المراقب : وحدة الدراسات
من هو المسؤول الأول عن ظاهرة الإحتباس الحراري وإرتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية على النحو الذي نراه ؟
يبدو الجواب واضحا من خلال دراسة علمية قيمة وموثوقة نشرتها مؤخرا دورية :” فرونتيرز إن ساستينابل سيتيز “،والتي اشارت إلى أن 25 مدينة من كبريات المدن العالمية ، هي المسؤولة عن 52% من إجمالي إنبعاثات غازات الدفيئة في المناطق الحضرية .
الدراسة تقودنا إلى مقاربات مثيرة للإنتباه وهي أن المدن في أوربا وأستراليا والولايات المتحدة سجلت نسبة ابنعاثات للفرد أعلى بكثير من نظيرتها في مدن المناطق النامية ، وأن قطاعي الطاقة الساكنة والنقل يعدان أكبر مصدرين رئيسيين لانبعاثات غازات الدفيئة .
الدراسة المتقدمة تقودنا إلى جزئية إستخدام الفحم في الصناعات المختلفة ، والفحم أو الكربون ، ليس حكرا على الصين فقط ، وإن كانت في واقع الحال تعد أكثر دول العالم إستخداما له ، فالأمر ينسحب كذلك على الولايات المتحدة الأمريكية ، وهناك لوبي ضخم للفحم ، كان يتزعمه ذات مرة رئيس الإغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي ، ميتش ماكونيل ، ومرد ذلك هو التبرعات الهائلة التي تقدمها تلك الشركات إلى السياسيين ، ما يدعم حملاتهم الإنتخابية .
أما بالنسبة للصين والهند وغيرهما من مدن الفحم ، فيمكن القول أن جميعها تضع علامات إستفهام في طريق إلتزامهم بتخفيض إستخدام الكربون ، الأمر الذي يؤثر على مستوىات الحياة لديهم ، في الوقت الذي تنطلق فيه الدول الكبرى في مساراتها ومساقاتها من جديد مرة ثانية .
هل الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية بريئة كل البراءة من الإتهامات الموجهة إلى الصين ، بشأن دورها المعروف في تلويث المناخ العالمي من جهة ، وزيادة درجات حرارة الأرض من ناحية أخرى ؟
بالقطع هي ليست كذلك ، ذلك أن الكثيرمنها تعمد إلى نقل الكثير من خطوط إنتاجها ، وما يعرف بالسلاسل الإنتاج ، وذلك بهدف الإستفادة من التكاليف المنخفضة ، وأسعار اليد العاملة الأقل كثيرا عن نظيرتها في الدول الرأسمالية ، ، ما يعني مباشرة زيادة مستويات الإنبعاثات المرتبطة بالنسبة للصين .
هل تقسيم العالم مناطقيا يمكن أن يفيد في معالجة ظاهرة الإحتباس الحراري ؟
مؤكد ذلك كذلك ، فالتقسيم على هذا الأساس يعطي فكرة عن المدن التي يجب أن تحظى بالأولوية لتقليل الإنبعاثات الناتجة عن المباني والنقل والعمليات الصناعية وغيرها من المصادر .
ولعله من المخيف أيضا معرفة أن المدن الكبرى وحتى التي لا تشمل أنشطتها إنبعاثات أحفورية ، تساهم بصورة ما في زيادة معدلات الإحتباس الحراري ، فإستخدامات الكهرباء في المباني السكنية والمؤسسية والمنشأت التجارية والصناعية ، تسهم بما يتراوح بين 60و 80% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في مدن أمريكا الشمالية وأوربا .
ولعل ملمح أخر من ملامح الهاوية المناخية ، يتمثل في العلاقة المتبادلة بين إرتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية من ناحية ، وما يجري في الاقطاب الجليدية الجنوبية والشمالية من جهة ثانية .
في التقرير الصادر العام الماضي عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ، نقرأ كيف أنه منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، ارتفعت درجات حرارة سطح الهواء في القطب الشمالي بمعدل ضعف السرعة على الأقل مقارنة بالمتوسط العالمي ، مع تداعيات كبيرة محتملة ، ليس فقط على النظم البيئية في القطب الشمالي ، ولكن أيضا على المناخ العالمي ، مثل ذوبان الجليد الدائم ، وإطلاق غاز الميثان ، وهو أحد غازات الدفيئة القوية في الغلاف الجوي .
بالإضافة إلى ذلك ، لوحظ إنخفاض مستوى الجليد البحري في القطب الشمالي بشكل قياسي في شهري يوليو وأكتوبر 2020 ، بينما فقد الغطاء الجليدي في غرينلاند حوالي 152 غيغا طن من الجليد بين سبتمبر وأغسطس 2020 .
ما الذي تعنيه تلك البيانات ؟
من غير تطويل ممل ، سوف ترتفع نسبة المياه في البحار والمحيطات حول الكرة الأرضية ، الأمر الذي سيتسبب في إتساع ظاهرة النحر ، بمعنى أن المياه تزحف على اليابس ، ويتوقع العلماء في هذا الشأن إختفاء الكثير من المدن الساحلية في قارات الأرض الست .
ومع زيادة إرتفاع معدلات البحار والمحيطات ، سوف تزداد من غير أدنى شك نسبة بخار الماء المتصاعد إلى طبقات الجو العليا ، ما سينعكس لاحقا على الأرض مرة جديدة في صورة أمطار ، لا تلبث أن تتحول إلى فيضانات وسيول جارفة ، والعينة قد رآها العالم مؤخرا في ألمانيا وبلجيكا ، وفي الصين التي إنهارت سدودها ، مخلفة وراءها قدرا كارثيا من الخسائر في البشر والحجر على حد سواء .
وعطفا على ما تقدم فأنه في مارس الماضي قال خبراء الأرصاد الجوية التابعون للأمم المتحدة ، إن تغير المناخ اثر على المحيطات بشدة ، ودعوا إلى تكثيف المراقبة المنقذة للحياة ، وإعادة تشغيل خدمات الإنذار المبكر التي توقفت بسبب جائحة كوفيد -19، لحماية المجتمعات الساحلية المعرضة للخطر .
ولعله من البديهي القول أن إرتفاع درجات حرارة المحيطات قد ساعد في هبوب عدد قياسي من الأعاصير الموسمية في المحيط الأطلسي.
هل باتت البشرية بالفعل على شفا الهاوية من جراء التغيرات المناخية المثيرة للقلق ؟
الجواب ليس في حاجة إلى أدلة أو براهين عقلية ، فالعين تغنيك عن أن تطلب الأثر أحيانا كما يقال ، ويكفي المرء أن يجيل نظره من الغرب الأمريكي ، إلى وسط القارة الأوربية ، وصولا إلى الصين ليدرك كم الأهوال الطبيعية التي تحدق بالبشرية .
ولعل المثير إلى حد المخيف في تلك النوازل هو تناقضاتها الجذرية ، فمن الجفاف الذي يؤدي إلى الحرائق ، وصولا إلى الفيضانات غير المسبوقة ، وصولا إلى الأمطار المغرقة ، تبدو البشرية حائرة ، وتنطلق صافرات الإنذار محذرة من الهول القائم والقادم ، إن لم يسارع الجميع بالعمل سويا لإستنقاذ الكوكب الأزرق .
هل بلغت الطبيعة ، حدا من الغضب يجعلها تقسو على الإنسان بهذا الشكل ؟ وإن كان ذلك كذلك فما هو الحل لترضيتها ، وهي ترضية براجماتية مستنيرة ، هدفها الأهم إتاحة الفرصة للبشرية في النمو مرة أخرى قبل أن تقلب لهم ترس المجن ؟
______________________
الى قراءة لاحقة