يبقى مركز الملك عبد الله بن عيد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، شمعة مضيئة وسط ظلام التطورات الحياتية والنوازل السياسية الجارية، لا سيما على صعيد التشدد والتعصب، الشوفينيات والقوميات، رفض الأخر، والحزازات الدينية، تلك التي باتت مؤخرا من أحطر مهددات السلم والأمن حول العالم .
لا تتوقف جهود ” كايسيد ” عند سياقات بعينها، بل يوما تلو الأخر تتعاطى بروح عصرانية مع الزمن وآلياته، والحداثة وإشكالياتها، فيما الذي يميزها وبعمق قدرتها على إستخدام لغة العصر لتحقيق أهدافها الأخلاقية السامية .
من بين أهم القضايا التي كرس كايسيد جهودا متقدمة لخدمتها، تأتي قضية الحوار بين أتباع الأديان من أجل تعميق جهود السلام الهش في عالمنا المعاصر، ذاك الذي كاد يبدو وكأنه ينحرف من مساقه الإيديولوجي إلى معارك عسكرية ، كما راينا في أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية .
يؤمن القائمون على كايسيد إيمانا راسخا بأن الحلول المستوحاة من القيم الدينية هي مفتاح التصدي للتحديات العالمية .
ومن خلال الشراكات الفعالة يعزز كايسيد أنشطته التي تفتح الدروب واسعة أمام تطوير حلول فعالة للأزمات المعاصرة، وبخاصة من خلال الشباب الواعي والمستنير من كل الملل والنحل والطوائف.
في الأيام القليلة الماضي ، دعا مركز الحوار لندوة ممتدة طويل المدى الزمني، لتفعيل دور الشباب في مجال الحوار بين أتباع الأديان ، وذلك عبر دورة إلكترونية تفاعلية، مدتها ثمانية أسابيع .
يعن للقارئ أن يتساءل :” ما هي الفائدة التي ستعود على المناخ الدولي من مثل هذه الدورة وفي هذا التخصص تحديدا؟
البداية من عند تعلم كيف يسهم الحوار في تعزيز روح السلام والمصالحة، وإزاحة مشاعر العداء والكراهية بعيدا .
وتاليا إكتساب وتعلم إستراتيجيات لمعالجة النزاعات بين أتباع الأديان ، لا سيما في البقاع والأصقاع المليئة بالتوترات السياسية والدينية .
تمكن هذه الندوة كذلك المشاركين فيها من إستكشاف طرق لمكافحة التمييز الديني ، تلك الظاهرة التي تسببت في تعكير الصفو المجتمعي طويلا جدا في الكثير من الدول والقارات .
ولعله من أهم المميزات التي ستتوافر للمشاركين في الندوة ، التعرف على الأدوات الرقمية المطلوبة لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان ، لا سيما أن هذا العالم الإفتراضي، بات من أهم المجالات الماورائية التي تفتح الباب واسعا أمام للوئام أو للخصام ، بل إن العالم ينتظر زمن الذكاءات الإصطناعية، هناك حيث تدور الدوائر في عالم اخر غير معروف أو موصوف أو مألوف .
يتفاعل كايسيد على المستوى العالمي بخطوات واثقة، ففي يناير كانون الثاني المنصرم، شكلت مهمة التواصل الأخيرة لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار إلى نيويورك خطوة مهمة في تعزيز أولوياته المؤسسية لعام 2025 ، وتوسيع تعاونه مع الكيانات الرئيسية للأمم المتحدة والممثلين الدبلوماسيين والمنظمات الدينية .
ركزت المهمة بقيادة سعادة السفير أنطونيو دي الميدا ريبيرو ، الأمين العام المكلف لكايسيد ، على المشاركة في لقاء المجلس الإستشاري متعدد الأديان والإجتماعات الثنائية الغستراتيجية ،والحوارات التي تهدف إلى تعزيز مشاركة كايسيد مع منظومة الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدينية العالمية، وتزامنت مهمة التواصل مع اليوم التالي لإحياء ذكرى الهولوكوست ، وأكدت إلتزام المركز الثابت بتعزيز الحوار بين أتباع الأديان والتفاهم المتبادل والسلام المستدام .
تاليا وفي فبراير /شباط الماضي، شارك كايسيد بفعالية في إجتماع الشراكة العالمية بشأن الدين والتنمية المستدامة الذي عقد في جاكرتا، وقد سلط الإجتماع الضوء على الدور الحيوي للقيادات الدينية في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الحوار بين أتباع الأديان .
ولعله من نافلة القول، أن للأديان دور مؤثر في شتى أنحاء المجتمعات العالمية، حيث يذهب معظمنا إلى المساجد أو الكنائس ، ولأننا نُجل قياداتنا الدينية ونحترمهم ونقدر دورهم ، فإننا نصغي إلى كل ما نقوله من وعظ وإرشاد وتشجيع “.
عرف كايسيد الدور الحيوي والمصيري للقيادات الدينية، وكيف أنه يمكنها أن تصنع صيفا أو شتاء ، ولهذا ابتكر منصة الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام ، وعبر سنوات خلت ، صممت المنصة ونفذت المئات من المشروعات التي فتحت الباب واسعا لرجال الدين وصانعي السياسات والمجتمع المدني، بهدف بلورة برامج وندوات ولقاءات تحث على ابعيش بسلام وتقطع الطريق على العنف والصدام .
كان ولا يزال هدف كايسيد هو مساعدة منصة الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام ، على أن تصبح مستدامة عبر تعزيز قدرة الشبكة على تحصيل التمويل وتنويع الشركاء وبناء علاقات متينة مع الحكومات المختلفة ، والتي يمكن من خلالها تعزيز روح السلام .
تقول بعض الأصوات الإفريقية التي دعمها كايسيد :” أنه كلما كانت لدينا قضية صراع محتملة ، أرسلنا ممثلينا لتقصي الحقائق والوساطة ، ولأننا نجمع علامات التحذير مبكرا ، لهذا تمكنا من إخماد الكثير من الأزمات في مهدها وقبل أن تنتشر وبذلك شاركنا بجدية في صنع السلام في القارة السمراء “.
ولعله من الثمار الإيجابية لعمل كايسيد ، تعيين السيدة ” هند قبوات “، عضو اللجنة التوجيهية لمنصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي، ضمن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في سوريا .
هل من خلاصة لعمل كايسيد ؟ .
يمكن القطع أن حوار أتباع الأديان في جوهره يشير إلى مفهوم بسيط ، وهو غلتقاء أفراد ذوي عقائد مختلفة، للتحاور فيما بينهم ، الإ أنه ليس من السهل تحديد أو تصنيف طبيعة هذا الحوار أو الغرض منه ، خاصة أنه يتناول العديد من الجوانب .
وفي كل الأحوال ، فإنه يتم إستخدام حوار الأديان للمساهمة في بناء السلام العالمي ، من أجل إفادة البشرية في الحال والإستقبال .