حتى الآن يبدو موقف الدول العربية من الوضع في سوريا ما بعد هروب الأسد وذوبان قواته وميليشياته وأجهزة استخباراته التي كانت الأعتى في المنطقة، هو موقف المتفرج المنتظر لما سيحدث بأيدي قوى خارجية لا يعنيها لا سوريا ولا المنطقة العربية، وإنما كل ما يعنيها منافعها ومصالحها وأمن الكيان الصهيوني.
إيران كانت صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا الأسد والآن قد أجبرت على الانسحاب في إطار صفقة، والكيان الصهيوني يتربص بكل شبر من أرض سوريا وينفخ في رماد الطائفية والمذهبية والعرقية لتظل سوريا مشتعلة منشغلة، أما الأتراك فعينهم على الشمال السوري كله لتأمين حدودهم، وضمان عدم قيام دولة كردية تهدد وحدة أراضيهم، والباحث عن الدور العربي في سوريا يجد أنه غائم غائب فردي بلا رؤية واضحة أو استراتيجية حقيقية لها قوة الفعل، بغض النظر عن خطوة الدعم البترولية السعودية لتعويض وقف إيران لإمدادات النفط لسوريا.
سوريا ونتيجة العذابات التي مرت بها مع الأسدين وبخاصة منذ عام 2011 ونظراً لطبيعة الشعب السوري المحب للحياة هي بيئة سلسلة قابلة للتسامح ما لم تتدخل قوى الخراب التي تظن أنها تحسن صنعاً، وكما ذهب باسم مروة في مقاله في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية الأسبوع الماضي بعنوان: “العنف الطائفي في سوريا جاء أقل حدة مما كان متوقعاً منذ الإطاحة بالأسد”، مشيراً إلى حدوث جولات من العنف الطائفي خلال الأيام التي أعقبت الإطاحة بالأسد، إلا أنها لم تصل، بأي حال من الأحوال، إلى الحد الذي كان يُخشى منه بعد نحو 14 عاماً من الحرب الأهلية في سوريا.
وأوضح مروة أنه نظراً للدور الرئيس الذي لعبه العلويون في حكومة الأسد القمعية، توقع الخبراء أن يكون العنف الطائفي مستشرياً، بيد أن هيئة تحرير الشام اجتهدت في الحد من التوترات في القرى التي شهدت أعمال عنف انتقامية، وهذا لا ينفي القلق من أن تتحول سوريا إلى دولة دينية، على الرغم من أن التحالف الذي تقوده هيئة تحرير الشام لم يفرض حتى الآن أية قواعد دينية صارمة، مثل إجبار النساء على ارتداء الحجاب، كما سُمح للصحفيين من جميع أنحاء العالم بالتغطية بحرّية، وعلى مدى سنوات من السيطرة في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، سمحت هيئة تحرير الشام للمسيحيين والدروز بممارسة شعائرهم الدينية دون تدخل، بحسب مروة.
لكن إلى متى ستتمكن هيئة تحرير الشام من الحفاظ على المستوى المنخفض من التشدد أو الاشتباكات الانتقامية وعدم الانجراف إلى حمامات دم جديدة لم يعد الشعب السوري قادراً على تحمل تبعاتها، أتصور أن الرغبة القوية والصادقة لدى الشعب السوري في استعادة وطنه والانطلاق به نحو المستقبل في سلام يمكن أن تكون قاعدة مهمة وصلبة للبناء علها من أجل مستقبل سوريا الموحدة.
ويبقى أن يدرك العرب أنه ليس من مصلحة أمنهم واستقرارهم أن تغرق سوريا، فلم يأمن أي نظام عربي بغرق دولة عربية أخرى، فحين غرقت اليمن لم يسلم البحر الأحمر و دوله من ويلات الغرق، ودخلت المملكة العربية السعودية في حرب مفتوحة مع الحوثيين منذ مارس 2015 وحتى اليوم، وعانينا في مصر من الجماعات الإرهابية عبر الحدود مع ليبيا المنقسمة ومن الجنوب مع السودان الغارق، فلا تتركوا سوريا تغرق كما غرق السابقون.