أخبار عاجلة

إميل أمين.. كوالالمبور .. وزمالة كايسيد لصحافة الحوار

يبقى  الحوار ركيزة  وقيمة كبرى  في تاريخ وحياة الأمم، ويظل كذلك في مسارات ومدارات الشعوب الناهضة، لا سيما تلك الساعية إلى طريق التوافقات المجتمعية، داخليا  وخارجيا.

في هذا الإطار تلعب وسائل الإعلام حول العالم دورا رائدا وخلاقا في تجميع  الصفوف أو تفريقها، بناء الرؤى التي توفق أو تلك التي تفرق، طمأنة النفوس، أو ذيون وشيوع الفتنة.

من هذا المنطلق أولى  مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” كايسيد”، أهمية كبرى لفكرة  تدريب شباب الإعلاميين على لغة الحوار، وزخمهم بالمهارات المتصلة بالحوار بين أتباع الأديان المختلفة، والثقافات المتعددة، في زمن تجاوز فيه الواقع فكرة ” القرية الكونية” لمارشال ماكلوهان، عالم الإجتماع الكندي، في ستينات القرن المنصرم، وصولا إلى عالم ” صندوق الدنيا” المتمثل في الهواتف الذكية، والقادم أكثر إثارة في أزمنة الذكاءات الإصطناعية ما يليها من نوازل عصرانية.

في هذا الإطار أنطلقت في الرابع من يوليو تموز الجاري ولمدة أربعة أيام في العاصمة الماليزية كوالالمبور ، أعمال الورشة  الخاصة بزمالة  الصحافة للحوار التي يرعاها كايسيد ، للصحافيين والصحافيات من مختلف أرجاء المنطقة  العربية .

تأتي هذه الورشة إستكمالا  للمرحلة الأولى  من البرنامج التي عقدت في العاصمة الأردنية  عمان، وقد خصصت الورشة لتدريب عملي وتطبيقي مكثف، يتخلله تغطية يومية  عبر منصات التواصل الإجتماعي الرسمية للبرنامج .

ماذا  عن مشروع زمالة  الصحافة للحوار .

هو مبادرة إقليمية  أطلقها  كايسيد منذ سنة 2021 ،  وتهدف إلى  تطوير قدرات الصحافيين والصحافيات في المنطقة العربية في إنتاج محتوى إعلامي  يعزز قيم الحوار والتنوع والشمول والتماسك المجتمعي، ويواجه الصور النمطية والخطابات الإقصائية .

يمتد البرنامج على مدار عام كامل ويتضمن تدريبات نظرية وعملية،  بالإضافة إلى تنفيذ مبادرات إعلامية مجتمعية  يقودها الزملاء المشاركون بهدف إحداث أثر إعلامي مستدام على المستوى المحلي والمهني .

لماذا هذا الإهتمام من كايسيد بالإعلام والصحافة والصحافيين ؟

بإختصار غير مخل، لقد باتت القوة المزدوجة  لوسائل الإعلام تثير في واقع  الأمر علامات إستفهام حول ما إذا  كان الإعلام والإعلاميين، الصحافة والصحافيين، قادرون على  صنع الصيف أو الشتاء ، من خلال تغطياتهم للأزمات، لا سيما في مناطق النزعات ذات الصبغة العرقية أو الدينية .

أثبتت التجارب المؤلمة في العقدين الماضيين،  أن التغطيات الأخلاقية  تتطلب درجة  رفيعة  من الإلتزام بالقيم المشتركة، ومكافحة  إنتشار الجهل الأدبي،  ومكافحة  المعلومات المزيفة، وتجاوز خطابات التعصب ورسائل الكراهية.

شملت ورش تدريب كوالالمبور سلسلة  من الجلسات التفاعلية والتطبيقات المهنية، بغشراف مدربين  وخبراء متخصصين  في الإعلام، ركزت على  قضايا تحليل الخطاب،  وصحافة التنوع،  وتقدير الأثر الإجتماعي  والثقافي للتغطيات الإعلامية، عطفا على  تحليل خرائط التنوع المجتمعي وتحديد التمثيل الغائب في القصص.

ولعله من أهم ما تم تقديمه في ورشة كوالالمبور،  تطوير المهارات العملية  في بناء ما يعرف ب” الفيتشر الصحفي” ، بجانب مناقشة أفكار تقنيات التحقق من تنوع وشمولية  المصادر المستخدمة ،  وتوليد افكار لقصص جديدة  تراعي الفئات الأقل تمثيلا .

يعمل برنامج زمالة كايسيد بشكل عام على  تحسين  فهم الصحفيين  لتحليل الصراعات ، ولدور التنوع  بين الأديان والحضارات والثقافات في بناء السلام داخل المنطقة  العربية  بداية ، وحول العالم تاليا،  كما يسهم في العمل على ترقية أساليب الحوار ، ويتيح للمشاركين  مجالا آمنا  لتبادل الخبرات والمعارف بشأن عملهم وإعداد تقارير عن الدين والصراعات.

يعن لنا أن نتساءل ونحن في صدد التركيز على أهمية برامج كايسيد المتعددة التي تمضي في طريق تعزيز روح الحوار لا سيما في سياق المنظومات الإعلامية :” هل هناك ملائكة  وشياطين يسكنون اليوم وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي؟

يمكن القطع أنه اليوم وفي ظل حالة  السيولة  الجيوستراتيجية  التي يعيشها عالمنا المعاصر، تبدو هناك حاجة ملحة  لإعتماد صوت وحوار إنسانيين أكثر لحل المشكلات وتعزيز التضامن البشري .

والشاهد أنه يوما تلو الأخر، يثبت لنا أن هناك فجوة  داخل عالم الإعلام، وصحيح أنه لدينا الكثير من البرامج التي تتحدث عن إثبات الحقائق والتصدي للمعلومات المضللة،  ولكن أيا منها لا يستهدف في الواقع الحوار الواسع المريح والمتسع بين شتى الملل والنحل، الطوائف والمذاهب، الثقافات والجذور الحضارية  المغايرة ، وهذا  في واقع الأمر ما يحاول كايسيد وبجداره أن يفعله لملء الفراغات  المؤلمة  في جدار الإنسانية .

لعل أنفع وأرفع ما يقوم به كايسيد عبر برامج الزمالة للحوار،  هو إسقاط الجدران الوهمية التي باتت تفصل الأمم والشعوب عن بعضها البعض، وعوضا عنها يقيم أنواعا من الجسور الفكرية، التي تعزز حياة  البشر على  كوكب واحد، يكاد يحترق اليوم على صعيدين ، إيكولوجيا من جهة ، وإنسانويا من جهة أخرى، بعد أن باتت معايير المقاربة مادية  بالمطلق، ومن دون أن توفر مساحة لفكرة الأخر وفرحة اللقاء به ، وفهم ماهيته في الحال والإستقبال .

وفي كل الأحوال ، تبقى  صحافة الحوار والتفاهم التى يسعى  كايسيد إلى  ترسيخها  تتبنى  مفاهيم مهنية  تتسق مع فلسفة عمله وتوجهاته في الحوار من أجل أجيال أكثر رحابة ، تتجاوز أحادية المونولوج، إلى  ثنائية  وثلاثية ورباعية ، بل ربما أكثر للديالوج ، حوار يوفر المعالجات للتحديات الجسام والمشتركة، عوضا عن قصص تنكأ الجراح وتعمق الشروخ من دون ترياق واق شاف .

عن سيد العادلى

رئيس التحرير

شاهد أيضاً

نادر جوهريكتب عن.. حريق سنترال رمسيس

خالص التعازي لاسر ضحايا حريق سنترال رمسيس الاربعه ودعوات بالشفاء للمصابين في الحريق، ونأمل وقوف …