريق تغيير الواقع إلى الأفضل، وهناك أدلة وتطبيقات عملية وتاريخية عديدة على هذا السعي المحبوب والمرغوب، وليس أخرها الإتحاد الأوروبي، ذاك الذي عرفت دوله حربين عالميتين كبيرتين، أنهكتا أصحابه، وأسفرتا عن ملايين القتلى ، ومع ذلك أنتصرت إرادة الحياة لاحقا، وعرف الأوروبيون نموذجا للتعايش السلمي الدفاع في طريق النمو والإستقرار .
غير أن الشرق الأوسط وحلمه المتعثر، نجم عن أخذ زعماء سياسيين غير عرب ولا شرق أوسطيين في اصلهم وفصلهم، أوهامهم مأخذ الجد، وفي كثير من الأحيان أستخدموا الأطروحة لحشد الدعم لسياساتهم المكلفة ، وبات الشرق الأوسط لاحقا، جحيما مفروشا بالنوابا الحسنة .
من هنا يمكن معرفة لماذا أحلام شارون الخيالية أدت إلى حرب طويلة وكارثية في لبنان، والتي أنتهت بجر إسرائيل إلى مستنقع ، وتاليا إغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل، ثم طرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت،ومن ثم جاءت الإنتفاضة الفلسطينية عام 1987.
وعلى الرغم من أن إتفاقية أوسلو عام 1993 أشعلت توقعات السلام، وتغيير وجع الشرق الأوسط، إلا أنها فشلت لاحقا، وحتى العم سام في شخص الرئيس الأميركي بيل كلينتون، أخفق بدوره في عام 1999 في كامب ديفيد، في التوصل إلى صيغة جديدة تعيد كتابة إنتصارات جيمي كارتر عام 1979 ، والمثير لاحقا أن شارون الحالم بشرق أوسط مغاير، كان هو من تزعم الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
أما حرب العراق، فقد أثبتت أنها كارثة إستراتيجية ذات أبعاد تاريخية ، في حين تحول التدخل العسكري في أفغانستان إلى أطول حرب خاضتها أميركا .
أدت الحروب إلى إنهيار توازن القوى في الشرق الأوسط، الأمر الذي سمح لإيران بالظهور في نهاية المطاف، كقوة تسعى للهيمنة الإقليمية، عبر مجموعات من الوكلاء الشيعة في اليمن كالحوثيين، وفي العراق كجماعات الحشد الشعبي، وفي سوريا من الموالين لها، وطفا حزب الله بقوة في الساحة اللبنانية، وترعرعت حماس في قطاع غزة .
ويبدو أن مقولة رئيس الوزراء البريطاني العتيد ” ونستون تشرشل” كانت قد تحققت فعلا، بأن الولايات المتحدة ستفعل الصواب لاحقا، لكن بعد أن تجرب مائة طريقة خاطئة ، ومن تلك الطرق الكارثية المساعدة في الإطاحة بنظام العقيد القذافي في ليبيا ، ونظام بشار الأسد في سوريا ، وعلى عبد الله صالح في اليمن، ما أوجد الفرصة السانحة ، الفسيحة المريحة، لتنظيمات راديكالية من نوعية ” داعش ” لتجرب حظها في إقامة دولتها الحدودية بين العراق وسوريا، وتجمع من حولها عشرات الآلاف من المقاتلين الشباب .
هنا يعن لنا التساؤل :” هل كانت المشروعات الغربية للشرق الأوسط، لا سيما تلك التي قادتها واشنطن في ولايتي بوش الأبن من جهة، وباراك اوباما من جهة تالية، دافعا مؤكدا إلى بلورة ما عرفه أحد افضل العقول الأميركية ، ب” محور الدول الفاشلة “، والتي معها يضحى من الرفاهية التصديق بأن هناك بالفعل إمكانية للوصول إلى فكرة شرق أوسط جديد ومغاير ، بل وتقدمي وقابل للحياة ؟
من بين أفضل العقول الأميركية التي عملت في الشأن العام خلال العقود الأربعة الأخيرة، يأتي أسم ” أنتوني كوردسمان “،والذي شغل منصب أستاذ كرسي أرليه بورك في الشؤون الإستراتيجية في مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية CSISالشهير في نيويورك.
قبل رحيله قبل أربع سنوات ببضعة أشهر ، كتب عبر موقع مجلة ” بولتيكو ” الأميركية الشهيرة متساءلا عن أحوال الشرق الأوسط الكبير من زمن الربيع العربي إلى آوان ما أسمه محور الدول الفاشلة .
هل وجه كوردسمان لطمة قاسية للسياسات الأميركية تحديدا، وما تسببت فيه من أخطاء كارثية، قادت المنطقة إلى مثل هذه المآلات المتردية؟
يعترف الرجل بالقول أن واشنطن قطعت شوطا كبيرا منذ الآمال المرتبطة بمعاهدة كامب ديفيد والعولمة، ونهاية التاريخ ، ونهاية حرب الخليج الئاولى في عام 1991، وصولا إلى ما عرف بزمن الربيع العربي .
غير أن هذه المسيرة الطويلة والتي تناهز أربعة عقود، كانت سيرا في كل الإتجاهات الخاطئى، لأنها نشأت من منظور غير واقعي، فقد تدهور الشرق الأوسط بمرور الوقت، وبطرق تتجاوز إلى حد كبير صراعاته، وأيديولوجيته ، ومعتقداته المتنافسة ، وصراعات السلطة بين الحكام والمحكومين .
يرى كوردسمان أن واشنطن توقفت طويلا عند الشعارات البراقة كالحرية والمعرفة وتمكين المرأة ، وهي في واقع الحال قيم مهمة وأخلاقيات سامية، لكنها ومن أسف شديد، لم يكن لها أن تجد طريقها إلى النجاح وسط أهم ما يحدد مسيرة الشعوب، أي المؤشرات الاقتصادية ومستوى حياة الأمم والشعوب .
يبين لنا كوردسمان أن النتاج الإجمالي المجمع ل 22 دولة عربية عضو في جامعة الدول العربية أقل من الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا ، وكيف أن 40% من العرب البالغين ( 65 مليون شخص) أميون، وثلثيهم من النساء .
عطفا على ذلك فإن ثلث سكان المنطقة يعيش على أقل من دولارين في اليوم، ولتحسين مستويات المعيشه ، يتعين النمو على النمو الاقتصادي أن يتضاعف من أقل من 3% إلى 6% على الأقل .
بحلول عام 2020 دخل 100 مليون شاب عربي سوق العمل لأول مرة الأمر الذي يفترض خلق ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة جديدة كل عام لإستقبال هولاء الوافدين الجدد.
أما المشكلة الأكبر فتتمثل في أن 1.6 فقط من السكان لديهم القدرة على الوصول إلى الإنترنت ، وهو رقم أقل من أي منطقة أخرى من العالم ، بما في ذلك إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى .
هنا يضع كوردسمان الإدارات الأميركية المتعاقبة أمام إستحقاقات علامة إستفهام :” هل ساهمت الطروحات والشروحات الأميركية، وعلى رأسها مبادرة الشرق الأوسط الكبير في تحسين أحوال العالم العربي ودول الشرق الأوسط بشكل عملي فعال، يرفع من مستويات المعيشة، أم أن الهدف كان دعائي غرضه الرئيس هو إقحام إسرائيل بالقوة الجبرية في سياقات الحياة الطبيعية، عبر السعي لتطبيع قسري إن جاز الوصف، ومن غير أدنى محاولات فعلية لتغيير حياة البشر هناك إلى الأفضل؟