المراقب : وحدة الدراسات
هل بدأت واشنطن تستعد بالفعل لمواجهة سيل الهجمات السيبرانية في زمن الإنتخابات الرئاسية ؟
يبدو أن ذلك كذلك، سيما بعد أن أذاعت شبكة ABC NEWS بعض من محتويات وثيقة أعدتها وزارة الأمن الداخلي الأميركية عن المخاوف التي تترقب أميركا بشأن الأنشطة السيبرانية التي يمكنها أن تهدد شرعية الإنتخابات الرئاسية القادمة.
ما الذي تشير إليه هذه الوثيقة ؟
مؤكد أنها ” تلوح إلى أن الخطر القادم ، يشير إلى ما هو ابعد من الأمن في مراكز الإقتراع المحلية”. بدءا من محاولات ” تخويف العاملين في الإنتخابات أو مسؤولي الإنتخابات”، إلى الهجمات السيبرانية المحتملة على ” البنية التحتية الإنتخابية أو الحملات أو المرشحين أو المسؤولين العموميين أو المنظمات السياسية “، إلى تاثير الأجانب، والعمليات ” المصممة لتقويض المؤسسات الديمقراطية ، وتوجيه السياسة ، وللتاثير على الرأي العام أو زرع الإنقسام بين الأميركيين وبعضهم البعض”.
ووفقا للنشرة الداخلية لوزارة الأمن الأميركي الداخلية، فإن المخاوف من هجمات روسيا السيبرانية هذه المرة ، تتجاوز فكرة المعلومات المؤدلجة ذات المسحة السياسية والحزبية ، إلى حيز التحفيز على العنف المتبادل ، وفي الوثيقة أنه ” قد تصبح الجهات التهديدية العازمة على إيذاء الأميركيين من خلال استخدام العنف، أكثر عدوانية مع إقتراب يوم الإنتخابات، وقد تسعى إلى الإنخراط في أعمال عنف أو التحريض عليها في مواقع الإقتراع أو المرافق الحكومية أو الإجتماعات العامة أو مواقع صناديق الإقتراع أو مواقع البائعين في القطاع الخاص ، التي تدعم الإنتخابات”.
هل هناك مخاوف أميركية داخلية حقيقية هذه المرة؟
حكما هذا ما يقطع به ” جون كوهين “، رئيس الغستخبارات السابق في وزارة الأمن الداخلي ، والذي يعتبر أميركا تتجه نحو عاصفة شديدة الخطوره .
كوهين يضيف :” لا ترجع التههديدات فقط إلى حقيقة أن جهات التهديد الأجنبية والمحلية ، ستسعى إلى استغلال هذه الإنتخابات لتحقيق أهدافها الإيديولوجية والجيوسياسية، بل يمكننا أيضا أن نتوقع أن يصبح الخطاب السياسي المرتبط بهذه الإنتخابات أكثر إستقطابا وأكثر غضبا وأكثر إثارة للإنقسام “.
أما إليزابيث نيومان ، التي كانت مساعدة وزير الأمن الداخلي خلال السنوات الأولى من رئاسة ترامب ، فترى أن” هناك وابلا من التهديدات القادمة من مكونات متعددة البنية التحتية للإنتخابات، وأنها ليست مجرد آلة تصوير ، بل هناك أجزاء متعددة تثير قلقك “.
في أوائل ديسمبر كانون أول المنصرم، نشرت السلطات القضائية الأميركية، لائحة إتهامات محكمة في سان فرانسيسكو بحق مواطنين روسيين، بدعوى الإقدام على “حملة قرصنة للشبكات المعلوماتية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي وفي أوكرانيا ، لمصلحة الحكومة الروسية .
وزارة العدل الأميركية من جهتها قالت أن المتهمين قد يكونوا في روسيا ، وهم متهمون بالإقدام على ” حملة قرصنة للشبكات المعلوماتية في الولايات المتحدة ، أستهدفت موظفين حاليين وسابقين في مجتمع الإستخبارات ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ، ومقاولين في مجال الدفاع وبنية تحتية لوزارة الطاقة، على الأقل بين تشرين أول أكتوبر 2016 ، وتشرين الأول أكتوبر 2022″.
هنا السؤال المثير :” هل تخطط موسكو من جعل إنتخابات الرئاسة التي يسعى فيها جو بايدن لإعادة إنتخابه، فرصة طيبة للإيقاع لا بالرجل ، ولا بحزبه فقط، بل بعموم الجمهورية الأميركية ؟
بحسب المحلل السياسي الروسي المعروف “ديمتري بريجع “، تعد العلاقات مع روسيا من الملفات الحساسة التي تلقي بظلالها على الإنتخابات الأميركية .
بريجع يقدم لنا رؤية تحليلة مثيرة، لا تبدو فيها موسكو مهمومة من الإنتقام من بايدن فحسب، بل إن إحتمالات فوز ترامب بولاية رئاسية جديدة، أمر يقلق موسكو ويكاد يعتبر تحد للسياسات الروسية ، ذلك أن ترامب برغم الجدل بشأنه ، وإنقسام الراي من حوله، كان له تاثير كبير على الساحة الدولية بسبب سياسته غير التقليدية، التي كانت في بعض الأحيان تتعارض مع مصالح روسيا .
لكن بريجع نفسه يقطع بأن سياسات ترامب كانت في كل الأحوال أفضل من سياسات بايدن،وكذا الديمقراطيين، ويعد ترامب شخصية قوية في العالم السياسي والتجاري ، وهذا ما يجذب الروس لدعمه، على الرغم من الإعتبارات السياسية الأخرى.
يقر المحلل الروسي بأنه بصورة عامة، يتجه الروس لدعم المرشح الذي تظهر لديه قوة وقدرة على التعامل مع القضايا الدولية بحزم وبذكاء ….هل يمكن للقارئ هنا أن يتفهم الخيار الروسي هذه المرة؟
المؤكد جدا أنه حال إستمرار النزال الإنتخابي بين بايدن وترامب، فإنه من دون أدنى شك، سوف يضحى ترامب هوالخيار الروسي الأفضل، الأمر الذي قد يعني بشكل من الأشكال إمكانية تفعيل الدعم السيبراني الروسي لصالحه هذه المرةن سيما أنه الرجل الذي يتحدث عن حتمية وقف الصراع الدامي في أوكرانيا، ومع حفظ كاف لماء الوجه الروسي، وهو الذي لا ينفك يرى في بوتين رئيسا قويا وفاعلا ، ويكاد يحمل الديمقراطيين أعباء الأزمات المتصاعدة من موسكو إلى واشنطن والعكس .
ولعله من الثابت كذلك ، أن الدوافع وراء تفضيل الروس لترامب، قدرته على تعزيز العلاقات الجيوسياسية والإقتصادية ، وتقليل التوترات الثنائية ، واستغلال الفجوات والإنقسامات السياسية الأميركية لصالح روسيا .
لا تتوقف قصة الهجمات السيبرانية على الولايات المتحدة عند هذا الحد، ذلك أن هناك منافس إيديولوجي أخر رابض خلف الباب ، مشتهيا التسيد على العم سام …ماذا عن هذا وصولاته وجولاته في الحل والترحال ؟
إلى قراءة قادمة بإذن الله .