إميل أمين
يستمر مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، في عمله الإنساني الكبير، الساعي إلأى تعزيز الشراكات العالمية في طريق الحوار وبناء الشراكات، بهدف بلورة رؤية للسلام العالمي في كافة البقاع والأصقاع .
في الخامس والعشرين من شهر فبراير شباط الماضي، عقد السفير أنطونيو دي الميدا ربيرو، الأمين العام المكلف لمركز الحوار، إجتماعا مثمرا مع السيدة بيلار موراليس، المديرة التنفيذية لمركز الشمال والجنوب لمجلس أوروبا، والمنسقة الإقليمية لسياسة الجوار مع جنوب المتوسط .
عزز الإجتماع التعاون الناجح بين كايسيد ومركز الشمال والجنوب لمجلس أوروبا، خاصة في مبادرات بناء القدرات والتدريب .
لا ينفك مركز الحوار يفتتح يوميا دروبا جديدة تؤكد على الإلتزام المشترك بتعزيز الحوار وتأكيد روح التفاهم بين أتباع الثقافات والأديان حول العالم، بهدف شيوع وذيوع السلام العالمي .
من بين أهم أهداف كايسيد التي لا تتواني عن السعي في طريق تحقيقها، مواجهة العنف والتطرف، من خلال آليات الحوار، وبناء وحدة الصفوف ، ذلك أن العنف والكراهية لا ينموان في فراغ، بل يتغذيان على الإنقسامات والتضليل.
أحدث جهود مركز الحوار في الأيام الماضي، جرت في منطقة “كابو دينجو “، في موزمبيق، حيث عانت المجتمعات من عدم الإستقرار ، وهناك نظم مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز ورشة متخصصة للحوار ، بهدف تمكين القيادات البيئية من إكتساب مهارات حل النزاعات وإستراتيجيات بناء السلام.
ورشة كايسيد في هذه المنطقة المشتعلة دوما في إفريقيا، دارت حول ثلاثة محاور :
** تحديد الأسباب الجذرية للتطرف داخل المجتمعات الدينية.
** تعزيز الحوار بين الطوائف الإسلامية كأداة فعالة لمنع الصراعات وتعزيز التفاهم المتبادل .
** وضع خطط عمل ملموسة للقيادات الدينية المحلية لتعزيز السلام والتعايش السلمي في مجتمعاتهم .
يعتقد مركز الحوار ، والعقول الخيرة والمغيرة، التي تقف وراءه، أنه من خلال تعزيز التعاون والتفاهم، يسهم المرء في بناء مجتمعات أكثر مرونة، ويتم تمكين القيادات الدينية من الوقوف في وجه استغلال التعاليم الدينية لخدمة الأجندات العنيفة ، فالمجتمع القوي هو خط الدفاع الأول ضد التطرف.
من نافلة القول أن كايسيد ولأكثر من عشر سنوات، عزز وجوده الأخلاقي في القارة الإفريقية، تلك التي يكثر فيه القتال وتتصاعد الحروب الأهلية، وبينهما، يفقد الأبرياء حياتهم، كما تتراجع فرص الحياة الهادئة الهانئة، ويغيب السلام .
قدم كايسيد عبر عقد كامل العديد من البرامج، وقاد الكثير من المبادرات المختصة بتاصيل روح السلام بين الاشقاء المفترقين في الداخل الإفريقي، لا سيما في الدول التي درجت على الإحتراب الأهلي مثل نيجيريا ورواندا، كينيا وزامبيا ، والكثير من دول القارة.
يعن لنا أن نتساءل :” هل ينشأ العنف في الفراغ، أم أن هناك أجواء بعينها تزخمه وتدعمه، بل وتفرز أداوته الممجوجة، التي تعبد دروب الحروب ؟
الشاهد أن كارثة التطرف الفكري ، أنه ينبع من ذهنية أحادية واحدة، لا ترى غير ذاتها في الصورة، وهي ذهنية من يتصور أنه يمتلك الحقيقة المطلقة وحده دون غيره ، أي أولئك الذين يظنون أن المطلق هو طوع اياديهم ، وأن الأخرين مخطئون إلى المنتهى.
مثل هذه الجماعات في حاجة إلى جهود كايسيد التي تجمع ولا تفرق، تشرح ولا تجرح ، وليتهم أستمعوا إلى أحد كبار أئمة المسلمين الثقات، الأمام الشافعي ، في مقولته التاريخية :” قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطا يحتمل الصواب ، ومن جاء بكلام افضل من كلامنا قبلناه “.
ولعله من نافلة القول، أن العنف اليوم، ومن اسف كبير، بات طائرا ومحمولا على بساط الريح، إن جاز التعبير، وذلك من جراء وسائل التواصل الإجتماعي، والهواتف الذكية، تلك التي تلعب دورا متقدما في نقل الأخبار .
من هنا تبدو سهولة الإساءة إلى الأخر ، لا سيما من خلال المنطلقات الدينية أول الأمر .
في هذا الإطار ينبغي القول أن إساءة إستخدام الدين من جهة، واستهداف المكونات المجتمعية دينا وعرقا وثقافة من جهة أخرى، أصبحا سمة مثيرة من سمات بعض المجتمعات القبلية وحتى الحضرية على حد سواء .
يعمل مركز الحوار في كافة البقاع الملتهبة، سعيا لإطفاء نيران الخصومات، ووأد فتيل الكراهيات ، عبر توفير مساحة للتفكير وتعزيز الثقة والمشاركة ومحاولة تقويم ومعالجة كل ما هو معوج لسبب أو لأخر .
دائما وأبدا يطرح كايسيد تساؤلات جذرية إستراتيجية عميقة من عينة : ما الذي تحتاجه القيادات والمجتمعات الدينية والثقافية من بعضها البعض ، من الطوائف الدينية ، ومن السلطات المدنية الأخرى، ومن كل واحد بغض النظر عن إنتماءاته الإيمانية أو الإيديولوجية ؟ وما أدوارهم ومسؤولياتهم نحو مكوناتهم المجتمعية ومجتمعاتهم . وكيفية التعامل مع المحن والآلام التي تسببت في هذه الأحداث ؟
يبقى مركز الحوار بمثابة ضمير حي يقظ ساعيا للمودات في عالم مضطرب جيوسياسيا وما من أحد قادر على معرفة بوصلة توجهاته، وفي هذه الأثناء تحدث الكثير من القلاقل وتسود المخاوف، وما من وازع أو رادع لمقابلتها سوى المزيد من الجهود السلمية والعمل على تعزيز الجسور وإزالة الجدران بين البشر ، هذا إن أردنا النجاة جماعة، وبدون اللجوء إلى الغرق سويا .