بمناسبة اليوم الدولي للأمم المتحدة لمكافحة الإسلاموفوبيا نظم المجلس الأوروبي للقيادات الإسلامية بدعم من مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” كايسيد”، إفطار بين مختلف المسؤولين من أديان مختلفة، وذلك في مقر البرلمان الأوروبي في بروكسيل.
كان من الواضح أن التجمع يهدف وخلال الشهر الفضيل ، إلى تعزز فرص اللقاء والحوار، وتوطيد العلاقات بين أعضاء البرلمان الأوروبي وصناع السياسات والقيادات الدينية، وذلك في أجواء تسودها الأخوة والتفاهم .
عطفا على ذلك أتاح اللقاء فرصة للتفاعل مع القضايا التي تهم الأقليات الدينية في مؤسسات صنع القرار الأوروبي .
والشاهد أن قضية الإسلاموفوبيا باتت اليوم تعد من القضايا ذات الاثر السيئ على التعايش المشترك في الكثير من البقاع والأصقاع حول العالم، وطوال أكثر من عقد، عمل مركز الحوار”كايسيد” على مواجهة الظاهرة، بأدوات عصرانية قادة على فهم معطيات الأحداث وتطورات المشهد الخليط ما بين السياسي والثقافي من جهة ، والروحي والإنسانوي من جانب أخر .
كان طريق كايسيد المؤكد هو المزيد من الحوار والتفاعل، لا سيما أن الناس وكما يقال أعداء ما يجهلون، وعليه فإن فتح الباب واسعا، وبخاصة أمام الشباب الصاعد، لهو أمر يعطي دفعة خاصة للتخفيف من وطأة هذه الأزمة ذات الأبعاد الإيديولوجية والدوغمائية في ذات الوقت .
والشاهد أنه ومن أسف كبير وشديد باتت هذه الصيحة أقرب لى الظاهرة في الكثير من بقاع وأصقاع الغرب، وقد وجدت رواجا من جراء بعض العمليات الارهابية التي جرت بها المقادير منذ العام 2001 وحتى الساعة، والتي تحسب على تيارات بعينهالاعلى الاسلام، والفارق كبير بين الامرين، فالفريق الاول يتحدث باسم وبلسان الاسلام زورا ، ويلتحف العقيدة كغطاء لتبرير مشروع سياسي ملتبس بتحالفات شريرة يعرفها القاصي والداني ، لا تحمل خيرا للعالم الاسلامي في الحال او الاستقبال .
فيما الاسلام كدين وعقيدة يحرم قتل النفس، ويصون الحياة، ويأمر بإطعام الطعام وإفشاء السلام، وبكل ما هو بعيد عن أطر الهاويةوالجب السحيقين اللذان تأخذنا إليهما جماعات الإسلام السياسي في طريقها .
وعلى الجانب الأخر باتت هناك أصوات زاعقة ورايات فاقعة لا هم لها سوى النوح والبكاء على ما جرى لاوربا بنوع خاص من جراء مخالطة الاسلام والمسلمين ، وليت الأمر توقف عند هذا الحد من الدرك الأسفل ، لكنه أنحدر بعمق عميق نحو ما هو أبشع وأشنع، أي الترويج لقضية أسلمة أوربا، بمعنى أن هناك من يعمل جاهدا على تحويل القارة الأوربية ذات الملامح والمعالم المسيحية واليهودية التاريخية إلى قارة إسلامية.
هذا التوجه الفكري، كان لابد له من أن يثير ثائرة القوميين المتعصبين والشوفينيين المقدمين على الهيمنة والسيطرة في أوربا مرة جديدة، بل لا نغالي أو نتجاوز الحقيقة إن قلنا أن أوربا امام إختبار مصيري مرة جديدة، إذ تقترب من جدرانها فاشية مقنعة حديثة، وتلوح على أبوابها نازية بأثواب ديمقراطية عصرانية، وكلاهما قطعا لن يكون صديق للعالم العربي أو الاسلامي.
يعن لنا في هذا الإطار الفكري أن نتساءل :” هل الإسلاموفوبيا هي ظاهرة حديثة لم نعرفها إلا السنوات القليلة المنصرمة ؟
المؤكد أن الإسلاموفوبيا ليست طرحا جديدا، فقد وجدت لها جذور منذ زمن بعيد ، ذلك أن هناك العديد من مفكري أوربا في الزمن القروسطي قد ذهبوا في تصوير الإسلام بعيدا عن حقيقته، ما أجج صدور الأوربيين تجاه العرب والمسلمين ، حدث ذلك في أوقات حروب الفرنجة كما أسماها العرب ، وربما عادت بعض من تلك الإرهاصات خلال العقدين الماضيين ،وأرتفع صوتها وعلا منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى اليوم .
ولعل الناظر إلى إستطلاع للرأي اجرته مؤسسة ” يوجوف ” البريطانية مؤخرا، ونشرته صحيفة الديلي ميل ، يجد فيه إشارات تؤكد تصاعد موجة الإسلاموفوبيا في أوربا وأمريكا بشكل غير مسبوق .
على سبيل المثال أكد 47% من الألمان عن وجود صراع أصولي بين تعاليم الدين الإسلامي وقيمهم المجتمعية ، فيما وصلت النسبة عينها إلى 46% في فرنسا، وفي مقابل 38 % في بريطانيا، و36% في الولايات المتحدة.
أحد الأسئلة المثيرة للمخاوفوالمخاطر في سياق مواجهة هذه الظاهرة المزعجة :” ماذا عن الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص وتقاطعاتها وتشارعاتها مع ظاهرة الإسلاموفوبيا ؟
تبقى مسالة كراهية الإسلام والمسلمين في الداخل الأمريكي اليوم قضية جوهرية سيما وأن هناك 3.45 مليون مسلم من جميع الأعمار يعيشون في الولايات المتحدة، ويشكلون نحو 1.1 من اجمالي تعداد السكان.
وفي كل الاحوال تبقى الاسلاموفوبيا ضربا من ضروب العنصرية في أسوا صورها، وظاهرة تبعاتها الكارثية على المسلمين حول العالم تستدعي مبادرات أممية خلاقة، وتعاون مع القوى الفكرية والدينية، الإعلامية والاجتماعية المعتدلة والساعية إلى بناء مدينة الانسان الفاضلة، حيث لا طبقية ولا تمايز، ولا عنصرية او مفاضلة بين البشر ، بل الجميع أخوة في مسيرة الإنسانية المتالمة على أرض المشقات هذه .
هنا يظهر من جديد الدور الرسائلي الذي يقوم به كايسيد في الحال والإستقبال، حيث جماعات الحوار تفتح الدروب واسعة أمام الإلتقاء بالمسلمين من شتى ربوع الكرة الأرضية، والعيش الواحد من خلال المؤتمرات والندوات، ناهيك عن البرامج التكوينية، التي يشارك فيها الشباب من مختلف انحاء العالم، والدورات التكوينية التي يعدها كايسيد .
ما يقوم به كايسيد والذي يجد صدى إيجابي حول العالم، شمعة تنير ظلام الكراهيات، وتفتح مسارات المودات .