أخبار عاجلة

أميركا وعقوبات إقتصادية غير فاعلة.. دراسة

أرشيفية

المراقب : وحدة الدراسات

يمكن القول أن فكرة العقوبات الإقتصادية الأميركية على نحو خاص، ولدت من خلال حاضنة عرفتها البلاد في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945، عرفت باسم ” الوكالة التنسيقية للرقابة الشاملة على الصادرات”، وكانت مهمتها فرض قيود شديدة تصل في بعض جوانبها إلى حد الخطر التام على تصدير السلع والتكنولوجيا الإستراتيجية إلى الإتحاد السوفيتي .
عبر النصف الثاني من القرن العشرين، ضربت الولايات المتحدة الأميركية أنواعا مختلفة من العقوبات الإقتصادية على عدد وافر من الدول، لعل أشهرها العقوبات والحصار على كوبا ذاك الذي بدا عام 1958 ، ولا يزال قائما حتى اليوم، رغم التعديلات والتغيرات التي جرت عليه .
فرضت واشنطن كذلك عقوبات متنوعة ومتدرجة على كوريا الشمالية عام 1950، وشددتها عقب قصف كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية بالصواريخ ، واشتملت العقوبات على حظر تزويد بيونج يانج بالأسلحة.
واليوم يسعى الرئيس الأميركي جو بادين إلى توقيع نوع جديد من أنواع العقوبات الإقتصادية على الصين، وبخاصة في مجال المحركات الرئيسية التي تمثل ركائز العالم الجديد، وفي القلب منها الرقائق الإلكترونية، والذكاء الإصطناعي، الحوسبة الكمومية.
على أن التساؤل الذي شغل عقول الكثير من المفكرين الأميركيين ولا يزال يدور في سياف فاعلية هذه العقوبات، وهل هي سيف بتار بالفعل، أم أنها بدأت تفقد حسمها وعزمها، لاسيما بعد تغير مشهد النظام العالمي الحاضر؟
في كتابهما الشهير ” العسل والنحل”، يقر المنظر السياسي الأميركي الشهير،” ريتشارد هاس”، و “ميجان أوسوليفان “، أستاذة الشؤون الدولية في كلية كيندي بجامعة هارفارد ، بأن العقوبات تسفر بصورة شبه دائمة عن صعوبات اقتصادية ، لكن تاثيرها لا يكفي غالبا ، أو يعجز عن فرض التغيير السياسي المطلوب في البلد المستهدف ,
عطفا على ذلك فقد تكون العقوبات مكلفة بالنسبة للأبرياء.
عطفا على ذلك، فإن العقوبات تثير عادة نتائج غير مقصودة ، مثل تقوية النظم المعادية، وفي ضوء هذه النتائج هناك تسليم متزابد بأن الإعتماد فقط على الأدوات الجزائية مثل العقوبات نادرا ما يمثل إستراتيجة فعالة للسياسة الخارجية ، وقد كان تزايد الوعي بهذا وراء الدعوى لإستكشاف استراتيجيات للسياسة الخارجية، تتسم بالفوارق الدقيقة بينها ، وإن تضمنت عنصرا محتملا للعقوبات ، إلا أنها لا تعتمدعليها بشكل كلي في تحقيق أهداف البلاد .

العقوبات هل تفيد أم تضر ؟
تعرض عدد من الإقتصاديين الكبار، من أمثال البروفيسور الأميركي، كينيث روجوف ، لقضية العقوبات، وهل تمثل أداة تفيد، أم آلية تضر السياسات الخارجية الأميركية ؟
يلفت روجوف إلى أن أغلب العقوبات في العصر الحديث تفرضها دولة كبرى على دولة صغيرة ، ولو أنها في بضع حالات تشمل دولا متساوية الحجم ، مثل الشجار الطويل ، من الخمسينات إلى الثمانينات ، بين المملكة المتحدة واسبانيا بشأن جبل طارق .
يلفت روجوف إلى أنه في بعض الأحيان تنجح العقوبات ، فقد ساعد الإجماع الدولي القوي على فرض العقوبات على جنوب أفريقيا في الثمانينات في وضع حد لنظام الفصل العنصري هناك في نهاية المطاف.
لكن روجوف من جانب أخر ينبه إلى خطورة فكرة العقوبات ، لاسيما في عالم تسبب الإنتشار النووي فيه في جعل الحروب العالمية التقليدية ضربا من المستحيل ، فمن الواضح أن العقوبات الاقتصادية وعمليات التخريب من المرجح أن تلعب دورا كبيرا في الجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين. ولكن بدلا من منع الصراع، ساعدت عقوبات بيريكليس الاقتصادية في اليونان القدمية في إشعال شرارة الحرب البيلوبونسيسة في نهاية المطاف.
يأمل روجوف أن تكون الغلبة للعقول الرزينة الحكيمة في قرننا هذا ، وأن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى التفاوض وليس العنف .
أحد أهم الأصوات التي تناولت شأن العقوبات الاقتصادية الأميركية مؤخرا، البروفيسور منذر سليمان، مدير مركز الدراسات الأميركية والعربية في واشنطن ، والذي ذكر في قراءة حديثة له أن الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري ، ينعمان بالإجماع على تفعيل سياسة العقوبات الاقتصادية ضد الدول الأخرى، فضلا عن ” العقوبات الثانوية ” ضد مؤسسات ومصالح تجارية تملكها أطراف ثالثة غير مدرجة في لائحة العقوبات، لكنها تعاقب ، أن ثبت لواشنطن عكس ذلك .
يخلص البروفيسور سليمان إلى أن الولايات المتحدة ” تفعل مروحة شاملة من العقوبات الاقتصادية ، بوتيرة متايدة، على الرغم من خلو سجلها من أي مؤشرات على النجاح ، ومن تعاظم الأدلة ايضا على تسببها بإلحاق أضرار هائلة بحق مواطني البلدان المستهدفة.
كتب الأستاذ الجامعي والصحافي المرموق، بيتر بينارت ، في صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ نيسان 2021، موجزا عجز الدبلوماسية الأميركية عن فرضها سياسات العقوبات والمقاطعة على الخصوم قائلا :” إنه سلاح يتغذى على فكر اسطوري فحواه اعتقاد واشنطن أن تلك الدول سترضخ لشروطها في نهاية المطاف مع استمرار معاقبتها ، وإنهيار نظامها “.
هل كان البروفيسور بينارت على حق في تشخيص أبعاد المشهد الأميركي والعقوبات المعاصرة ؟
مؤكد هو كذلك، وخير مثال أن الصين التي تحاول الولايات المتحدة خنق صناعاتها التكنولوجية الحديثة، وفي مقدمها الذكاء الإصطناعين وذلك من خلال منع الإستثمار فيها، لن تعدم مصادر مالية أخرى، مثل دول الخليج، والدول الآسيوية، وبعض من دول أميركا اللاتينية، وحتى بعض من دول القارة الإفريقية التي تظهر وكأنها فقيرة، لكنها تمتلك من الموارد الطبيعية ما يكفي لدعم الصين .
لم يعد سرا أن العقوبات الأميركية تأتي ” عادة بنتائج عكسية “، والعهدة هنا على الراوي الصحافي المخضرم في الشؤون العربية ، توماس ليبان .
تجمع الآراء على أن واشنطن تكاد تكون مركز القوة الوحيد في العالم الذي يستخدم سلاح العقوبات الاقتصادية أكثر من أي حكومة في العالم ، وتضاعف الهوة والبؤس بينها وبين المستهدفين “.
خلال مسيرة تكثيف واشنطن العقوبات على روسيا ، كتب المعلق في صحيفة نيويورك تايمز ، كريستوفر كولدويل، مؤلف كتاب” تأملات في الثورة بأوروبا : الهجرة ، الاسلام والغرب”، مقالا جاء فيه أن لدى الولايات المتحدة مجموعة من الأدوات الجديدة للتنمر على العالم .
كولدويل يعتبر أن أميركا حولت اقتصاد العالم إلى سلاح ووسيلة للتنمر ، وأنها لطالما أرادت الولايات المتحدة من الأوروبيين التخلي عن عمودين يقوم عليهما اقتصادهم : الواردات الرخيصة من الطاقة الروسية ، وتصدير الصناعات للصين ، حليفة روسيا .
هل خسر الأوروبيون من سيرهم في قاطرة واشنطن والتي فرضت أنواعا متنوعة من العقوبات؟
مؤكد هذا جرت به المقادير، ومع ذلك ها هي أوروبا تمضي من جديد في إطار سلسلة من العقوبات لا يظن أحد أنها سوف تجبر القيصر على تغيير مساراته.
هنا يبقى الإحتمال الذي تحدث عنه البروفيسور روجوف، الخاص بالحرب من جراء العقوبات أمرا واردا وبقوة، وعلى غير المصدق مراجعة تجهيزات بوتين لحربه النووية مع اوربا وأميركا ، وللحديث بقية .

 

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

برنامج دبي للوسيط العقاري يستقطب أكثر من 1000 مواطن و25 شراكة استراتيجية مع القطاع الخاص

السيد العادلي • مروان بن غليطة: فخورون بهذا الإقبال من الكوادر الوطنيّة والشركات العقاريّة ونتطلّع …