إميل أمين
دعا مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار”كايسيد ” إلى فاعلية جديدة عبر الفضاء الإلكتروني عنوانها :” كيف يمكن للحوار بين أتباع الأديان أن يتجاوز المناقشات الرسسمية إلى الحياة اليومية .
من أهم المحاور التي سيتم مناقشتها نهار الرابع والعشرين من جانب القيادات الشابة التي تمثل البنيان الهيكلي لكايسيد :
** كيفية تحول المساحات اليومية إلى منصات للحوار .
** الإبحار في عالم النشاط الديني المتنوع .
** دور الفن والتعليم والتنقل في التغيير الإجتماعي .
وتقدم هذه الجلسة رؤى قيمة لقيادة الشباب والممارسين بين الأديان ودعاة المجتمعات الشاملة .
يعن للمرء التساؤل :” لماذا يؤمن القائمون على كايسيد بتلك الأهمية الفائقة ، وفي سبيل ذلك يكرسون الكثير من البرامج والمنتديات ،ويقومون بجولات وصولات ، يجمعون فيها خيرة شباب العالم ، من جهات الأرض الأربع ، يفكرون بعزم ويعملون بحزم،ويفتحون الأبواب على دروب الوفاق ، ويسعون في طريق سد منافذ الإفتراق ، بحثا عن السلام والوئام ، ودفعا للكراهية والخصام ؟
قد يبدو التساؤل مطولا ، غير أن الذين عندهم علم من كتاب أحوال كايسيد طوال السنوات الماضية ، يدركون أهمية تلك المؤسسة – الظاهرة، القائمة على قناعات حضارية وحوارية ، بدلت الكثير من الأوضاع، وغيرت العديد من الطباع التي سادت شرقنا الأوسط بشكل خاص ، وغالبية أرجاء المسكونة بشكل عام .
يمكن القطع بان كايسيد أعتبر أن الحوار من أهم وأرقى المهارات الاجتماعية، فطريق الحوار هو طريق التقارب والتفاهم والحب والتعاون. وهو طريق المستقبل، والنجاح والابداع والنهضة. وطريق الفهم العميق للنفس وللآخر، وإذا لم نسلك هذا الطريق فالبديل هو طريق الشعور بالوحدة والتباغض والتعانف والانغلاق على النفس وسوء الفهم.
والحوار هو المفتاح الأساسي لنجاح علاقة الأب مع أبنائه، والزوج مع ززجته، والصديق مع صديقته، والأخ مع أخيه، بل والدولة المتقدمة هي التي تمارس وتشيع بين أبنائها ثقافة الحوار. وكلما ابتعدت العائلة أو الأمة عن فتح أفاق الحوار عانت من أمراض اجتماعية عديدة مثل “الكبت، والتسلط، والكذب، والخداع، والمكر، والنفاق…. إلخ”.
من هنا ينبغى أن يعود الحوار كل جوانب الحياة ويصبح أسلوب حياة فاللغة البديلة تكون لغة القهر وتفكير الآخر والانعزال والأنانية، وتصلب الذهن ومحدودية الرؤية، وإعجاب كل ذي رأي برأيه….هل لنا رؤية اوسع لجهة الحوار ؟
1- الحوار ضروري إنسانية:
الحوار احتياج إنساني، يمكن أن نقول إنه يقع ضمن الحاجات الأساسية للإنسان. فبداية حياة كل إنسان هي الحوار، وما الصله البيولوجية الطفيلية بين الطفل وأمه إلا حوار.
فالطفل في حوار دائم مع أمه ومع من حوله. صحيح أنه لا يستطيع أن يتكلم ولكنه يعبر عن نفسه من خلال صياحه، أو دموعه، أو ابتساماته، أو نظراته…. إلخ، فالعلاقة هي الأصل، أما العزلة فهي الحالة الشاذة.
إن الإنسان لا يستطيع ان يعيش بدون حوار، الوحدة تقتله، لأنه كائن اجتماعي، يحتاج أن يحب وأن يكون محبوباً، فدفء الحب يحميه من الأنانية، ومن فقدان الأمان، والخوف من المستقبل، والشعور بالوحدة….. إلخ.
والإنسان يحتاج إلى التقدير والاحترام، وفي الحوار يستطيع أن يؤكد ذاته لنفسه وللآخرين، وأن يكتسب حبهم واحترامهم، وأن يشعر بدفء الحياة.
2- الحوار رؤية حضارية:
قال المفكر العربي الكبير الراحل د. أحمد صدقي الدجاني: “هذا العصر هو عصر الحوار؛ حوار الثقافات، وحوار الحضارات، وحوار الأديان، الحوار بين الشمال والجنوب، والحوار العربي الأوروبي…. التعليم يبنى على الحوار، والتقدم العلمي يتم بالحوار، والنزاعات الدولية تحل بالحوار، والتنسيق بين المنظمات الدولية والاقليمية يتم بالحوار، والعمل المشترك بين المؤسسات الدينية والعلمية حول قضايا العصر يتم بالحوار”.
وقال البابا يوحنا بولس الثاني: “يقود الحوار إلى معرفة غنى التنوع، ويعد النفوس للقبول المتبادل ضمن تطلع نحو تعاون حق يتجاوب مع الدعوة الأصلية إلى وحدة الأسرة البشرية برمتها. وبحكم هذه الميزة يمسي الحوار أداة رئيسية لحقيق حضارة المحبة والسلام .
وجاء في “نداء تونس حول الحوار بين الحضارات”: “الحوار دليل على النضج الفكري الذي أدركته البشرية، وتفرضه تجارب الأمس وحوادث اليوم ومخاوف الغد. والحوار هو الطريق لمكافحة شتى أشكال اللامبالاة، وعدم التفهم، وإنماء ذهنية الاعتراف والاحترام المتبادلين، ومعرفة الآخر في خصوصيات حضارته وتطلعاته”.
3- بالحوار نحل مشاكلنا:
يتسبب تجنب النقاش والحوار مع من نختلف معهم حول المشاكل والخلافات التي تواجهنا سواء صغيرة أو كبيرة، في تحول أسلوب التفكير بعيداً عن الواقع والمنطق نحو جو مغلق من الخيالات والأوهام التي قد تكون أشد خطراً وضررا ًمن الأفكار والمواقف التي يحملها الآخرون. فعندما يكون هناك سوء فهم بينك وبين شخص آخر ويتجنب أحدكما الآخر والا تناقشان الموضوع معاً، فإن هذا سيدفع كل طرف ليعيش في أوهام وخيالات وتصورات قد تكون غير واقعية، وتكون مخاطرها أكبر بكثير من المشكلة ذاتها.
4- الحوار حتمية للنضوج:
كيف ينضج الإنسان؟ وكيف يستطيع أن يفهم نفسه ويعرف نقاط القوة ونقاط الضعف فيها؟ ممن يتعلم إذا ابتعد عن الناس ولم يدخل في حوار معهم؟
يساعدك الحوار على اكتشاف الحقيقة، ويساعد على اتساع الأفاق الفكرية للمتحاورين، واكتشاف آراء وأفكار جديدة لم تكن معروفة من قبل، ويساعد الإنسان على اكتشاف نفسه وقدراته ومواهبه. فعندما تدخل في حوار مع شخص مثقف، تستطيع أن تكتشف جهلك واحتياجك للثقافة.
لقد قال إيمرسون: “كل شخص ألقاه” يفوقني في ناحية واحدة على الأقل، وفي هذه الناحية يمكن أن أخذ عنه وأتعلم منه”.
فبالحوار تكتشف نفسك، وتكتشف الآخر، وتستزيد علماً، وتنمي قدراتك، وتتحرر من التمركز على الذات والاهتمام بالنفس، وتنتقل إلى الاهتمام بالآخر والتعاطف معه.
5- بالحوار يرتقى المجتمع:
من خلال الحوار الراقي والموضوعي والمستمر نتمكن من تنمية الحس النقدي لدى أولادنا، ونتمكن من زرع الثقة في نفوسهم، وإطلاق طاقاتهم الإبداعية. فحين يسمع الأطفال وجهات نظر متباينة ومتعددة في الموضوعات والقضايا المطروحة للنقاش، فإنه تنمو لديهم القدرة على المقارنة – كما يقولون – هي أم العلوم. ومن خلال نمو عملية المقارنة لديهم، تتشكل رحابة عقلية جديدة لا يمكن بلوغها بدون هذا السبيل. وعندما يلاحظون نتيجة ما يتم من نقاش وحوار بين المتحاورين من مراجعات للنفس والوصول إلى آراء أفضل، فإن ذلك يعد أفضل وسيلة لإنضاج شخصياتهم.
وحين ندير حوارتنا على نحو جيد، فإننا من خلال تبادل الأفكار والآراء والوصول إلى الحلول الوسطى والآراء المعدلة والملقحة نشيع في حياتنا الرؤى المتدرجة والمتنوعة، كما نشيع القابلية العقلية لإدراك ما في الأشياء من نسبية. وأعتقد أنه في زمان شديد التعقيد وكثير الغموض بات الأطفال – على نحو أخص – بحاجة إلى تربية تنمي لديهم ثقافة النجاح، وهذه الثقافة تقوم على عدد من المبادئ المهمة منها،:
إن لكل شئ ثمن: وهذا الثمن يكون وقتاً، وقد يكون جهداً، وقد يكون مالاً، وقد يكون التزاماً، وجديدة…. الخ.
5-في الحوار كلنا رابحون
من خلال الحوار الناضج بوصفه العامل الأول والأساسي للتواصل، نتبادل رسائل عظيمة قائمة على نفسية سوية وعقلية مستنيرة وفكر خلاق، حيث يوقن الجميع أن في إمكان المرء تحقيق ذاته، والوصول إلى أهدافه وبلورة آرائه على الرغم من إتاحته الفرصة للآخرين بأن ينقدوه ويجادلوه، ويعترضوا على بعض ما يقول.
وعلى العكس من هذا فإنه حين ينعدم أو يضعف الحوار في مؤسسة أو أسرة أو مدرسة فإن كل واحد من الذين يعيشون في تلك المحاضن يشعر بالعوز والضيق والفقر وقلة الفرص، ويسود اعتقاد بأن تقدم فلان ونجاحه لا يتم إلا على حساب الآخرين، كما أن نجاح أي واحد من الأقران والزملاء سيتسبب في تضرر وتراجع الآخرون! وهذا بسبب سيطرة فلسفة توحي للناس بأنه في الأرض من الخير ما يكفي لإسعاد الجميع فتسيطر عقلية الشح حتى في الأفكار والآراء، فالأمور محسومة، فإنما أن يكون الحق معي أو معك، وإما أن أكون أنا على الطريق الصحيح وإما أن تكون أنت، حيث لا يتوفر لدينا طريق ثالث.
أما حين يسود الحوار الموضوعي فسيدرك الناس – ولو بطريقة غير مباشرة – أن هناك دائماً طريقاً ثالثاً وفكرة معدلة، حيث إنه ما احتك مفهوم بمفهوم مناقض إلا أمكن أن يتولد عن هذين المفهوم ثالث، هو أرقى منهما لأنه ثمرة لرؤية مشتركة، ونتيجة لتلاقح العقول المستنيرة.
6- طريق القواسم المشتركة
من خلال الحوار نتوصل إلى القواسم المشتركة التي بيننا، ونكتشف أن الذي يقف في أقصى اليمين يمكن أن يتواصل على نحو ما مع الذي يقف في أقصى اليسار. ونكتشف أن الحوار ولد أفكاراً جديدة لم تكن موجودة عند أي فرد على حده، وهذه الأفكار والآراء ليست مجموع أفكار وآراء المتحاورين، كلاً، لأن تفاعل المتحاورين بعضهم ببعض ينشئ أفكاراً جديدة لم تكن موجودة أصلاً في المتحاورين وهم فرادى.
والحوار يساعد بطبيعته على بلورة قواعد جديدة للتعامل، واكتشاف أرضيات لم يكن لنا عهد بها. إن الحوار بالنسبة إلى الكبار أشبه باللعب بالنسبة إلى الصغار، فلو أنك أعطيت مجموعة من الأطفال دراجة – مثلاً – ليلعبوا عليها فإنك ستجد أنهم خلال دقائق توصلوا إلى بلورة قاعدة لتداولها والاستمتاع بها، وهكذا نحن الكبار فإننا في حوارنا المتواصل مع بعضنا ومع أسرنا وأطفالنا نستطيع بلورة العديد من المبادئ والقواعد والرؤى والأهداف والأحلام التي تجمع بيننا، وتقربنا من بعضنا .
ويبقى طريق كايسيد ممتد والسعي قائم من أجل عالم تملأه فرحة اللقاء ووحدة الهدف والتوجه والمصير لعقودطوال بإذن الله .