المراقب: وحدة الدراسات
هل بات العالم على موعد مع سباق موصول بشبكات الإنترنت في الفضاء الخارجي، وصدام مسلح بين الأقمار الإصطناعية التي تغذي الشركات العالمية على الأرض، وتيسر من حرية تدفق المعلومات في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، لا سيما بعد أن تغيرت قواعد السطوة، فبعد أن كانت الرؤية الإستراتيجية العسكرية حتى الحرب العالمية الثانية، موصولة بأن من يمتلك القدرة على تسيير أساطيله وهيمنته على البحار ، يمكنه أن يفرض نفوذه على بقية العالم، اليوم بات من يمد أطرافه وأطيافه على الفضاء الخارجي وعسكرته، هو من سيتمكن من إعلاء كلمته في الصراع الشطرنج الإدراكي .
يعن للقارئ التساؤل :” ما الذي يستدعي الحديث عن هذا الملف المثير في هذا التوقيت ؟
الشاهد أن هناك أكثر من سبب، والبداية بلا شك من عند مشروعات الفتى المعجزة ، إيلون ماسك، السيد الماورائي في البيت الأبيض اليوم، ولا سيما مشروع ستارلينك، والذي لعب دورا مهما وربما حاسما في الأزمة الروسية – الأوكرانية خلال السنوات الثلاث المنصرمة، مرورا بمشروعات الرئيس ترمب الجديدة، وبنوع متميز، ستارغيت، وصولا إلى ما أعلنت عنه الصين أواخر شهر فبراير شباط المنصرم …وهل الأمر إستعلان بالفعل لزمن حروب غير تقليدية، حروب لا تستخدم فيها الأسلحة التقليدية، لكن أكلافها ربما تضحى أكثر هولا مما هو تقليدي إعتيادي، لا سيما في ضوء الطفرات التكنولوجية الصاعدة في أعلى عليين، وبما يجعل البشر عند نقطة زمنية قريبة، رهينة لعالم الإتصالات الفائقة السرعة والنفوذ ؟
في منتصف ديسمبر كانون أول المنصرم، أطلقت الصين بنجاح أول مجموعة من الأقمار الإصطناعية ذات المدار الأرضي لكوكبة الإنترنت بواسطة صاروخ من مقاطة هاينان .
كانت هذه المهمة رقم 552 لسلسلة صواريخ حاملة من طراز لونج مارش . وتهدف الأقمار الإصطناعية إلى أن تكون جزءا من مجموعة أقمار إصطناعية أكبر للإنترنت تهدف إلى تعزيز الإتصال بالإنترنت .
ما الذي تخطط له الصين في الفضاء ؟
المعروف أن شركة تشيانفان للأقمار الإصطناعية الصينية، تخطط لبناء كوكبة من 14 ألف قمر صناعي ،مع حوالي 600 قمر صناعي في المدار بحلول نهاية عام 2025.
حصلت الشركة الصينية على تمويل يبلع نحو مليار دولار العام الماضي ، وتشير موافقة الحكومة الصينية على إنشاء مجموعتين من الأقمار الإصطناعية للإتصالات في مدارات منخفضة إلى قيمة إستراتيجية عالية لمثل هذه الأنظمة . ويُنظر إلى هذه المجموعات العملاقة على أنها ممُكنات للاقتصاد الرقمي في الصين ، حيث توفر خدمات النطاق العريض في المناطق النائية والمحرومة كجزء من مشروع الإنترنت عبر الأقمار الإصطناعية لسياسة ” البيئة التحتية الجديدة”، التي أعلنت عنها الصين في عام 2020.
هنا يطفو سؤال :” ما الذي يجعل الصينيين متعجلين على هذا النحو لبناء منظومتهم الإنترنتية عبر الصواريخ في الفضاء ؟
بإختصار غير مخل، تواجه الصين مهمة شاقة في جهودها لمواكبة خدمة الأقمار الإصطناعية التي تقدمها شركة سبيس إكس لإيلون ماسك.
بحسب سبيس إكس ، فإن مشروع ستارلينك التابع لشركة سبيس إكس لديه بالفعل ما يقرب من 7000 قمر إصطناعي عامل في المدار ويخدم حوالي 5 ملايين عميل في أكثر من 100 دولة .
هنا يبدو واضحا أن الصين تستهدف نطاقا مماثلا وتأمل في إمتلاك حوالي 38000 قمر إصطناعي عبر ثلاثة من مشاريع الإنترنت ذات المدار الأرضي المنخفض ، والمعروفة بأسم تشيانفان وجو وانج وهونج هو 3 .
والثابت أنه بعيدا عن كونها أداة للتاثير الجيوسياسي ، فإن إمتلاك مجموعة أقمار إصطناعية خاصة بالإنترنت أصبح ضرورة للأمن القومي بشكل متزايد ، خاصة عندما تكون البنية التحتية للإنترنت الأرضية معطلة اثناء الحرب .
في هذا الصدد يشير ” ستيفن فيلدشتاين “، وهو زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى أنه ” عندما يتعلق الأمر بالفارق الذي لعبته تكنولوجيا ستارلينك في ساحة المعركة في أوكرانيا، فإن إحدى القفزات الكبيرة التي شهدناها كانت ظهور حرب الطائرات بدون طيار وساحة المعركة المتصلة .
من هنا يتضح أن إمتلاك أسلحة تعتمد على الأقمار الإصطناعية هو شيئ يُنظر إليه على أنه ميزة عسكرية حاسمة .
لهذا السبب يُعتقد أن الصين ترى كل ذلك وتقول أن الإستثمار في هذا المجال أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهداف أمنها القومي “.
هل تطور المشهد الإنترنتي الصيني في الفضاء الشهر الماضي ، وبما يشير إلى سرعة الدخول في عصر المواجهات بين واشنطن وبكين بنوع خاص ؟
من الواضح أن الصين تنظر اليوم إلى عمالقة تكنولوجيا الإتصالات الأميركية، بوصفهم أعداء لا منافسين فحسب، وترى أن قطبيتها القادمة سوف تعترضها الصحوة التكنولوجية الغربية، ما لم تسارع بدورها في حجز مكان لها في الفضاء ، وفي مواجهة ماسك وستارلينك، وبيزوس وبقية جماعتهم.
في هذا السياق تبدو شركة ” سبيس سيل ” الصينية ، والتي تتخذ من شنغهاي مقرا لها ، وكأنها تتحول إلى منافس قوي ضد ستارلينك ، لا سيما بعد أن وقعت مؤخرا إتفاقية لدخول السوق البرازيلية ، وبعد فترة وجيزة بدأت عملياتها في كازاخستان كمؤشر على وتيرة التوسع السريعة التي تحرزها ، كما تجري برازيليا محادثات مع مشروع ” كوبير” التابع لبيزوس وشركة تيليسات الكندية ، وهو ما يشير إلى تحول عالمي بعيدا عن مزودي الإنترنت عبر الأقمار الإصطناعية الإحتكاريين.
وفي مواجهة ستارلينك التي أطلقت عددا من الأقمار الإصطناعية المدارية المنخفضة أكثر من جميع منافسيها مجتمعين منذ عام 2020 ، تمضي الصين في طريق غزوات ضخمة للفضاء ، تشمل إستثمارات ضخمة من قبل الحكومة الصينية في شبكات الاقمار الإصطناعية المنافسة والبحوث العسكرية حول مراقبة وتتبع مجموعات الأقمار الإصطناعية .
هل تمضي الصين نحو الفضاء وفي جعبتها حلفاء جدد يرفضون الخضوع لفكرة الأحادية الأميركية ، وسيطرة ماسك وبيزوس على الفضاء الخارجي ؟
المؤكد أن هناك بالفعل العديد من الحكومات التي رحبت بمزودي خدمات أنترنتية بديلة ، لا سيما إذا كانت الصين، التي تغرد بعيدا عن القطبية الأميركية المنفردة ، وخاصة في المناطق التي تُعطل فيها مشروعات ستارلينك التابع لماسك خلال النزاعات السياسية والتجارية .
في هذا السياق تخطط شركة سبيس إكس المملكة للدولة في الصين والخاضعة لسيطرتها ، لإنشاء نظام أقمار إصطناعية منخفضة المدار يضم 648 قمرا إصطناعيا هذا العام، مع 15 ألف قمر غصطناعي في المدار بحلول عام 2030 . وتظهر المقارنة أن ستارلينك ، التي يعمل بها حوالي 7 آلاف قمر إصطناعي بنشاط تهدف إلى إستهداف ما مجموعه 42 ألف قمر بحلول نهاية هذا العقد .
تنطلق الصين بقوة واعدة من خلال مجموعة أقمار تشيانفان أو ” ألف شراع “، كأول جهد دولي ذي مغزى تبذله الصين في مجال النطاق العريض عبر الأقمار الإصطناعية ، وهناك ثلاثة اقمار أخرى قيد التطوير . وفي الوقت نفسه تسعى بكين إلى تنفيذ خطط لإطلاق عدة أقمار إصطناعية في مدار أرضي منخفض، يبلغ مجموعها 43 ألف قمر صناعي في العقود المقبلة ، كما تستثمر بكثافة في تكنولوجيا الصواريخ لتسهيل الإطلاق الفعال للاقمار الإصطناعية .
المراقب المراقب موقع مصري شامل يصدر عن شركة القاهرة الاخبارية