ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتي دار موضوعها حول “الحج شعيرة لتجديد العهد مع الله سبحانه وتعالى”
قال فضيلة الدكتور عبد الفتاح العواري، إن الحج من أهم شعائر الإسلام وأقدسها، فهو رحلة إيمانية يقطعها المسلمون من مختلف بقاع الأرض إلى بيت الله الحرام، تجديًدًا للعهد مع الله سبحانه وتعالى، وتمثل شعيرة الحج تجسيدًا للوحدة والمساواة بين المسلمين، حيث يجتمعون جميعًا مرتدين ملابس بيضاء يقفون على صعيد وأحد يدعون الله سبحانه وتعالى بنفس الطريقة ويتشاركون نفس المشاعر، كما يعد الحج رحلة لتطهير النفس من الذنوب والخطايا، بالإضافة إلى كونه فرصة للمسلمين للدعاء والتضرع طلبا للمغفرة والرحمة، ففي أيام الحج يستحب الدعاء وبخاصة في يوم عرفة الذي قال عنه نبينا صلى الله عليه وسلم ” ما من يومٍ أفضلَ عند اللهِ من يومِ عرفةَ”.
وأوضح خطيب الجامع الأزهر، إن المسلمين يشعرون بشوق عميق إلى مكة، ما تحمله من دلائل على الخير والبركة الوفيرة، لذلك، أمر الله تعالى الناس بالحج، ودعاهم إلى التوجه إلى هذا المكان المقدس، من كل أنحاء الأرض “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”، ليكرمهم ويمنحهم فرصة عظيمة لتجديد عهدهم معه سبحانه وتعالى، وتطهير أنفسهم من شوائب الحياة والتخلص من كل ما يثقل كاهلهم من هموم الدنيا، وبذلك يصبح الحج رحلة إيمانية عميقة تقرب المسلم من ربه وتزكي نفسه، وتعيده إلى الفطرة السليمة ليعود إلى حياته بعد الحج أنسانا جديا،
وأضاف خطيب الجامع الأزهر، إن الله سبحانه وتعالى فرض الشعائر الدينية لتكون سبيل الخلق في التواصل مع ربهم، لأن في أداء الشعائر على الوجه الذي أراده سبحانه وتعالى دليل وفاء وشكر من العبد لخالقه على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، ومن حظي بشرف كتابة الحج له، فعليه أن يتسلح بعزم صادق لتجديد عهده مع الله تعالى، وأن يقرر الإقلاع عن جميع الذنوب، مهما كانت صغيرة. فالحج يمحى ما قبله من الذنوب، شريطة التوبة النصوح والعزم الأكيد على عدم العودة إلى المعصية، ليعود بصحيفته بيضاء نقية، وأما من لم يكتب له الحج فعيله أن يستشعر روحانياته ويستحضر أجواء هذه الرحلة، ففي شعوره بقدسية هذه الرحلة يتصل قلبه بره سبحانه وتعالى، إن تجديد العهد لا يقتصر فقط على أداء الشعيرة بجسده، بل يشمل كل عمل صالح يقرب العبد من ربه، فإن فعل ذلك فقد جدد العهد مع ربه. والمجددون للعهد مع الله تمحي خطاياهم، وتغفر ذنوبهم، وتعلو درجاتهم.
وحذر الخطيب الجامع الازهر، من التهاون والتقاعس في اغتنام شعائر الله سبحانه وتعالى، لأنها تربي المسلم على منهجية تجعل منه عضوًا نافعًا لدينه ولمجتمعه، وهو ما يفسر المكانة التي وصلت إليها الدولة الإسلامية في أول عهدها من حضارة ورقي وتقدم، بفضل تمسكهم بشعائر الله ووفائهم لعهدهم مع ربهم، كما أن الشعائر الدينية على وجها هي من أوجه فخر المسلم في الدنيا والأخرة، ويمتدح بها العبد، نظر لأنها صلة العباد بربهم في الدنيا ووسيلة تقربهم منه في الأخرة.
وشدد خطيب الجامع الأزهر، على أنه حري بالأمة أن تنتبه لكل محاولات الطعن في ثوابت الدين وأصوله، لان الطعن في الدين والتشكيك في أصوله أمر ممقوت لا يرضى عنه الله سبحانه وتعالى ولا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لأن قوة الأمة الإسلامية في تمسكها بدينها، وما شهدته الحضارة الإنسانية من حضارة كان لها فضل عظيم هي الحضارة الإسلامية، كان ذلك بسبب تمسك أصحاب هذه الحضارة بدينهم الذي جاء بجملة من الضوابط تحقق سعادة الإنسان في الدنيا والأخرة، وعلينا جميعا أن نقف في وجه كل هذه المحاولات كل حسب موقعه، لأن الأمة لا تملك أغلى من دينها لتدافع عنه وتقف في وجه كل من يحاول المساس به أو التشكيك في ثوابته.