دراسة أعدها للنشر: إميل أمين
تمر هذه الأيام مائة عام بالتمام والكمال ، على إكتشاف حجر رشيد ، ومعه يتصاعد التساؤل :” متى تعود كنوز مصر المسروقة ؟ .
أما عن تاريخ الحجر ، فيشوبه كثير من الغموض في الماضي ، إذ ترجح مصادر أنه وضع في معبد بالقرب من إحدى قرى مركز بسيون ، بمحافظة الغربية ، بالقرب من فرع النيل المعروف باسم ” رشيد “، وهو أحد فرعي نهر النيل ، ولهذا عرف لاحقا باسم “حجر رشيد”.
يبلغ إرتفاع الحجر 113 سم ، وعرضه 75 سم ، وقد أكتشفه،” بيير فرانسوا بوشار ” أحد ضباط الحملة الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت لإحتلال مصر ، في 19 يوليو من عام 1799 .
لاحقا عرف ما هو مكتوب على الحجر ، فقد كان تمجيد لفرعون مصر وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر ، وقد كتب ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة .
كان الشكر يدور حول خفض الضرائب التي يقوم المعبد بدفعها للقصر عن منسوجات ” بيسوس ” بمقدار الثلثين ، كما قام بإصلاح ما تعطل من الأمور خلال سنوات ، وأهتم بتنفيذ كل الواجبات المتوارثة منذ القديم نحو آلهة المصريين ، مع الأخذ في عين الإعتبار أن الحاكم بطليموس ، سليل البطالمة ، وليس من صُلب المصريين القدماء أو الفراعنة .
مسيرة حجر رشيد مسيرة للتفكير ، فغالبا ما أنتقل الحجر من أحد المعابد ، إلى طابية رشيد ، أو القلعة التي بناها العرب وقت فتح مصر، وغالبا ما كانوا يحصلون من المعابد المصرية القديمة على الأحجار اللازمة لإتمام أبنيتهم ، وقد عثر على الحجر بينما كان جيش نابليون يحفر أساسات أحد الحصون في مدينة رشيد .
تقول عالمة المصريات ، إيلونا ريغولسكي ، إن أهمية هذا الحجر المنقوش ، قد عرفت على الفور ، حتى من قبل الجنود والضباط الفرنسيين ، الذين لا دالة لهم على علوم المصريات ، وقبل أن يصل الأمر إلى علماء الحملة الفرنسية الثقات ، والمعروف أن نابليون بونابرت في حملته على مصر ، اصطحب معه نحو مائتي عالم في جميع التخصصات العلمية والطبية والتاريخة والإجتماعية .
لاحقا وحين تعرض نابليون وحملته لهزيمة ساحقة من جانب القوات البحرية الإنجليزية ، وفيما عرف باسم حملة فريز، وبموجب شروط الهزيمة ، قامت القوات البريطانية بشحن الحجر إلى بريطانيا ، وتحديدا إلى المتحف البريطاني في عام 1802.
بحسب عالمة المصريات إيلونا ريغولسكي ، فإنه تم تصنيع نسخ من الحجر وشحنها إلى المشتغلين بعلوم المصريين القديمة في جميع أنحاء أوربا ، وذلك في محاولة مبكرة للتعهيد الجماعي ، أي محاولة فك أسرار الشفرة المكتوبة على الحجر .
خلال عامين من إكتشاف الحجر ، كان لدى كل دولة أوربية تقريبا نسخة منه ، ما يدل على الوعي والإهتمام الأوربيين المبكرين من قبل العلماء لأهمية النص ، ومحاولة تسريع العملية .
لم يكن الإهتمام الأكبر منصبا على من سيفك الرموز أولا ، وإنما كان الهدف الرئيس هو الوصول إلى المفتاح الذي يفتح الطريق لمصر القديمة وحضارتها ، وقد تبين لاحقا أن الحجر قولا وفعلا كان كذلك ، رغم أن الأمر أستغرق نحو عقدين من الدراسات اللغوية المضنية .
حين يذكر أسم شامبليون ، يكون الصنو والمرادف له ، مكتشف حجر رشيد .
ولد شامبليون في 23 ديسمبر 1790 ، في مقاطعة فيجاك الفرنسية ، ونظرا لإضطراب الأحوال السياسية في البلاد في أعقاب الثورة الفرنسية ( 1789-1799)، لم يستطع الإلتحاق بالتعليم الرسمي ، فوجهه شقيقه الأكبر جاك جوزيف ، نحو تلقي دروس خاصة في اللغتين اللاتينية واليونانية .
بعد أن هدأت الأحوال ، أنتقل شامبليون إلى مدينة غرونوبل للإلتحاق بمدرسة ثانوية ، وكان شقيقه يعمل باحثا في معهد البحوث الفرنسية ، وفي سن 13 عاما بدأ الإهتمام بدراسة اللغات الشرقية ، ومن بينها العربية والسريانية والعبرية .
أشتهر شاملبيون منذ طفولته بنبوغه في مجال اللغويات حيث قدم أولى أوراقه البحثية حول فك رموز اللغة الديموطيقية سنة 1806 ، وكان له من العمر ستة عشر عاما .
في العام 1820 ، شرع شامبليون بجدية في مشروعه لفك رموز الكتابة الهيروغليفية ، وسرعان ما طغت إنجازاته على إنجازات العالم الإنجليزي الموسوعي ، توماس يونغ ، والذي حقق أولى النجاحات في مجال فك الرموز قبل سنة 1819 .
عام 1822 نشر شامبليون أول كتبه في هذا المجال ، أي حول فك رموز اللغة الهيروغليفة المنقوشة على حجر رشيد ، وكان إستنتاجه أن نظام الكتابة المصرية القديمة ليس سوى مزيج من الإشارات الصوتية والرموز .
هل أصابت لعنة الفراعنة التقليدية شامبليون ؟
المؤكد أنه توجه إلى مصر عام 1829 ، وهناك قدر له أن يقرأ الكثير من النصوص الهيروغليفية ، التي لم تتم دراستها من قبل ، وعاد إلى فرنسا بمجموعة كبيرة من الرسومات الجديدة للنقوش الهيروغليفية .
وصل شامبليون إلى مصر في أغسطس آب عام 1828 ، وكتب يقول :” لقد وطأت أرض مصر التي طالما تاقت نفسي إليها ، واستقبلتني كأم حنون ، كما أرتويت من ماء النيل “.
لعام ونصف زار شامبليون نحو خمسين موقعا أثريا مصريا
وكتب تفاصيل ونتائج رحلته في ستة مجلدات كبيرة بعنوان ” آثار مصر والنوبة “، سجل فيها مشاهداته عن زيارته للآثار المصرية القديمة وتعليقاته التفصيلية ، والنصوص التاريخية خطوة بخطوة خلال إعادة إكتشاف مصر القديمة وقد كتب لأخيه يقول :” لقد جمعت أعمالا تكفيني العمر كله “.
لكن ومن اسف لن يطول العمر بالمكتشف العبقري الشاب شامبليون ، فقد قضى بعد عودته من مصر بأمراض عدة منها السل الرئوي والسكر والوهن ، وقال البعض أن مرضا غامضا أصابه فيما كان في مصر وغالبا لعنة الفراعنة .
عن عمر لم يتجاوز 42 عاما ، رقد شامبليون بعد أن أوصى بخروج موكب جنازته من مكتبه مبررا ذلك بالقول :” إن علمي ولد هناك ، وأنا وهو نكون وحدة لا تنفصم إننا شيئ واحد “.