المراقب : قسم الدراسات
هل يعتير فرسان الهيكل من بين الجماعات الخفية التي تحكم العالم من وراء الستار ؟
خلف فرسان الهيكل في زمانهم الغابر كتيب يعرف ب” قاعدة فرسان الهيكل “، وهو شبه مدونة مفصلة تحكم السلوك اليومي لحياة الفارس منهم، فقد كان لزاما عليهم أن يعيشوا عيشة متقشفة ، لا يتناولون اللحوم إلا مرات قليلة شهريا، بإستثناء الأعياد، بإعتبار أن اللحوم تفسد الجسد .
كان الفراء والملابس الفاخرة محظورين، وكذلك كان الأمر بالنسبة للأحذية المدببة وأربطة الأحذية ، لأن ” هذه الأشياء البغيضة تنتمي إلى الوثنيين”، في تقديرهم .
بطبيعة الحال كانت العفة أمرا لابد منه، إذ كان يحظر على فرسان الهيكل تقبيل أي أمراة ، حتى أمهاتهم ، وحال إنهتاك القواعد ، كان الفارس منهم يتعرض إلى عقاب صارم كالضرب أو النفي من الجماعة، أو عقوبات تحقيرية كتناول وجبات الطعام على الأرض .
على أن المثير في المشهد رغم هذه العيشة البسيطة، أنهم كانوا فرسان أشداء، ومقاتلين محترفين، فخلال الحروب الصليبية، كانت بعض قوات المسيحيين عبارة عن جيوش مبعثرة ذات تدريب ضئيل ، لكن الأمر لم يكن على هذا النحو بالنسبة لفرسان الهيكل .
كانت جماعة فرسان الهيكل مدربة تدريبا عسكريا عاليا ، واصبحوا معروفين بقدراتهم على خوض المعارك والقتال بشراية ، وقد عملوا كقوة متقدمة في عدد من معارك الحروب الصليبية ، بما في ذلك معركة ” مونتجيسارد ” أو ” تل الجزر”، ودارت بين الأيوبيين ومملكة القدس في 1177، وذلك عندما ساعدوا قوات ميحية تفوق عددهم بشكل كبير في هزيمة جيش صلاح الدين ، وربما كان جزء من هذه الشراسة نابعا من التدين، الذي سمح لهم برؤية كسر عهودهم كمصير أسوا من الموت ، كما كانت ” قاعدتهم “، تدعوهم إلى عدم التراجع أو الإستسلام أو الهجوم دون أمر بذلك، وهي سمات ممتازة لاي جيش يحتاج إلى البقاء منضبطا.
ومن بين السمات المهمة التي ميزت فرسان الهيكل، عن غيرهم من قوات الصليبيين، أنهم كانوا من التثقيف الدنيوي والترفع الروحي، ما جعل منهم مفكرين إستراتيجيين ، بالإضافة إلى كونهم مقاتلين متحمسين .
كان الفرسان ينصحون غيرهم من قوات الصليبيين بعدم القيام بأي فعل متهور ، كالدخول في معارك غير مخطط لها بشكل جيد،.
أما الأمر الأكثر إثارة في تاريخهم، فيتعلق بأنهم كانوا على علاقة ودية مع العرب المحيطين بهم ، سيما أنهم كانوا يقدمون لهم خدمات طبية مجانية، وكثيرا ما شرحوا للعرب من حولهم أن فكرة الحرب فكرة رديئة لكنهم أجبروا عليها .
هنا تقول ” جيلمور برايسون “، المؤرخة بجامعة ملبورن في أستراليا ” كان دورهم مهم للغاية في توجيه الجنود القادمين من أوروبا للتو، ومحاولة تهذيب أفكارهم العسكرية ، وبطبيعة الحال، لم يجعل هذا فرسان الهيكل مساملين بأي شكل من الأشكال ، فقد أرادوا فقط بناء جيوش أكبر حتى يتمكنوا من سحق القوات الإسلامية بفعالية “.
على أن أحد الأسئلة المثارة دوما وأبدا:” كيف كانت علاقة فرسان الهيكل بالبابا والبابوية ؟
تبدو علاقة فرسان الهيكل بالبابوية ملتبسة كثيرا جدا، ذلك أنها حين نشأت على يد الفارس الفرنسي المدعو ” هيوغز دي باينز”، وبدعم من ” بلدوين الثاني “، حاكم القدس ، واجهوا أنتقادات واسعة من بعض الزعماء الدينيين. غير أنه وفي عام 1129، حصلت جماعة فرسان الهيكل على التأييد الرسمي من البابوية ، ودعم مطلق من المصلح البنيدكتي ” برنارد دي كلايرفو “، والذي قام بتأليف نص يمجد فرسان الهيكل ويعزز نموهم ، وقد أطلق عليه ” في مدح الفروسية الجديدة”.
ولعل البعض يتساءل عن السبب الحقيقي وراء الثراء الفاحش الذي عرف به أعضاء هذا التنظيم ؟
يبدو وراء ذلك أنه في عام 1139 ، أصدر البابا أنوسنت الثالث مرسوما بابويا منح فرسان الهيكل حقوقا خاصة ، ومن بين هذه الحقوق إعفاء فرسان الهيكل من دفع الضرائب ، وسمح لهم ببناء مصلى خاص بهم ولم يخضعوا لسلطة أحد سوى البابا نفسه .
كان فرسان الهيكل يعقدون جميع مداولاتهم وتصويتاتهم في سرية تامة، وعندما كانوا يقاتلون المسلمين ويحمون الحجاج ، لم تكن هذه القضية تشكل مشكلة ، ولكن عندما أنتهت الحروب الصليبية واستعاد المسلمون بشكل منهجي أراضي الأرض المقدسة وتفاوضوا على معاهدات لتوفير ممر آمن للحجاج المسيحيين، بدأ فرسان الهيكل يفقدون سبب وجودهم هناك.
أخيرا حين أستولى الشرقيون على عكا سنة 1291، أنتهت الحملات الصليبية على الأرض المقدسة فعليا ، مما أدى لاحقا إلى ما يمكن تسميته الفصل الأخير من تاريخ فرسان الهيكل.
كان تداخل السياسة والدين، عاملان مهمان للغاية في الأزمات التي ستتراكم فوق رأس الفرسان، مع عقد المشهد وبقوة مع البابوية، والتي ستقدم على ما لم يكن من الممكن تصوره من قبل..ترانا عما نتكلم ؟
لعله من الطبيعي القول، أنه دائما وراء ستار الدين ترتكب الكثير من الموبقات والخطايا، وهذا ما طال فرسان الهيكل، ولأنهم كانوا من الأثرياء حقا،فقد تركوا وراءهم في دولهم الأوروبية المختلفة، ثروات كبيرة وعقارات واسعة، باتت تدر عليهم أموالا طائلة ، ووجد فريق يدير تلك الأموال ببراعة.
أنشا فرسان الهيكل شبكة مزدهرة من البنوك ، وأكتسبوا نفوذا ماليا هائلا ، وسمح نظامهم المصرفي للحجاج الدينيين بغيداع الأصول في بلدانهم الأصلية، وسحب الأموال في الأاراضي المقدسة .
ومع نمو حجم فرسان الهيكل ومكانتهم ، قاموا بتأسيس فروع جديدة في جميع أنحاء أوروبا الغربية ، وفي ذروة نفوذهم
، أمتلك فرسان الهيكل أسطولا كبيرا من السفن، وأمتلكوا جزيرة قبرص في البحر المتوسط ، وعملوا كبنك أساسي ومؤسسة إقراض للملوك والنبلاء الأوروبيين.
وعطفا على إعفاءهم من الضرائب من قبل البابا
أنوسنت الثالث “، جمع فرسان الهيكل التبرعات من جميع أنحاء أوروبا . أعطاهم الملوك والملكات عقارات ضخمة ، فعلى سبيل المثال، ترك لهم ” ألفونسو الأول “، من أراغون ثلث مملكته في وصيته ، كما قدم الأشخاص العاديون تبرعات في وصاياهم، مما ترك للفرسان قطعا صغيرة من الأرض تتراكم .
أنتهى الأمر بالفرسان إلى أمتلاك القلاع والمزارع وأسطول كامل من السفن، بالإضافة إلى جزيرة قبرص بأكملها، ومن الواضح أنهم لم يتمسكوا بهذه الممتلكات فحسب، بل استخدموها لتوليد المزيد من الثروة ، وتجارة المحاصيل والصوف والنبيذ في جميع أنحاء أوروبا ، عطفا على تأجير الأراضي للمستأجرين .
هل يمكن القول أن فرسان الهيكل ، هم أول من أنشأ نظاما مصرفيا منذ 800 عام خلت ؟
هذا وارد وبقوة ، سيما أن الغرض الرئيس لهم هو حماية الحجاج المسافرين إلى القدس، وقد كانوا على دراية تامة بالخطر الذي يشكله اللصوص في الرحلة الطويلة ، لذا فقد أنشأوا نظاما للمساعدة ، كان بإمكان المسافرين إيداع النقود في كنيسة المعبد في لندن، والحصول على خطاب إئتمان يمكنهم من إستردادها في القدس، كما قدموا العديد من الخدمات المالية الأخرى للملوك والنخب .
في القرن الثالث عشر ، حصلوا على جواهر التاج الإنجليزي كضمان لقرض ، وعندما أراد الملك هنري الثامن شراء جزيرة أوليرون، لم تكتف المنظمة بوساطة الصفقة فحسب، بل جمعت أيضا أقساطا من الملك، كما أستخدمت وزارة الخزانة الفرنسية فرسان الهيكل كنوع من المقاولين من الباطن للعديد من الوظائف.
هنا يبدو التساؤل المطروح منطقيا، هل كان ولابد من أن يخاف بعضهم، سواء من الإكليروس، أي رجال الدين ، أو من العلمانيين، أي المدنيين، من السطوة والقوة اللتان باتا التنظيم يمتلكهما ، ومزجه بين القوة العسكرية والقوة المالية ؟ وهل كان هذا الخوف بالفعل كافيا لينهي الأسطورة الخاصة بفرسان الهيكل مرة وإلى الأبد، أم أنها لا تزال قائمة متخفية ضمن العديد من المؤسسات السرية ، كالمتنورين والماسونيين، وبقية الأخويات المثيرة للحذر في التعاطي معها، وبخاصة في ظل المرويات التي تمتلك نوعا من الحقيقة بدرجة أو بأخرى ؟
إلى قراءة أخرى لاحقا.