دراسة أعدها للنشر: إميل أمين
لعل السبب الأول ونقطة الإرتكاز الرئيسة في كينونة مجموعة العشرين ، مردها قوة وصلابة وضعها الإقتصادي العالمي ، فهي تمثل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم ، و 80 % من التجارة وثلثي السكان في العالم .
وتضم المجموعة بالإضافة إلى الإتحاد الأوربي 19 دولة هي الأرجنتين ، واستراليا ، والبرازيل ، وكندا ، والصين ، وفرنسا ، وألمانيا ، والهند ، وأندونيسيا ، وإيطاليا ، واليابان ، والمكسيك ، وروسيا ، والمملكة العربية السعودية ، وجنوب إفريقيا ، وتركيا ، وكوريا الجنوبية ، والمملكة المتحدة ، والولايات المتحدة الأمريكية .
وهناك بعض الدول مثل إسبانيا وهولندا ، التي تشارك في إجتماعات مجموعة العشرين ، بصفة ضيفين دائمين .
تعني تلك الحقائق أن هناك مقدرات قوة إقتصادية عالمية ، في أيدي تلك المجموعة ، وأنها قوة قادرة على صنع الصيف أو الشتاء ، حال أتفقت ، أو افترقت ، ومن هنا يكتسب حضورها على الساحة الدولية زخما شديدا .
يلاحظ المرء كذلك ، أن هناك قوى آسيوية ذات ثقل لا سيما الصين ، ليست من الأعضاء ، وربما لا ولن يسمح لها يوما بالإقتراب من حدودها ، إذ تعد قوة صاعدة ، وأن ليست مكافئ موضوعي بعد ، لكن في ظل نهج ينتشر بسرعة حول العالم ، كما الحال مع فكرة ، البريكس بلس، فإن مخاوف العشرين من النمور الآسيوية الجديدة ، تظل واضحة ، وتبقى لقاءات مجموعة العشرين في كل الأحوال لتنسيق الخطوط ، وتخليص الخيوط ، لصالح أجيال المجموعة القائمة والقادمة .
على أن علامة أستفهام أخرى ترتفع في الأفق :” هل لهذه المجموعة دور ، أو أدوار أخرى تتجاوز النظرة البراغماتية الضيقة لأعضاءها ؟
في أواخر شهر أكتوبر تشرين أول الماضي، وقبل نحو شهر من لم شمل عظماء إقتصاديات العالم ،بعث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ، برسالة إلى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بالإقتصادات العشرين الرائدة في العالم …ما الذي حملته الرسالة ، وما الذي يقلق السيد الجالس سعيدا في مكتبه في البيت الزجاجي ؟
المؤكد أن هناك رغبة لدى غوتيريش في أن تقوم المجموعة بتغيير المسار ، وقيادة الإنتعاش الإقتصادي والعالمي ، الذي يشمل البلدان النامية المتضررة بشدة من جائحة كوفيد-19 ، ومن تاثير الحرب في أوكرانيا ومن تغير المناخ .
رسالة السيد غوتيريش ،تكاد تحمل المجموعة عبئا أدبيا وأخلاقيا كبيرا ، وهذا في واقع الأمر صحيح ، سيما أن تلك الدول تتسبب في أكثر من 68% من تلوث المناخ العالمي ، ولا تزال يدها مغلولة عن مساعدة الدول الفقيرة ، وربما الإلتزام الخاص بتقديم نحو 100 مليار دولار مساعدات للدول النامية في مؤتمر غلاسجو للمناخ في العام الماضي ، لا تزال حبرا على ورق .
تكتسب مجموعة العشرين أهمية خاصة بالنسبة لإقتصادات دول العالم الثالث بنوع خاص ، إنطلاقا من قدرتها على التعاطي مع واحدة من أعقد القضايا الإقتصادية العالمية ، أي أزمة الديون العالمية ، والتي باتت خانقة ، ولم يعد أحد قادرا على تحمل أعباءها وتبعاتها ، ويمكن لدول هذه المجموعة ، أن تعفي الكثيرين منها ، أو في أضعف الأحوال أن تحولها إلى إستثمارات تدر دخلا ، وتساعد على دفع الإقتصاد العالمي ، في مدارات بعيدة عن الركود والتضخم العالميين واللذان يحلقان بقوة فوق سماوات العالم شرقا وغربا .
لقد بات النظام المالي العالمي غير عادل ، لا سيما من جراء إعتماده على تحليلات قصيرة الأجل للتكلفة والعائد ، ما يميز الأغنياء على الفقراء .
واحدة من أهم الحقائق الإقتصادية العالمية التي تكرست في الأشهر الأخيرة ، لا سيما بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ، موصولة بالأوضاع المالية العالمية ، وما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص من سياسات مالية حمائية تستهدف تقوية عملتها المحلية الدولار ، والتي هي في ذات الوقت المرجع الأكبر لكافة عملات العالم .
رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة على الدولار أربع مرات متتالية ، وفيما الدولار يزداد قوة ومتانة ، كانت أوضاع عملات العالم المختلفة تتراجع ، بل إن بعضها هوى بشكل غير مسبوق .
لم يتوقف المشهد عند هبوط قيمة العملات لدى غالبية دول العالم ، بل كرس الأمر المزيد من المشكلات الإقتصادية ، بدءا من زيادة أسعار السلع والخدمات ، والإضطراب في أسواق النفط العالمية ومعدلات أسعارها ،وعجز الكثيرين في داخل الدول النامية والفقيرة ، عن القيام بواجباتهم الإعتيادية تجاه أعباء الحياة اليومية .
التطورات الأخيرة على هذا النحو ، باتت تمثل مهددا حقيقيا للإستقرار الإجتماعي ، ما دعا إلى الخوف من أن تشهد دولا بعينها قلاقل وإضطرابات أمنية ، لا سيما من قبل الجموع الغاضبة الغير قادرة على تأمين لقمة العيش لأسرها .
على عتبات بالي تساءل الكثيرون ، هل ستتمكن بقية الدول الأعضاء من إقناع الولايات المتحدة بإجراء تغييرات في سياساتها في سياساتها النقدية ، الأمر الذي يعود بالجميع إلى واحدة من أهم القواعد الإقتصادية العالمية :” عش ودع الأخرين يعيشوا “.
عند الكثير من المراقبين الماليين أن واشنطن لابد لها هذه المرة من أن تفكر في مسار أخر غير المسار البراغماتي التقليدي ، والإ فإنها ربما ستجد الدولار في تراجع عن مكانته العالمية التقليدية ، وبخاصة في ظل ما جرى مؤخرا من إحلال الروبل الروسي في المعاملات مع عدد من الدول ومنها الإتحاد الأوربي .
والمؤكد أن الروبل بنفسه ، لن يتمكن في المدى المنظور من مقارعة الدولار ، لكن توجه دول البريكس ، بما فيها من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ، عطفا على بقية الدول المنتظر إنضمامها إلى ما يسطلق عليه ، دول البريكس بلس ، يمكن أن يخلق سلة عملات تختصم بحال من الأحوال من قوة الدولار التقليدية يوما تلو الأخر .
وبقدر ما تبقى مسألة تغيير واشنطن لسياساتها النقدية مهمة لبقية العالم ، فإن إيجاد مسارب أمل حول أزمة الديون العالمية ، تظل هاجسا مخيفا للجميع ، بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية عينها ، تلك التي تجاوزت ديونها لبقية دول العالم 30 تريليون دولار ، وهو أمر مزعج لا سيما إذا تخيل البعض أن واشنطن لن تقوم يوما ما بسداد اذونات الخزانة الخاصة بها لأي دولة تملكها ، وساعتها سيكون الإنهيار العالمي حدثا مؤكدا وبشكل يجعل من أزمة الإقتصاد العالمي في ثلاثينات القرن الماضي ، قصة أطفال بالنسبة لما ستجري به المقادير .