المراقب : وحدة الدراسات
في منتصف نوفمبر تشرين الثاني المنصرم، تناول موقع ” كونتر بنش ” الأميركي الشهير ، أوضاع المشهد الأميركي في إفريقيا، لاسيما من ناحية الحرب على الإرهاب ، وكيف تضاعف آلاف المرات وبشكل مرعب خلال العقدين الماضيين.
يشير المقال إلى أنه حين شرعت الولايات المتحدة في ” حربها الأبدية ” على الإرهاب، في الفترة ما بين عامي 2002 و2003، مدفوعة بهستيريا الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، أحصت وزارة الخارجية الأميركية 9 هجمات إرهابية فقط في إفريقيا . وبالمقارنة مع 2023، فقد نفذت الجماعات المتشددة في القارة السمراء ، وفقا للبنتاغون 6756 هجوما ، وبعبارة أخرى ، منذ أن كثفت الولايات المتحدة عملياتها لمكافحة الإرهاب في إفريقيا ، أرتفع منسوب الإرهاب بعشرات الآلاف من المرات.
هل كانت حرب واشنطن على الإرهاب في إفريقيا ، عنصرا جاذبا لكافة الجماعة الأصولية المتشددة التي الكارهة والرافضة بل المناوئة عسكريا للوجود الأميركي حول العالم ؟
الثابت أنه منذ العام 2000 سنت الولايات المتحدة خطة موازية لدعم وتدريب القوات الإفريقية من مالي في الغرب إلى الصومال في الشرق ، عطفا على إنشاء قوات تقاتل إلى جانب ” الكوماندوز”، الأميركي ، وتنفيذ مهمة إنشاء الجيش الأميركي شبكة من المواقع الأمامية عبر الأقلاليم الشمالية من القارة السمراء ، بما في ذلك قواعد كبيرة للطائرات دون طيار ، أهمها معسكر ” ليمونير”، في دولة جيبوتي ، إلى القاعدة الجوية في أغادير في النيجر ، إضافة إلى إنتشار مرافق ووحدات صغيرة من قوات العمليات الخاصة في ليبيا وجنوب السودان وحتى وسط القارة.
لما يقرب من عقد من الزمن ، ظلت حروب واشنطن في إفريقيا طي الكتمان بشكل كبير، إلى أن أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ، عن قرار إرسال قوات عسكرية أميركية إلى ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي الشاسع ، الأمر الذي تسبب في حالة من الفوضى التي يصعب التعافي منها، وقد كانت ضحيتها السفير الأميركي في ليبيا نفسع في ذلك الوقت، كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين أخرين معه في سبتمبر 2012.
إخفاقات عسكرية وفشل دبلوماسي
تكاد البيانات الصادرة عن وزارة الدفاع الأميركية أن تخبرنا بأن هناك في جماعة الجنرالات ومنذ زمن بوش الأبن، من لا يوافق طولا وعرضا، شكلا وموضوعا، على التوجه الأميركي لمحاربة الإرهاب على هذا النحو المثير للقلق، والمكلف جدا لا سيما على صعيد مربعات النفوذ الأميركية التي تفرغها واشنطن لصالح قوى أخرى، ربما منها ما هو إيديولوجي كما الحال مع إيران .
حكما تقودنا معلومات العسكرية الأميركية إلى القطع بأن الجيوش التي دربتها الولايات المتحدة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، لم تتمكن من وقف تعديات الجماعات الإرهابية على السكان الآمنين، وخلال عامي 2002 و 2003، قتلت هذه الجماعات 23 ضحية في عموم إفريقيا، بالمقارنةمع 2023، حيث تظهر تقارير البنتاغون عن مقتل 9818 شخصا ، في منطقة الساحل الإفريقي وحدها ، بزيادة مهولة قدرها 42.500%.
ولعله من الواضح أن أخطاء شركاء أميركا في إفريقيا، تكاد تقترب من حد الخطايا، فقد أرتكب العديد من منهم في تلك المنطقة وخلال حملاتهم لمكافحة الإرهاب ، فظائع جسيمة وعمليات قتل خارج نطاق القضاء .
خذ إليك على سبيل المثال إعتراف زعيم سياسي بارز في بوركينا فاسو ، بأن قوات الأمن في بلاده تنفذ عمليات إعدام “هادفة “، وعنها قال ذات مرة :” نحن نفعل ذلك ، لكننا لا نصرخ من فوق أسطح المنازل “، مشيرا إلى أن عمليات القتل هذه كانت سرية وأعتبرها جيدة لمعنويات الجيش .
أما عن الفشل السياسي ، فقد كان له قصة أخرى أكثر مأساوية، إذ لم يحقق الحكام الذين توجههم الولايات المتحدة في تلك المنطقة سوى نوع واحد من “النجاح”، الواضح ، وهو الإطاحة بالحكام الذين دربتهم الولايات المتحدة لحماية تلك البلدان لا للإنقلاب على شرعيتها ، وقد شارك ما لا يقل عن 15 ضابطا في 12 إنقلاب عسكري في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الكبرى خلال عقدي الحرب على الإرهاب .
وتشمل قائمة الإنقلابات دول بوركينا فاسو في عامي 2014 و 2015، ومرتين في عام 2022، وتشاد عام 2021، وعغامبيا في عام 2014، وغينيا في 2021 ، ومالي في أعوام 2012، و2020 و 2021، وموريتنانيا عام 2008 ، والنيجر عام 2023.
هنا يبدو وكأن أميركا تختار عناصر عسكرية تنقلب عليها ولا تحقق أهدافها ، ومع ذلك تواصل واشنطن تزويد هذه الأنظمة بدعم مكافحة الإرهاب .
على سبيل المثال العقيد ” عاصمي غويتا “، الذي عمل مع قوات العمليات الخاصة الأميركية ، وشارك في التدريبات الأميركية، وألتحق بكلية العمليات الخاصة العسكرية في ولاية فلوريدا ، قبل أن يطيح بحكومة مالي في عام 2020، ثم تولى ” غويتا ” منصب نائب الرئيس في حكومة إنتقالية ( مكلفة رسميا بإعادة الحكم المدني إلى البلاد ) ، فقط للإستيلاء على السلطة مرة أخرى في عام 2021، الأمر الذي يعتبر فشلا سياسا وأستخباريا أميركيا دفعة واحدة .
يتبدى الإخفاق الأميركي العسكري في مواجهة الإرهاب والأصولية على الأراضي الإفريقية من خلال التحذير الذي صدر منتصف فبراير شباط الماضي من جانب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ، فلاديمير فورنكوف، من أن ” داعش “، يشكل تهدديا متزايدا وسط عدم الإستقرار السياسي في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل ، وأنه لا يزال عازما على تنفيذ هجمات في الخارج، بالإضافة على تزايد نشاطاته في الشرق الأوسط، رغم التقدم المطرد الذي أحرزه المجتمع الدولي في الحد من القدرات العملياتية لهذا التنظيم .
هنا يبدو الحصاد الأميركي كارثيا ، إذ تؤكد النتائج التي توصل إليها مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بأن التنظيم ” لا يزال يشكل تهديدا كبيرا للسلم والأمن الدوليين، خاصة في مناطق الصراع،رغم التقدم الكبير الذي أحرزته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في مواجهة هذا التهديد، ولاحظ أن التنظيم زاد أيضا عملياته في معاقله السابقة في العراق وسوريا وكذلك في جنوب شرق آسيا .
أما عن غرب إفريقيا ، فقال فورنكوف ، إن الوضع هناك وفي منطقة الساحل ، وهي منطقة واسعة تمتد عبر القارة ، تدهور وصار أكثر تعقيدا ، حيث تتقاطع النزاعات العرقية والإقليمية المحلية مع أجندات وعمليات الجماعات المتطرفة ، وفت إلى أن الجماعات التابعة لداعش واصلت العمل بإستقلالية متزايدة عن تنظيم داعش الأساسي ، ومحذرا من أنه إذا أستمر هذا الإتجاه فهناك خطر من ظهور منطقة واسعة من عدم الإستقرار من مالي إلى حدود نيجيريا ، وأكد أن مكافحة تهديد الإرهاب في إفريقيا تظل أولوية بالنسبة لمكتبه .
هنا لا يبدو أننا نذيع سرا ، إن قلنا أن مقاتلي الجماعات المتطرفة يستغلون عدم الإستقرار السياسي في دول القارة الإفريقية ويوسعون دائرة نفوذهم وعملياتهم وسيطرتهم الإقليمية في منطقة الساحل ، مع تزاد المخاوف بشأن غرب إفريقيا الساحلي”.
أما الحقيقة التي لم يعد من الممكن إنكارها، فهي أن القارة الإفريقية تمثل الآن زهاء نصف الأعمال الإرهابية في كل أنحاء العالم ، حيث يمثل وسط الساحل نحو 25 % من هذه الهجمات .