أخبار عاجلة

إميل أمين يكتب عن..كايسيد .. الإسلاموفوبيا في دائرة الضوء

في مناسبة الذكرى الثالثة لليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا ، شهدت العاصمة الأذربيجانية باكو، مؤتمرا دوليا ، شاركت فيه العديد من الدول والمؤسسات الأممية، وفي مقدمها مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات “كايسيد”، جاء تحت عنوان ” الإسلاموفوبيا في دائرة الضوء : كشف التحيز وتحطيم الوصمات”.

بدا الهدف الرئيس من الحدث الدولي الكبير، إنشاء منصة أكاديمية لمناقشة الإتجاهات العالمية الوطنية المتنامية التي تستهدف المسلمين والدول ذات الأغلبية المسلمة .

زخر المؤتمر بالحضور من علماء 40 دولة، وخبراء من المنظمات الدولية وزعماء دينيين وممثلين عن المنظمات غير الحكومية.

هل الإسلاموفوبيا ظاهرة جديدة ؟

في كلمته ذات القيمة العالية، أشار سعادة السفير أنطونيو ألميدا ريبيرو، القائم بأعمال الأمين العام لمركز المللك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات كايسيد، إلى أن الإسلاموفوبيا ليست جديدة، لكن مظاهرها المعاصرة قد إزدادت حدة في جميع أنحاء العالم،وقد أصبحت ظاهرة منهجية كما يتضح من البيانات المتزايدة والشهادات العالمية .

وضع السفير الميدا يده بالفعل على أحد أهم الأسباب المعاصرة التي تشعل نيران تلك الظاهرة المثيرة والمخيفة معا، ذلك أنه أعتبر أن الفضاء الرقمي ، وعالم التواصل الإجتماعي، قد باتا أدوات فعالة لنشر الخطاب المتطرف ، عوضا عن أن تكون آليات لتقارب الشعوب وتلاحم الأمم إيجابيا .

ولعله مما يزيد من خطر الإسلاموفوبيا بحسب رؤية السفير ألميدا، هو تقاطع التحديات الجيوسياسية المعاصرة، وفي مقدمها الأزمات المتعاظمة، من هجرة ، وحروب، ومناخ متدهور، عطفا على تنامي الحركات الشعبوية ، مع تلك الظاهرة .

يوضح لنا خطاب السفير ألميدا في مؤتمر باكو، كيف أن الإسلاموفوبيا لم تعد مجرد تهديد لطائفة دينية واحدة ، بل تهديد للديمقراطية والتعددية ، ولإنسانيتنا المشتركة ، فعندما تُحرم جماعة بشرية من كرامتها، تنتهك جميع الحقوق .

الذين لهم علم بما يقوم به كايسيد من أنشطة وفعاليات منذ تاسيسه قبل عقد ونيف، يدركون كيف أنه أستخدم الحوار بين الأديان والثقافات كقوة تحويلية لمواجهة خطاب الكراهية، والتمييز بدوافع دينية والتحريض على العنف .

وعبر برامجه المتعددة والمتنوعة، الغنية والثرية بالقيم الخلاقة، وعبر الجهود المجتمعية الفاعلة، في أوروبا وإفريقيا وآسيا، بجانب المنطقة العربية، رسخ لدى كايسيد يقين بأن الحوار يمكن أن يسهم في رآب الإنقسامات، وتعزيز الثقة، وتشجيع التعايش السلمي .

قدم سعادة السفير ألميدا، للمشاركين في مؤتمر باكو، أربعة دروس وخلاصات رئيسية من تجربة كايسيد في مكافحة خطاب الكراهية، يمكن الإشارة إليها بإختصار غير مخل :

أولا : من الضروري تعزيز التعاون بين الجهات الفاعلة الدينية وصانعي السياسات مع الإعتراف بالقادة الدينيين كحلفاء أساسيين في تعزيز الشمول .

ثانيا : من الضروري بناء تحالفات بين الأديان والقطاعات المختلفة لمعالجة جذور الكراهية.

ثالثا : ثمة حاجة لتجهيز القادة الدينيين بشكل أفضل للإستجابة بفعالية لجرائم الكراهية والعنف .

رابعا : تمكين المعلمين والصحافيين والعاملين في مجال الإعلام من التعرف على خطاب الكراهية ومواجهته وصياغة سرديات عامة شاملة .

يضيق بنا المجال للحديث عما يقوم به كايسيد في هذا السياق، لكن على سبيل المثال، يزود برنامج زمالة صحافة الحوار DJF التابع لمركز الحوار العالمي، وبرنامج الزمالة الدولية، جيلا جديدا من صانعي التغيير بالأدوات اللازمة لتعزيز الثقافة الدينية، والآليات اللازمة لتمكين التنوع الديني ، وخلق مساحات آمنة للحوار ،ومن ناحية أخرى مواجهة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام التقليدية والرقمية .

هذه البرامج هي إستراتيجيات وقائية تهدف إلى تعزيز التفاهم والتعاطف والمرونة على المدى الطويل داخل المجتمعات وفيما بينها .

ولعل أفضل ما قاله السفير الميدا في كلمته :” الطريق إلى الأمام واضح ، وتقع على عاتقنا مسؤولية مشتركة لإعادة صياغة التعاون العالمي القادم على الكرامة الإنسانية والشمول والإحترام المتبادل .

غير أن هذا كله يتطلب إستثمارا عميقا في الشراكات، لأنه من خلال التعاون فقط يمكننا إحداث تغيير هادف وطويل الأمد .

أما الجميل في كلمته، وما يمكننا إعتبار توصية ختامية رائعة، فهو :” يجب أن نعتبر بعضنا البعض حلفاء في رحلتنا المشتركة نحو عالم أكثر عدلا وشمولا وسلاما .

وطالب بالإتحاد عبر التقاليد المتنوعة، وضمان العيش السلمي معتبرا أن الأمر ليس مجرد فكرة مثالية ، بل واقعا ملومسا للجميع .

هل من خلاصة ؟

المؤكد أن الإسلإموفوبيا هي نوع من الجدران التي تصنع السجناء، فيما الجسور تٌشكل حياة الأحرار .

العالم في حاجة إلى الجسور، وليس الأسوار، لا سيما أن الذين يمضون في دروب تشييد الأسوار العالية ، ينتهي بهم المطاف أسرى داخلها، أما الذين يفضلون بناء الجسور فيبقى الطريق أمامهم واسه ورحب، ويدعوهم للمسير معا، في طرق الحاضر والمستقبل .

في روايته الجميلة “جسر على نهر درينا ” يذكر الأديب اليوغسلافي الراحل ” إيفو أندريتشن”، أن ” الجسور صنعتها الله بأجنحة الملائكة، ليتمكن الرجال من التواصل عبرها ” ، ومن هنا ندرك أن الجسر يلزم للتواصل الإنساني، أما الجدران فتكرس العزلة .

عن سيد العادلى

رئيس التحرير

شاهد أيضاً

قصور الثقافة.. من المسئول عن هذا المصير؟ عماد الدين حسين

مساء الإثنين الماضى سألت الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة: لماذا أغلقتم قصور الثقافة ولماذا …