المراقب: وحدة الدراسات
لماذا يعد خطاب تنصيب الولاية الثانية أهم من خطاب تنصيب الولاية الأولى؟
بإختصار غير مخل ،في الساعات الأولى للولاية الأولى، تكون الآمال الوردية والأحلام المخملية، هي المسيطرة على الأجواء ، بمعنى أن مساحة العاطفة هي التي تفعل فعلها في الجموع المحتشدة، ويكفي أن ينظر المرء إلى الدموع التي بدت في مآقي العيون الأميركية، غداة تنصيب باراك أوباما كأول رئيس من أصول إفريقية، فيما أختلف مشهد خطاب تنصيب الولاية الثانية، وبخاصة بعد أن ثبت لدى ملايين الأميركيين أن الرجل باع لهم خطاب الأوهام لا الأحلام ، وأن الأمل الذي تجرأ عليه كان واهيا .
في خطاب التنصيب الثاني، يبدو الرئيس الأميركي، أي رئيس متحللا من المخاوف ومعزولا عن الضغوطات، ذلك أن مستقبله عادة يكون وراءه وليس أمامه، ولو بالمعنى المجازي، سيما أنه لا يحلم بإعادة إنتخابه مرة ثالثة وهو ما لا يسمح به الدستور الأميركي، وعليه فهو لا يتملق بحال من الأحوال جموع الناخبين .
غير أن خطاب التنصيب الثاني، عادة ما تشاغبه فكرة اللعنة الخاصة بالولاية الثانية، والتي تكاد تخيم فوق رأس الرئيس المعاد إنتخابه .
لقد أصبحت عبارة ” لعنة الولاية الثانية ” مألوفة للغاية حتى أنها أصبحت عبارة مبتذلة في السياسة الأميركية .
وسواء كان الأمر يتعلق بإستقالة ريتشارد نيكسون أو محاكمة الرئيس بيل كلينتون، فإن الرؤساء عادة ما يواجهون أوقاتا عصيبة خلال الولاية الثانية .
في التاريخ الأميركي يحتل الرئيس الثالث” توماس جيفرسون”، مكانة فريدة، لم يدانيه أحد فيها ، ولا قدر لرئيس أخر أن يقترب منها ، ومع ذلك فقد تعثر في ولايته الثانية، الأمر الذي دفع الأميركي ” ألفريد زاتشر ” لتأليف كتاب عنوانه ” السلطة الرئاسية في فترات الولاية الثانية المضطربة”، ووفقا لسطور الكتاب ، فإن نحو ثلث الرؤساء الذين أعيد أنتخابهم فقط نجحوا في فترة ولايتهم الثانية.
لماذا يحدث هذا التراجع ؟
يمكن إرجاع هذا المسار النزولي إلى مجموعة متنوعة من المزالق المختلفة ،بدءا من الحروب إلى الفضائح الشخصية إلى الجمود في الكونجرس.
وهناك أيضا الفضائح- الجروح التي يلحقها المرء بنفسه والتي يبدو أنها تظهر بشكل متكرر بعد إعادة إنتخابه ، ويرجع هذا جزئيا إلى أن هذه الأمور قد تستغرق سنوات قبل أن تخرج إلى النور .
وفي واقع الأمر ، فإنه من بين 44 رئيسا للولايات المتحدة ، لم يقض سوى 21 منهم أكثر من فترة ولاية كاملة، وعلى هذا فقد تكون هناك لعنة الولاية الثانية ، فيما المثير والغريب أنه بالنسبة لأكثر من نصف الرؤساء ، لم تسمح لعنة الولاية الأولى بالوصول إلى هذه المرحلة .
اليوم وعلى بعد بضعة أيام من خطاب تنصيب الرئيس ترمب الثاني، نحاول في هذه السطور السريعة، إسترجاع بعض من أهم خطابات التنصيب للولاية الثانية في تاريخ رؤساء أميركا، وتاليا التطلع إلى مكنونات صدر ، وافكار عقل سيد البيت الأبيض القادم خلال الساعات القادمة ، وما يشغل تفكيره لأميركا خلال أربع سنوات قادمة.
يحتل الجنرال جورج واشنطن ، مكانة متقدمة في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، فالرجل ليس فقط بطل حرب الإستقلال، بل يعد وعن حق أهم رجالات السياسة الأميركية، الذين قدر لهم الإنتصار على الذات ، ومحاربة الإحساس بالعظمة، ذلك أنه لو شاء لبقي رئيسا إلى نهاية عمره، ومع ذلك ، فقد فضل فكرة رئاستين ، ومن ثم تراجع إلى مزرعته في الريف الأميركي، ومرسيا بذلك نوعا من الديمقراطية المتقدمة إن جاز التعبير .
إقيم حفل تنصيب جورج واشنطن للمرة الثانية رئيسا لأميركا في قاعة مجلس الشيوخ في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا يوم الإثنين 4 مارس 1793، ومعه على تذكرته الإنتخابية الفائزة نائبه ” جون آدامز ” الذي سيخلفه في الرئاسة الأميركية تاليا .
أدى القاضي المساعد ويليام كوشينج اليمين الرئاسية لجورج واشنطن، وكان هذا أول تنصيب يقام في فيلادلفيا ، عاصمة الأمة آنذاك .
يعد خطاب تنصيب جورج واشنطن لولايته الثانية، أقصر خطاب في تاريخ خطابات الزعماء الأميركيين، ذلك أنه لم يتجاوز 135 كلمة تقريبا وجاء فيه :” لقد دُعيت مرة أخرى من قبل صوت بلدي لأداء مهام قاضيها الأعلى ، وعندما تأتي الفرصة المناسبة لذاك ، سأحاول التعبير عن شعوري العميق بهذا الشرف الرفيع، الثقة التي منحها لي شعب أميركا المتحدة.
ويومها أضاف جورج واشنطن ” قبل تنفيذ أي عمل رسمي من أعمال الرئيس ، يتطلب الدستور أداء اليمين الدستورية. هذا القسم الذي سأؤديه الآن،وفي حضوركم ، إذا ثبُت أثناء إدارتي للحكومة أنني أنتهكت في أي حالة طوعا أو عن علم أوامرها، فقد أكون ( بالإضافة إلى تحمل العقوبة الدستورية) عرضة لتوبيخ كل من يشهودن الآن على الحفل الرسمي الحالي .
دخل جورج واشنطن البلاد، لا من باب خطاب التنصيب الثاني فحسب، بل من خلال خطاب الوداع، ذلك أنه نحو ولايته الثانية كأول رئيس للولايات المتحدة، أعلن أعتزاله منصبه في رسالة موجهة إلى الشعب الأميركي . ورغم أن الكثيرين كانوا يخشون على الولايات المتحدة بدون واشنطن، إلا أن الخطاب طمأن الأمة الشابة بأنها لم تعد بحاجة إلى قيادته. كما أستغل واشنطن الفرصة لتقديم المشورة من أجل إزدهار البلاد . وبعد أن شهد الإنقسام المتزايد بين الحزبين الفيدرالي والديمقراطي الجمهوري ، كان جزء كبير من نصيحته هو التحذير من الأحزاب السياسية والفصائل والعداوات الأخرى المحلية والأجنبية التي من شأنها في نهاية المطاف أن تقوض نزاهة فوعالية الحكومة الأميركية .
ماذا عن خطاب تنصيب ترمب الثاني وكيف بدا مؤشرا لفترته الثانية ؟
____________________________
إلى قراءة قادمة