وحدة الدراسات
بعد ذاك الذي جرت به المقادير في أوكرانيا، ظلت الألسنة الأوروبية تلهج، هل ستكون دول أخرى من القسم الأوروبي عرضة لهجمات روسية ، سواء برية أو جوية، وبما في ذلك الصاروخية؟
الجواب يعود بنا إلى ما قاله ” اللورد هاستينغز إسماي” أول أمين عام لحلف الأطلسي، من أن هدف الحلف هو إبقاء الإتحاد السوفيتي خارجا، والأميركيين في الداخل، والألمان تحت السيطرة .
لكن ” بيثاني إليوت”، الكاتبة المتخصصة في شؤون روسيا وأوروبا الشرقية، تقطع عبر قراءة لها في الغارديان البريطانية، بأن الناتو يختبر اليوم في إثنتين من تلك المهمات، مع تهديد الرئيس الأميركي ترمب علنا بعدم حماية الدول الأعضاء المعرضة للخطر والتي لم تنفق على الدفاع، وفيما يفكر الأميركيون في الإنسحاب، يزداد أيضا خطر تدخل الروس.
في الأسبوع الأول من شهر مايو أيار الماضي، قدر المعهد الدولي للدراسات الإستراتييجية، ومقره الرئيس في لندن، أن روسيا قد تشكل تحديا عسكريا كبيرا لحلفاء الناتو، وخاصة في دول البلطيق، بحلول عام 2027. في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بحلول منتصف عام 2025، فقد تفكر روسيا في مواجهة طويلة الأمد .
المعهد عالي الأهمية، يجزم بأن أجهزة الإستخبارات الألمانية ، تقطع بأن روسيا تعيد بناء قدراتها العسكرية، وقد تعيد نشر وحداتها بسرعة لتعريض الجناح الشرقي للناتو للخطر.
على أن السؤال الذي يطرحه المعهد هو كالتالي :” يتفق الجميع على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفضل زوال الناتو، لكن هل سيكون مستعدا حقا لخوض حرب لتحقيق ذلك؟
بحسب ” بيثاني إليوت”، من السهل تجاهل الحديث عن حرب بين روسيا والناتو بإعتباره تهويلا أو تفكيرا من حقبة الحرب الباردة. ومع ذلك ، تقوم الحكومة البريطانية بتحديث خططها للطوارئ، في غضون ذلك ، يقر من شاركوا في التخطيط العسكري بأخذ هذا الإحتمال على محمل الجد . يتمتع غابر بيليوس بخبرة شخصية في تقييم أهداف بوتين العسكرية. بصفته وزير خارجية لتوانيا خلال الغزو الروسي لأوكرانيا، اضطر لمواجهة إحتمال أن تكون بلاده التالية على قائمة بوتين .
يصرح الرجل لإليوت بالقول :” كان في أذهان الكثيرين أنه إذا سقطت أوكرانيا حقا في غضون يومين، فمن الواضح أن طموح بوتين لن يتوقف عند كييف . إذا أستطاع إكمال المسيرة، فسوف يستمر “.
يعلم بوتين أنه من شأن مهاجمة دولة عضو في الناتو، أنه سيكون في مواجهة مباشرة مع الحلف برمته ، وفقا للمادة الخامسة من الميثاق الأطلسي .
لكن وفقا لوزير خارجية لتوانيا ، تبدو أغراض واهداف بوتين أبعد كثيرا جدا من ذلك، إنه يتطلع إلى هدف نهائي يتمثل في تفكيك النظام العالمي الذي يدار من قبل الغرب وبعض الأهداف قريبة جدا منه “.
يشارك الوزير الليتواني الشاب في رأيه، الجنرال السير ” ريتشارد شيريف”، نائب القائد الأعلى السابق لقوات الناتو في أوروبا، والذي أخبر إليوت أن ” التحدي الذي يواجهه الناتو هو منع تحول الصراع إلى حرب ضروس، لأنني مقتنع تماما أنه إذا تمكن بوتين من تحقيق ما يريد ، فإنه قادر على ذلك“.
لكن كيف يمكن أن يمضي سيناريو الإزعاج الروسي لعموم القارة الأوربية، كبداية لحرب شاملة ؟
يتفق لاندسبيرجيس وشيريف على السيناريو الأكثر ترجيحا لهجوم بوتين .
يبدا المشهد من خلال عملية زائفة في دول البلطيق ، تليها أقليات روسية محلية تطالب بالحماية .
في كتاب شيريف” 2017 : الحرب مع روسيا”، تصور أنه بعد غزو أوكرانيا، سيثير عملاء موسكو الغضطرابات في لاتفيا ، حيث يقتل نشطاء مويدين للكرملين ونحت شارات على جثثهم لإلقاء اللوم على القوميين اللاتفيين . ثم يعدم قناصة موسكو متحدثين بالروسية في إحتجاج في العاصمة اللاتفية ” ريغا “، ما يجعل المشهد على الأرض مهيا بالنسبة لموسكو لغزو دول البلطيق ، بزعم حماية الأقليات الروسية في تلك الدول.
هل يعني ذلك أن الكيفية قد تم الإستقرار عليها ، وأن ما يتبقى بالنسبة لروسيا – بوتين هو التوقيت ؟ وإن كان ذلك كذلك فأي الدول الأوروبية التي تفكر جدا في سيناريوهات الردع المحسوم في المدى الزمني المنظور ؟
تبدو منطقة أووبا الشمالية، هي الميدان الأكثر ترجحيا للصراع بين روسيا والعالم الغربي ، وكأن التاريخ يعيد نفسه ثانية، ففي تلك المنطقة جرت حرب الشمالي العظمى ( 1700- 1721) ، حين تحدى بطرس الأكبر هيمنة الإمبراطورية السويدية ساعيا إلى تحويل روسيا إلى قوة عظمى .
هل اليوم شبيه بالأمس ، بمعنى أن بوتين يسعى بالفعل مجددا إلى مواجهة مع أوروبا إنطلاقا من تلك الرقعة الجغرافية في شمال أوروبا؟
يعتبر ” هوغو بلويت موندي”، الباحث المشارك في معهد يوروبيوم للسياسة الأوربية في براغ ، والذي تشمل إهتماماته روسيا وأوربا الشرقية ، أن فنلندا والسويد ، اللتان حافظتا على حيادهما الراسخ، سارعتا في الرد على الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022. وقد دفعتهما التجربة التايخية المشتركة للتوسع الروسي إلى غستنتاج أن موسكو تشكل تهديدا طويل الأمد يتجاوز أوكرانيا بكثير.
أعتُبر الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي أمرا ضروريا لمواجهة مساعي روسيا لإعادة صياغة نظام ما بعد الحرب الباردة بالقوة. ومنذ إنضمامهما ، عززت الدولتان دورهما كمزودين للأمن الأوروبي الأطلسي.
هل كانت تلك الدول يقظة لما يدور بالقرب منها، ولم توفر مكر التاريخ الهيجلي( نسبة إلى جورج هيجل )؟
الثابت أنه على العكس من العديد من نظيراتها الأوروبية ، حافظت القوات المسلحة الفنلندية على تركيزها على الردع بعد إنتهاء الحرب الباردة. وقد مكن هذا البلد الشمالي من لعب دور محوري في نظام الأمن الجماعي لحلف شمال الأطلسي ، فقد أنشأ وزير الدفاع الفنلندي ، أنتي هاكاتين، قيادة برية جديدة لحلف شمال الأطلسي العام الماضي، مُكلفة بقيادة الدفاع عن شمال أوروبا في حالة نشوب حرب.
أما السويد فقد عززت أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية بشكل ملحوظ بصفتها عضوا في حلف الناتو. والمعروف أن السويد تمتلك إحدى أكبر القواعد الصناعية الدفاعية في أوروبا، حيث تُصدر مواد دفاعية تتجاوز قيمتها ملياري دولار . كما أن موقع السويد في شبه الجزيرة الإسكندنافية يجعلها ذات أهمية إستراتيجية . إن فهم البحرية السويدية المباشر للتهديدات على طول ساحل بحر البلطيق الشاسع يُمكن حلف الناتو من تحسين إستراتيجيته البحرية تجاه المنطقة .
لكن وربما هذا هو الأهم من ذلك هو أن فنلندا والسويد توفران لحلف الناتو نطاقا جغرافيا واسعا، فقد أشار توبياس بيلستروم الذي شغل منصل وزير الخارجية السويدي بين عامي 2022و 2024، إلى أن توسع الناتو نحو الشمال الأوروبي يُسهم في ربط مناطق الشمال الأقصى وشمال الأطلسي والبلطيق ، وسيكون هذا أمرا حيويا للحلف في مواجهته لروسيا التي تركز على توازن القوى أكثر من إهتمامها بالمعايير والقيم الدولية .
لم تكن السويد وفنلندا فقط من دول الشمال الأوربي اللواتي أستشعرن بالخطر القادم من الجانب الروسي، فقد إزداد قلق النرويج من بروز تنافس القوى العظمى وتزايد خطر سوء التقدير في الشمال الاقصى.
في العام الماضي ، أطلقت الحكومة النرويجية خطتها الدفاعية طويلة المدى التي التي تعطي الأولوية للقدرة العملياتية والوعي الظرفي على طول ساحلها الممتد على طول 83.281 كيلومترا . وفي إطار هذه المقترحات ، أعلنت النرويج أنها ستنفق 600 مليار كرونة نرويجية ( 50.9 مليار يورو) على الدفاع خلال العقد القادم .
لكن يظل السؤال ماذا عن بعض الدول الأوربية العملاقةلا سيما المانيا؟ وما هي توجهاتها بالنسبة لمستقبل التعاطي مع روسيا- بوتين؟
الى قراءة قادمة
المراقب المراقب موقع مصري شامل يصدر عن شركة القاهرة الاخبارية