وحدة الدراسات
قبل بضعة أيام نشرت مجلة بوليتيكو الأميركية تقريرا مطولا ، حمل تحذيرات مكتب التحقيقات الإتحادي FBI من أعمال إنتقامية محتملة ردا على محاولة إغتيال الرئيس السابق تركب .
حسابات مكتب التحقيقات لم تنطلق من فراغ، وإنما بناء على أحداث سابقة، خطط فيها متطرفون ونفذوا هجمات ضد معارضين سياسيين أو إيديولوجيين من قبل .
من جهة ثانية بدأت شرطة الكابيتول التحذير رسميا من أنها تعمل في بيئة مليئة بالتهديدات المتزايدة، وما يصل من رسائل للمشرعين دليل على ذلك.
عطفا على ذلك التقرير، بات من الواضح أن الولايات المتحدة قد اضحت اليوم أكثر إنقساما على أسس إيديولوجيةوسياسية من أي وقت مضى منذ خمسينات القرن التاسع عشر .
هل يعني ذلك أن الدولة الإتحادية الكبرى، تتجه ليوم حكما نحو التقسيم إلى بلدان أكثر إنغلاقا على ذاتها ، منشغلة بالإنقسامات الداخلية حول قضايا الهجرة والعرق، عدم المساواة والهوية الجنسية ، ما يتجلى بالفعل في مظاهر الإنعزالية والحمائية على حساب التحالفات الأمنية والاقتصادية التي أفادت الولايات المتحدة والعالم إلى حد كبير لعقود من الزمن؟
الجواب يمكن أن نتسنبطه من البيانات الواردة من مركز بيو الموثوق في واشنطن، حيث نجد أن 23% من الأميركيين، وهي نسبة لا يستهان بها، يؤيدون إنفصال ولاياتهم عن الإتحاد .
على سبيل المثال دعت ” ماجوري تايلور جرين”، وهي جمهورية يمينية من ولاية جورجيا ، إلى إجراء إنتخابات وطنية للفصل بين الولايات الحمراء والزرقاء .
لقد ظهر هذا الإنقسام واضحا في إنتخابات عام 2020 بين الولايات الزرقاء التي صوتت لصالح جوبايدن والولايات الحمراء التي صوتت لصالح دونالد ترمب ، حيث كان العديد من ولايات ترمب من بين الولايات التي أنفصلت عن الإتحاد في عام 1861.
تبدو روح أميركا منقسمة داخلها، إنطلاقا من قضايا مجتمعية كذلك، وليس سياسية فحسب.
فعلى سبيل المثال ، تميل الولايات التي تقف ضد الإجهاض للتصويت لصالح الجمهوريين ، وهولاء يؤازرون ترمب بقوة ، وبالقدر نفسه فإن الولايات التي تسمح بحمل السلاح، كانت في مقدمة المصوتين لترمب في الإنتخابات الماضية.
هل هذه الدعوة نحو الإنفصال ، والتي تعلو فيها الخلافات سياسيا ومجتمعيا، تنتظر بالفعل إنتخابات 2024، لتمضي في مخطط العنف المحتمل عند البعض والمتوقع جدا لدى البعض الأخر ؟
في إبريل نيسان الماضي، اصدر مركز العمل الوقائي في واشنطن تقريرا مطولا حول أوضاع العنف المحلقة بالولايات المتحدة، على هامش إنتخابات الرئاسة في نوفمبر القادم.
التقرير وعن حق مخيف، لا سيما أنه يصل التهديدات القادمة، بما كان قائما بالفعل منذ إنتخابات 2020، والمظلومية التاريخية التي يتحدث بها ترمب وملايين الجمهوريين من حوله.
قبل ثلاثة أشهر أعتبر التقرير أن السيناريو الأول والأكثر إلحاحا، هو تهديدات بالإغتيال ضد المرشحين في الحملات الإنتخابية وغيرهم من المسؤولين العموميين.
هل يمكن القطع بأن هذا السيناريو قد جرت به المقادير بالفعل في بنسلفانيا ، ومن وراءه بات الجمهوريون أكثر تحفزا للمواجهات العنيفة، وربما تكون القارعة التي لن تكون بعدها إنتخابات، حال تكرار محاولة إغتيال ترمب، ونجاح المحاولة هذه المرة؟
التقرير الذي بين يدينا يتخوف كذلك من حدوث أعمال عنف على هامش الإنتخابات الوطنية للحزبين الكبيرين، والتي يمكن أن تجتذب أفرادا أو جماعات لديها مشاعر الإنتقام ، كما قد تشكل المقار الإخبارية أيضا أهدافا محتملة نظرا للخطاب المتطرف الذي يصور وسائل الإعلام بإعتبارها ” عدو الشعب “,
عطفا على ذلك، فقد تؤدي التواريخ المرتبطة بالمشاكل القانونية للرئيس السابق ترمب أيضا إلى إثارة المتطرفين العنيفين . لقد دفعت التحديات القانونية التي يواجهها ترمب إنتخابات عام 2024، إلى منطقة غير مسبوقة ، مع إمكانية ترشح مرشح رئاسي لمنصب من قاعة المحكمة ، وربما السجن . وقد تؤدي العملية العامة والنتائج القانونية المحتملة إلى تسريع وتحفيز الهجمات العنيفة .
ولعل المتوقع عن ثقات الأميركيين من الإستشرافيين، أنه بمجرد بدء التصويت فإن السيناريو الأول والأكثر ترجيحا هو العنف في مراكز الإقتراع وضد العاملين في الإنتخابات ، أو ضد مواقع الإقتراع التي يتم تمريرها أو تسليمها ونقاط جمعها .وقد يشمل ذلك مجموعات الميليشيات المسلحة التي ” تراقب” الإنتخابات بحثا عن الإحتيال ولكنها في الواقع تخيف الناخبين.
خذ إليك ما جرى على سبيل المثال في عام 2020، فقد تجمع “حراس القسم”( بفتح القاف) في مراكز الإقتراع ، على حد تعبير مؤسس ” حراس القسم” ستيورات رودس ،” لحماية الأشخاص الذين يصوتون “. يمكن لمثل هذه التجمعات ترهيب الناخبين وتعطيل يوم الإنتخابات من خلال تثبيط الإقبال .
يمكن لمثل هذا السيناريو مدفوعا بدعوات أي مرشح إلى حمل السلاح وكذلك أصوات القاعدة الشعبية الحسابية للقضايا المحلية والثغرات وتفضيلات التصويت ، وبأفراد العاملين في مراكز الإقتراع الذين يعبرون عن آرائهم السياسية الشخصية أو يتصرفون بناء عليها . يوفر مثل هذا العنف نموذجا أقل للشركاء والخصوم في الفضاء الدولي ، نظرا لأن أنتخابات نوفمبر ستحدث بعد حدزث معظم إنتخابات عام 2024.
لا تتوقف سيناريوهات العنف عند عملية الإقتراع، ذلك أنه بمجرد اكتمال التصويت قد تتحول التهديدات ضد أولئك الذين يحسبون الأصوات . خلال أنتخابات عام 2020 تم توجيه بعض التهديدات الأكثر ضراروة ضد مسؤولي الإنتخابات في الولايات المتأرجحة . يمكن أن يلعب تسلسل فرز الصوات دورا مثل عندما يتم فرزالأصوات المبكر والبريدية والغائبة ، والتي تميل إلى الديمقراطيين ، في النهاية، مما يؤدي إلى ” سراب أحمر “، حيث يأخذ المرشحون الجمهوريون زمام المبادرة في وقت مبكر يتلاشى في إحصاء الأصوات القانوني النهائي.
في عام 2020 ، على سبيل المثال ، ألقى العملاء الفيدراليون القبض على إثنين من أنصار حركة ” كيو أنون “، منفيرجينيا ظهروا بأسلحة نارية في مركز مؤتمرات في فيلادلفيا حيث كانت الأصوات لا تزال تحصى بعد ثلاثة أيام من يوم الإنتخابات، كما يمكن أن تؤدي الدعوات السياسية إلى” وقف الفرز”، أو ” وقف السرقة”، إلى زيادة إحتمالية الإستجابة العنيفة .
ولعله من المؤكد أن نيران العنف حاضرة في الداخل الأميركي تحت الرماد، ولهذا ربما لن يجد الرئيس بايدن أمامه، سوى تطبيق ما يعرف بقانون التمرد ، غير أن الكارثة لا الحادثة ، سوف تتجلى في إعتبار الجمهوريين وأنصار ترامب، أن لجوء بايدن إلى هذا القانون التاريخي، يعني أن الديمقراطيين يسخرون البيت الأبيض وصلاحيات الرئيس لصالح فوزهم بولاية رئاسية جديدة، الأمر الذي يلهب المشهد بالكثير من العنف .