كايسيد والمرأة..من ضيق الإيديولوجيا إلى رحابة الإبستمولوجيا

إميل أمين

وسط عالم يموج بالتغيرات الجغرافية والديموغرافية، ويعاني من حالة سيولة جيواستراتيجية، يلفت الإنتباه بقاء العديد من القضايا الأنثروبولوجية، فيموقعها وموضعها، وكأنها تأبى أن تتحرك صعودا إلى الأمام، مغادرة حالة السكون الإجتماعي الكبير والخطير الذي درجت عليه لمئات الأعوام التي خلت .
هل قضية المساواة بين الجنسين، في طليعة تلك القضايا الجندرية التي تشغل بال المشتغلين بالعلوم الإنسانية عاكة والإجتماعية خاصة؟
المؤكد أن ذلك كذلك، وبخاصة حين يتحدث الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش عن الحاجة إلى قرابة ثلاثمائة عام، من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين على كافة الصعد المجتمعية .
تبدو حقيقة تراجع المرأة عن شغل الصفوف المتقدمة، وفيما يختص بالكثير من القضايا الحياتية الخلاقة، لا سيما السلام والحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ومن أسف مؤكدة، إلا ما رحم ربك، ويتمثل في مؤسسات دولية لها حيثيتها، وقد باتت تؤمن إيمانا راسخا، بأن المرأة جزءا لا يتجزا من أي حراك إنسانوي، يسعى لترقية الأمم ونهضة الشعوب .
يحتل مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” كايسيد” مكانة متقدمة جدا وسط تلك المؤسسات، وهو الأمر الذي تبدى واضحا خلال منتدى كايسيد للحوار العالمي ، الذي أنعقد في العاصمة البرتغالية لشبونة، في مايو أيار المنصرم، حيث شهد القاصي والداني على مقدار الدعم المقدم من كايسيد للقيادات النسائية والتصميم على إتاحة الفرصة لهن في أدوار القيادة والريادة .
أدركت قيادة كايسيد ومنذ الإنطلاقة، أن هناك تحديات إجتماعية وسياسية ، إقتصادية وإجتماعية ، تجابه المرأة على مستوى العالم ، كما أن القولبة النمطية للمرأة وقصرها على أدوارها الجنسانية المبنية على تقاليد إجتماعية، تظل السبب في محدودية مشاركة المرأة .
عطفا على ذلك، فإن قضية سوء تفسير العديد من النصوص الدينية، كثيرا ما يسهم في إقصاء المرأة من دائرة أنشطة السلام وحل الصراعات .
عطفا على ذلك يؤمن كايسيد بأن مشاركة المرأة أمر يعد بمثابة فرصة ذهبية لإدماج منظور جنساني في مبادرات بناء السلام لجعلها أكثر شمولا واستدامة.
يعتبر الأمين العام لكايسيد الدكتور زهير الحارثي، أنه من الأهمية بمكان الإعتراف بإسهامات النساء في واقع كايسيد المعاصر ، والدور الذي يلعبه العنصر النسائي في محاولة تغيير العالم .
في اليوم العالمي للمرأة في مارس/آذار المنصرم، حث الحارثي المجتمع الدولي على تكريم القوى العاملة النسائية وتمكينها، وأشار إلى ضرورة الإستثمار في كينونة المرأة وقدراتها وتمكينها كخطوة اساسية نحو تسريع التقدم في بناء المجتمعات العصرانية السوية ، من خلال أجنحة نشر السلام ، وشيوع الوئام من جهة ، وتجذير حالة الحوار المجتمعي بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة .
يبدو إلتزام كايسيد على صعيد تيسير حضور المرأة بوصفها نصف المجتمع، بل الحاضنة الأولى لكل رجل ، التزاما اصيلا، وهو ما تمارسه بالافعال لا بالاقوال فحسب .
وفيما يؤكد كايسيد على تفانيه في خلق بيئة لا تزدهر فيها المرأة فحسب، بل تقود المسيرة نحو تعزيز التواصل المجتمعي ، تظهر الأرقام هذا الإلتزام .
على سبيل المثال، فإن نسبة النساء من الموظفين في كايسيد تصل إلى 50% من أعضاء المؤسسة الدائمين ، عبر 23 جنسية من دول العالم .
تمكين المرأة بالنسبة لكايسيد، يعني طغيان الأمان والتفاؤل والسلام والفرح والحب ، ولهذا فإنه من بين أنشطة كايسيد وبرامجها المتعددة ، هناك ندوات تركز خصيصا على القوى العاملة في بلدان مختلفة ، ولهذا أصبح كايسيد وكأنه لوحة فسيفساء كوزموبولتينية ، نابضة بالتنوع والمساواة والجهود المبذولة من أجل الإرتقاء بالمرأة إلى المناصب العليا ، ومواضع صنع القرار ، وهي أولوية مستمرة لتحقيق التمثيل المتوازن بوصفه حجر الزاوية في مسيرة التمكين.
تظهر التفاصيل الدقيقة كيف أهتم كايسيد بدور المرأة في قارة إفريقيا، فبفضل منتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام في نيجيريا ، يكفل كايسيد الدور القيادي للمرأة في جهود بناء السلام مع تخصيص 40% من الأدوار القيادية للمرأة.
وفي المنطقة العربية أدت مبادرات مثل” هي للحوار ” وزمالة الصحافة للحوار ، إلى تمكين المرأة في مجال الحوار بين أتباع الأديان والصحافة على التوالي .
ولعل أوربا وآسيا لم تكونا بدورهما بعيدتين من عملية دعم المرأة في بناء السلام ، وضمان تمثيل كبير للمرأة في برنامج سفراء المجلس الإسلامي اليهودي ( MJLC).
حرض كايسيد عبر ما عرف بسلسلة الندوات الإلكترونية ” الأصوات النسائبة “، على إعلاء أصوات النساء في جميع القطاعات من العلم والتقنية، إلى الدبلوماسية وبناء السلام ، ولا تسلط هذه المبادرة الضوء على إسهامات المرأة فحسب، بل إنها تعزز أيضا محادثة عالمية بشأن دورها المحوري في المجتمع .
ومن بين أهم القناعات التي يرتكز إليها كايسيد في رؤاه المستقبلية، هو أنه ” لا سلام عالمي من دون المرأة”.
فمن المفهوم على نطاق واسع أن الصراع العنيف يؤثر تاثيرا غير متناسب في النساء والفتيات، وذلك من حيث سلامتهن الشخصية ، ومن حيث التمييز وعدم المساواة اللذين يواجهنهما، وعندما تشارم المرأة في مفاوضات ما بعد الصراع ، فإنه يقل الإعتراف بدورها الحيوي الذي تضطلع به في عمليات بناء السلام، وبإسهامها الحاسم في تحقيق الإستقرار الدائم .
لم يعد سرا القول أن النساء يقدن العديد من المبادرات والمشروعات الدينية والثقافية ، التنموية والنهضوية، لا سيما في الأماكن النامية على صعيد الوعي الذهني ، وقبل المادي ، ومن هنا يدرك قادة كايسيد أنها قادرة على التاثير تاثيرا إيجابيا من إتجاهات عديدة وعلى مستويات متباينة في النساء الأخريات حول العالم .
إن الإستثمار في المرأة بالنسبة لكايسيد ، هو ربح مجتمعي عالمي ، ومن هنا تبذل الجهود وتنطلق القاطرة يوما تلو الأخر ، بهدف التمكين والشمول ، وتظل رؤى كايسيد منارة للأمل ، وبرامج للعمل ، من أجل مستقبل بشري أكثر رحابة ، يخرج بنا من ضييق الإيديولوجيات إلى رحابة الإبستمولوجيات وتنوع الميثودولجيات .

 

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

الجود الخيرية توزع 2 طن لحوم و10 آلاف قطعة ملابس بمركز قوص في قنا

 كتب: محمد الطوخي  قامت مؤسسة الجود الخيرية بتوزيع 2 طن من اللحوم و10 آلاف قطعة …