أخبار عاجلة

الدكتور أمير جوهر يرصد.. حركة النشاط المناخي عبر الانقسامات الحضرية والريفية في الشرق الأوسط

الدكتور أمير جوهر - استاذ ومحاضر بجامعه ويست إنجلاند بإنجلترا

تُكافح دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه والظواهر الجوية المتطرفة التي تؤثر على النظم البيئية وسبل العيش بشكل غير متساوٍ عبر السياقات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية.1 واستجابةً لذلك، اعتمدت حكومات مصر والمغرب والأردن أطرًا سياسية طويلة الأجل تُركز على التخفيف والتكيف والتنمية المستدامة: الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050، والخطة الوطنية للتكيف في المغرب 2030، والسياسة الوطنية لتغير المناخ في الأردن 2022-2050. وبينما تتماشى هذه الأجندات الوطنية مع الالتزامات الدولية المتعلقة بالمناخ، فإنها غالبًا ما تُغفل اختلافات مهمة بين البيئات الحضرية والريفية. وقد تدخلت الجهات الفاعلة المحلية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني ومجموعات الشباب والمزارعون والعمال غير النظاميين، لسد هذه الثغرات في السياسات ومواجهة تحديات المناخ من خلال النشاط المنظم والممارسات البيئية اليومية.

تُركز هذه المقالة على مصر والمغرب والأردن، وتستكشف كيفية عمل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني ضمن سياسات المناخ الحكومية وحولها، مع مراعاة الظروف السياسية والمكانية التي تُشكل وضوح هذه السياسات وشرعيتها وتأثيرها. تُقارن المقالة بين مظاهر المشاركة المناخية – سواءً أكانت نشاطًا أم تكيفًا أم نضالًا بيئيًا يوميًا – في المراكز الحضرية مثل القاهرة والرباط وعمان، وتلك الموجودة في المناطق الريفية أو الهامشية مثل المنيا والرشيدية والطفيلة. في حين تُقدم الاستراتيجيات الوطنية على أنها شاملة وتطلعية، غالبًا ما تكشف الحقائق المحلية عن فجوة بين السياسة المركزية والظروف المعيشية للتأثر بتغير المناخ. تتناول هذه المقالة مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة، بدءًا من المنظمات غير الحكومية الرسمية والحملات التي يقودها الشباب في العواصم، وصولًا إلى الاحتجاجات المجتمعية على تدهور المياه والأراضي والبيئة في المناطق الريفية. تكشف هذه الإجراءات – سواء أكانت ظاهرة أم هامشية، مُتسامحًا معها أم مُقموعة – عن الملامح السياسية للاستجابة المناخية التي تُشكل من يحق له التصرف بشأن المناخ وتحت أي ظروف.

مصــــر

ينتشر النشاط المناخي في مصر ضمن فضاء مدني مُحكم التنظيم، تُشكّله أجندات الاستدامة التي تُسيطر عليها الدولة وقيود حرية تكوين الجمعيات. تُشجّع الحكومة استراتيجيات مثل الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 ومساهماتها الوطنية المُحدَّدة (NDCs) المُحدَّثة، مع التركيز على الطاقة الخضراء وكفاءة استخدام المياه.3 ومع ذلك، لا يزال التنفيذ مُقيّدًا بأجندات الجهات المانحة ومنهجيات الاستثمار، وغالبًا ما تُعطي الأولوية للرؤية على حساب العدالة والمشاريع الضخمة على حساب مرونة المجتمع، مع اقتصار المشاركة الفعلية على دائرة ضيقة من الجهات المعنية المُعتمدة.4

تُساهم جهات فاعلة من المجتمع المدني خارج هذه الدائرة الضيقة، بدءًا من المشاريع الاجتماعية مثل VeryNile وBanlastic Egypt وصولًا إلى شبكات غير رسمية مثل “زبالين” لجمع النفايات، في سد الثغرات الحرجة من خلال قيادة حملات توعية، ومبادرات تنظيف، وبرامج للحد من النفايات، والتثقيف البيئي في المجتمعات المهمشة. ومع ذلك، تواجه هذه الجهات الفاعلة قيودًا شاملة: فقانون المنظمات غير الحكومية لعام 2019، والمراقبة البيروقراطية، وحظر السفر، وخطر الحل، كلها عوامل تحد من نطاق عملها ونشاطها المنعزل، ما يدفعها في كثير من الأحيان إلى العمل بمعزل عن الآخرين والتنافس على دعم خارجي محدود.

في عام 2024، أشارت خطة اللامركزية المصرية، التي أُعلن عنها في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة، إلى تحول مفترض نحو الحكم المحلي. ومع ذلك، فقد تم الحفاظ على السيطرة المركزية على المحافظات، وسُمح بمشاركة المجتمع المدني في الشؤون المحلية (وخاصة في صنع القرار ووضع الميزانيات) بشكل انتقائي من خلال قنوات تسيطر عليها الدولة. وقد أتاحت عملية إعادة التنظيم هذه، بما في ذلك إعادة هيكلة منصة المجتمع المدني والمشاركة المدنية في الفترة 2023-2024، للحكومة الحفاظ على سيطرتها على الديناميكيات السياسية المحلية مع إبراز صورة إصلاحية. في حين أن النشاط المناخي يُقبل عادةً أكثر من المعارضة السياسية العلنية، إلا أنه يبقى مقيدًا بشدة بتغير عتبات السيطرة.7

القـــــاهرة

تُعدّ القاهرة مركزًا لأجندة المناخ في مصر، حيث تستضيف العديد من مبادرات الاستدامة البارزة، مثل مبادرة “المدن الخضراء” للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بالإضافة إلى مشاريع تجريبية للتنقل النظيف، مثل نظام النقل السريع بالحافلات على الطريق الدائري في القاهرة، وسيارات الأجرة الكهربائية في العاصمة الإدارية الجديدة.8 وفي حين أن هذه المشاريع تُدار من قِبل الدولة إلى حد كبير، فإن المجتمع المدني والجهات الفاعلة الشعبية في القاهرة تُعزز أجندة مناخية أكثر تشاركية. تُشجع المشاريع الاجتماعية، مثل “شادوف”، الزراعة على أسطح المنازل، والزراعة الحضرية، وتصميم المناظر الطبيعية الصديقة للبيئة في الأحياء العشوائية ومحدودة الدخل. في الواقع، أفادت “شادوف” بإنشاء أكثر من 500 مزرعة على أسطح منازل ذوي الدخل المحدود في ضاحية حدائق حلوان بالقاهرة، مما عزز الأمن الغذائي والتغطية الخضراء في المناطق المهمشة.9 في القاهرة التاريخية، يُسهم التشجير الذي يقوده المواطنون في استصلاح الأراضي المهجورة من خلال مبادرات الحدائق الصغيرة. ومن الأمثلة على ذلك حديقة الخليفة للتراث والبيئة، التي حوّلت 3000 متر مربع من سلسلة تلال ممدودة إلى مساحة خ

ورغم هذه الجهود، لا يزال تأثير المجتمع المدني مجزّأً: فغالبًا ما تعتمد المشاريع على المانحين، وتُعزل، وتتركز في المناطق الثرية، بينما لا تتلقى الأحياء الهامشية سوى دعم محدود. علاوة على ذلك، لا يزال النظام البيئي الحضري غير الرسمي يُقدّم خدمات مناخية وبيئية أساسية. على سبيل المثال، يُعيد مجتمع الزبالين في حي منشأة ناصر تدوير ما يصل إلى 60% من نفايات القاهرة، ومع ذلك لا يحظى باعتراف رسمي يُذكر، ويواجه تهديدات الخصخصة.11 وظهرت صدامات أكثر وضوحًا في جزيرة الوراق، حيث قاوم السكان عمليات الإخلاء القسري في إطار رؤية الدولة لتحديث القاهرة 2050. صاغ النشطاء دفاعهم عن الأرض وسبل العيش كقضية بيئية، مؤكدين على الحق في المساحات الخضراء والمياه النظيفة والاستمرارية البيئية.12 وتكشف مثل هذه الأمثلة كيف يُضفى الخطاب المناخي في القاهرة طابعًا رسميًا وواضحًا عندما يتماشى مع أولويات الدولة، ويُقمع عندما يتحدى منطق التنمية السائد أو السيطرة المكانية.

المــــنيا

تقع محافظة المنيا في مصر الوسطى على طول سهل فيضان النيل، وعاصمتها على بعد 245 كيلومترًا (حوالي 150 ميلًا) جنوب القاهرة. تُعد الزراعة العمود الفقري لاقتصادها، حيث توظف ما يقرب من نصف القوى العاملة، ومع ذلك يؤثر الفقر على حوالي 60 في المائة من سكانها الريفيين إلى حد كبير، حيث يعيش أكثر من أربعة أخماسهم في القرى.13 المنيا، التي كانت لفترة طويلة هامشية لأولويات التنمية في مصر، أصبحت محورية بشكل متزايد في حوكمة المناخ المتطورة في البلاد. في وقت مبكر من عام 2010، احتج السكان على التعديات الحضرية على الأراضي الزراعية وفشل الري. كانت هذه تعبيرات مبكرة عن المعارضة البيئية التي سبقت خطاب المناخ اليوم.14 وفي الآونة الأخيرة، توسعت المبادرات التي تقودها الدولة، مثل برنامج الاستثمارات الزراعية المستدامة وسبل العيش (SAIL) بقيمة 94.6 مليون دولار (2014-2025)، وهي شراكة مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية تهدف إلى تطوير البنية التحتية الريفية والري بالطاقة الشمسية.15 قدم المشروع مساهمات ملموسة في سبل العيش الريفية والبنية التحتية المجتمعية؛ ومع ذلك، فإن المشاكل المستمرة في صرف التمويل، وبطء التنفيذ، وضعف التواصل، وعدم كفاءة الإدارة قد حدّت من تأثيرها الإجمالي.16 وبالمثل، في إطار مبادرة “الحياة الكريمة”، تم تخصيص 1.93 مليار جنيه مصري (40 مليون دولار) في عام 2021 لمشاريع مياه الشرب في 192 قرية في جميع أنحاء المنيا، إلا أن هناك أيضًا مشاكل تتعلق بالتأخير ومحدودية المشاركة العامة.

في المقابل، تمثل المبادرات الشعبية نموذجًا أكثر تشاركية. يشجع مشروع “تعزيز قيم وممارسات المواطنة” التابع للهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية على المشاركة المدنية في العمل المناخي، بما في ذلك تعزيز الزراعة المستدامة ومحو الأمية المناخية.16 كما انبثقت جهود تكميلية من شراكات دولية محلية. قام برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat)، بالتعاون مع شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالمنيا، بتركيب سبع وحدات ترشيح على ضفاف الأنهار في بني عامر وقصر الرقيب، مما أدى إلى إنشاء أنظمة مياه طبيعية توفر الآن مياه شرب نظيفة لأكثر من 30,000 نسمة.17 وفي الوقت نفسه، تُجري مجموعات مجتمعية غير رسمية وتعاونيات زراعية تجارب على محاصيل مقاومة لتغير المناخ واستراتيجيات ري بديلة، مدفوعةً بتجارب مباشرة من تقلبات تدفقات نهر النيل وتقلبات هطول الأمطار. وقد نظمت مبادرات الشباب، على الرغم من قلة الدعم الذي غالبًا ما تحظى به وتعمل دون اعتراف رسمي، حملات صغيرة لغرس الأشجار وتنظيف القنوات ومسيرات توعية تُضفي على الاهتمام بالبيئة طابعًا محليًا.

_______________________________

دكتور أمير جوهر.. استاذ ومحاضر بجامعه ويست إنجلاند بإنجلترا

عن سيد العادلى

رئيس التحرير

شاهد أيضاً

سؤال منطقي جدا..هل خسرت دائرة قويسنا – بركة السبع وجود مرشح بقيمة محمد حمدي موسي في السباق الانتخابي.. تقرير

محمد الطوخي  ينطلق غدا ماراثون انتخابات مجلس النواب 2025 وسط حالة من الدهشة الغير معلنة، …