من واشنطن إلى بكين ..وفاق أم إفتراق ؟.. وحدة الدراسا ت

تعبيرية

المراقب: وحدة الدراسات

في تقرير مطول لموقع ” توم ديسياتش الأميركي “، يكتب المحلل السياسي الأميركي الشهير ” مايكل ت.كلير”، يقول ” إن الصين تعتبر حقا القوة العظمى في نظر أولئك الذين يحيطون بترمب ويضعون السياسات الخارجية ، ورغم أنهم يتصورون العديد من التحديات الدولية التي تواجه إستراتيجية ” أميركا أولا “، فإنهم يعتقدون أن الصين وحدها تشكل تهديدا حقيقا للهيمنة العالمية المستمرة لهذا البلد .
هل الأجواء في واشنطن محتقنة بالفعل ضد بكين ؟
في حدث استضافه المجلس الأطلسي في أواخر عام 2023 ، أعلن النائب “مايكل والتز “، الذي أختاره ترمب لمنصب مستشار الأمن القومي ” اشعر بقوة أن الحزب الشيوعي الصيني دخل في حرب باردة مع الولايات المتحدة ويسعى يشكل واضح إلى إستبدال النظام العالمي الليبرالي الذي يقوده الغرب والذي كان قائما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .نحن في سباق تسلح عالمي مع عدو على عكس أي عدو في التاريخ الأميركي ، لديه القدرة الإقتصادية والعسكرية على إزاحتنا وإستبدالنا معا “.
السؤال المهم بالنسبة لمستقبل هذه العلاقات ” هل سيلور ترمب سياساته الخارجيه بمفرده، وبنزعة فردية، كما كانت غالبية قراراته في ولايته الأولى، أم أن الوضع هذه المرة مختلف، لا سيما في ظل أحد أهم بيوت التفكير الأميركي ، هيريتاج فاونديشن” التي تبدو وكأنها صانعة القرار الرئيس في إدارته الثانية؟
الثابت أنه بالنسبة للعديد من أفراد إدارة ترمب الداخلية، فإن الإستجابة الصحيحة والوطنية الوحيدة للتحدي الصيني هي الردل بقوة .
بالإضافة إلى والتز، يبدو السيناتور المرشح لمنصب وزير الخارجية ، ماركو روبيو، ممثلا لجبهة أميركية داخلية ترعى دعم تشريعات للحد من ما يعتبر أنه مساعي صينية خبيثه في الولايات المتحدة والخارج .
ولعل ما أوردته مجلة ” الفورين أفيرز ” في عددها الأخير لشهر يناير ، كانون الثاني 2025، عن نوايا ترمب تجاه الصين لا يبشر بعهد من السلام أو الوئام بين الطرفين .
بإختصار سوف يستهل ترمب منصبه بمجموعة من التدابير العقابية لمحاربة الصين ، وفي المقدمة منها التعريفات الجمركية الهائلة التي ينتوي فرضها على بكين .
ولعله من بين كل القضايا المتعلقة بالصين في فترة ولاية ترمب الثانية، من غير المرجح أن يكون أي منها أكثر تحديا أو أهمية من الوضع المستقبلي لجزيرة تايوان . وتتمثل القضية في التحركات التدريجية لتايوان نحو الإستقلال الكامل وخطر غزو الصين للجزيرة لمنع مثل هذه النتيجة ، مما قد يؤدي أيضا إلى تدخل عسكري أميركي .
زمن بين كل الأزمات المحتملة التي يواجهها ترمب، فإن هذه هي الأزمة التي قد تؤدي بسهولة إلى صراع بين القوى العظمى مع تلميحات نووية .
وكما هي الحال مع تايوان، سوف يواجه ترمب بعض القرارات الصعبة حقا عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاقتصادية مع الصين.
والشاهد أنه إذا أتبع ترمب في الواقع نصيحة الإيديولوجيين في دائرته وسعى إلى إستراتيجية الضغط الأقصى على بكين، المصممة خصيصا لتقييد نمو الصين وكبح طموحاتها الجيوسياسية ، فقد يتسبب في إنهيار اقتصادي عالمي من شأنه أن يؤثر سلبا على حياة العديد من أنصاره ، في حين يقلل بشكل كبير من النفوذ الجيوسياسي لأميركا ، وبالتالي قد يتبع ميول مستشاريه الاقتصاديين الرئيسيين .
وعلى الرغم من أن تايوان والتعريفات الجمركية يتسنمان هرم الأزمات بين واشنطن وبكين، إلا أن هناك قضايا متشابكة أخرى، في مقدمها التحالف الأمني الروسي – الصيني ، وملآته في شرق آسيا، وكيف لهذا الحلف الاقتصادي حتى الساعة، أن يتحول إلى عسكري عند نقطة زمنية بعينها .
من أين ننطلق من هاهنا ؟

هل باتت الصين مستعدة لترمب ؟

هذا هو التساؤل الذي يبدو مزعجا للكثيرين في الداخل الصيني، لاسيما في ظل إنتكاسة خفية غير معلنة للنهضة الصينية التنموية التي تصاعدت في أعلى عليين منذ بداية الألفية الثالثة .
يلفت ” ميلتون عزراتي ” من مجلة الناشونال أنترنست الأميركية إلى أن الناس والشركات في الصين ، بل ومجتمعات الأعمال في مختلف أنحاء العالم، تبنت بشغف وعود بكين بسن سياسات من شأنها أن تعيد الزخم الاقتصادي للبلاد . ومع ذلك كانت خيبة الأمل تلاحقها دائما . ويبدو الأمر وكأن قيادة الصين ببساطة لا تعرف ماذا تفعل . وهذا الإستنتاج معقول تماما لأن المشاكل الاقاصادية والمالية التي تعاني منها الصين ، نشأت إلى حد كبير من سياسات التصور والإحتمالات التي تعود إلى ما قبل تفشي جائحة كوفيد -19 .
إن الثناء على التخطيط المركزي الصيني كان دائما في غير محله، هذا ما يقرره نفر كبير من ثقات الإقتصاد العالمي ، فمنذ بدأت الصين الحديثة كاقتصاد متخلف للغاية وممزق بالحرب. كان من السهل على مخططها تحديد المجالات التي ينبغي للأمة أن تركز عليها . وكل ما كان عليهم فعله هو النظر إلى العالم المتقدم .
كان الصينيون يدركون أن بناء الطرق الجديدة، وخطوط السكك الحديدية ، ومرافق الموانئ والإسكان، ومحطات الطاقة، وما إلى ذلك من شأنه أن يعود بفوائد نمو هائلة ، وهذا ما حدث .
فقد نهض الناس من براثن الفقر المدقع واصبحوا أكثر ثراء، ولكن مع تطور الصين وإنضمامها إلى الاقتصادات الأكثر تقدما ، أصبحت إحتياجاتها المستقبلية أقل وضوحا . لقد فقد مخططو بكين المركزيون نموذجهم وبدأوا يرتكبون الأخطاء على نحو متزايد.
لقد أصبحت هذه الحقيقة الجديدة للحياة الإقتصادية بالنسبة للصين واضحة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين .
وبحلول ذلك الوقت كانت السلطات تعمل على تعزيز البناء السكني لبعض الوقت ، وتقديم إعانات البناء ، وتقدي الإئتمان بشروط ميسرة للمطورين، وتجنيد دعم الحكومات المحلية من خلال جعل مبيعات الأراضي مريحة لهم وحتى تشجسعهم على الدخول في مشاريع مشتركة مع المطورين .
ومع ذلك ، فإنه مع تحول الصين من إقتصاد يعاني من نقص الإسكان إلى إقتصاد يتميز بوفرة الغسكان ، أرتكب المخططون خطأ الإبقاء على هذه السياسات ،وأرتفعت نسبة التطوير العقاري إلى 30% من اقتصاد الصين، وهو أمر غير مستدام.
وعندما أستيقظت بكين أخيرا على المشكلة، أرتكبت خطأ ثانيا، ففي عامي 2019 و 2020، ألغت بكين فجأة كل الدعم السابق لقطاع الإسكان …هل بدأ التراجع الصيني من هنا ؟
المؤكد أن الصين فقدت الكثير من مصداقيتها لدى العديد من الدول الغربية، لا سيما الأوروبية بعدما بدا من تهافت في الحقائق المتعلقة بإنتشار فيروس كوفيد 19 ، مما كشف أوضاع الهشاشة للقيادة الصينية .
واليوم ومع دخول ترمب البيت الأبيض ثانية، وما ينتوي أن يفرضه من جمارك عالية على السلع الصينية، تبدو بكين وكأنها في وضع ضعيف ، حتى ولو كان اقتصادها عصيا على الإنهيار دفعة واحدة كما يتمنى الكثير من أنصار التيار الليبرالي المنفلت .
هل يعني ذلك أن الصين تخشى من ترمب الثاني ؟

___________________________________

إلى قراءة قادمة .

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

وزيرة خارجية ألمانيا عن اعتقال عمدة اسطنبول: ضربة قاصمة للديمقراطية في تركيا

د ب أ انتقدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، اعتقال عمدة مدينة إسطنبول التركية، أكرم …