المراقب : وحدة الأبحاث
هل تعني التجارب الخاصة بالذكاء الاصطناعي أن الإنسانية على موعد مع أنصاف البشر وأنصاف الآلات ؟
الشاهد أنه ربما يكون التساؤل الأكثر حساسية ، موصول بمن ستكون له الغلبة في نهاية تلك المسيرة ، أي هل ستنتصر الآلة على بقايا البشر ، أم سيظل البشر هم أصحاب القيادة والريادة ، مهما طفا على السطح خلاف ذلك ؟
حين ضربت الجائحة الخاصة بفيروس كوفيد-19 قبل نحو ثلاثة أعوام ، ومع ظهور اللقاحات ، لا سيما تلك التي طورتها شركات الأدوية الأمريكية ، طفا على السطح حديث الشرائح الإلكترونية ، والتي قيل أن الفاكسينات تحتويها .
بالطبع وجدت تلك الرؤى إستهجانا كبيرا في الوسط العلمي العالمي ، لكنها تركت تاثيرا مؤكدا في الكثير من المجتمعات التي تؤمن بنظرية المؤامرة .
حديث الشرائح هذا ، يجد اليوم ، له صدى كبير في عالم السايبورغ، لا سيما من خلال الإشارة إلى شرائح ذكية ، يمكن أن تدمج في العقل البشري ، لتفرز أجيالا أقرب ما تكون إلى أنصاف البشر ، الذين يحققون سموا على الطبيعة البشرية الإعتيادية.
يحاجج أنصار السايبورغ بأن الأمر لا يتجاوز القدرة البشرية على إبتكار أدوات وتقنيات ذكية ، جديدة وغير مسبوقة ، من شأنها أن تحقق التفوق للجنس البشري .
لكن على الجانب الأخر ، وفيما يشبه رؤى الخيال العلمي ، يمكن أن تضحى تلك التكنولوجيا الطريق إلى الفناء والإندثار، سيما مع عدم المقدرة على التنبؤ بالتطورات وهل ستحقق الآلة عند نقطة معينة كفاءة تفوق الذكاءالبشري ، أو أن تضحى تلك الخلايا قادرة على التفاعل والإنقسام بالضبط ، كما الخلايا البشرية الإعتيادية .
أحد الذين تصدوا للجواب عن التساؤل المتقدم ، البروفيسور “جيمس لوفلوك “، كاتب الأساطير والخيال العلمي وعالم البيئة والكيمياء الحيوية ، وعالم الأرصاد اللغوية واستاذ الجامعة من المملكة المتحدة .
في كتابه الخاص بالذكاءالإصطناعي يقول :” إن العالم سيترك عصر الأنثروبوسين ( عصر التأثير البشري الكبير على جيولوجيا الأرض)،عندما يكون للنشاط البشري تاثير مهيمن على الكوكب ، للدخول في عصر نوفاسين ( عصر الذكاء الفائق ) ،حيث تلعب أنظمة الذكاء الإصطناعي الدور الرئيس .
حديث لوفلوك مخيف إلى حد الإزعاج ، إذ أنه يرى الخطوة الاتية في الإنتقاء الطبيعي ، بمعن أن السايبورغ سوف يمكنه التكاثر والتطور ، وحتى أن يفكر أسرع الاف المرات من البشر ، وذكاؤها سيقدر بذكاء البشر مقارنة بالنباتات .
أحد أهم العقول المفكرة التي يتوجب علينا الوقوف أمامها ونحن نتناول شؤون وشجون عالم السايبورغ ، الفيلسوف والعالم السويدي ،”نيكولاس بوستروم ” المدير المؤسس لمعهد مستقبل الإنسانية ، في جامعة أكسفورد البريطانية .
أشتهر بوستروم بأبحاثه في المخاطر الوجودية للتقنية ، والمبدأ الإنساني وعواقبه على نظرتنا للعالم ، ولدورنا فيه ، والذكاء الفائق ، وما يمكن أن يفضي إليه من مشكلات غير مرتقبة أو مراحل حضارية جديدة .
بوستروم من الأوائل الذين وضعوا البشرية أمام خصائص مفادها أن ما يعجز الكثيرون عن إدراكه اليوم ، هو أن التقنية لن تكتفي بتغيير محيطنا أو الأثير في تصرفاتنا فحسب ، كما يشهد بذلك عصر الهواتف الذكية الذي صاحبته ظواهر التشظي والإنعزال عن المجتمع من جهة ، والإنجراف وراء أهواء وموضات جديدة من جهة أخرى ، بل سيحين الوقت عاجلا أم آجلا لأن تتصرف فينا جسدا وعقلا ، مما سيفتح الباب أمام تغيرات ونتائج لا تخطر على أذهان كثيرين .
يحدثنا بوستروم في كتاباته عن تقنية النانو تكنولوجي ، وهي تقنية تصنيع مرتقبة ستجعل من الممكن بناء تراكيب معقدة ثلاثية الأبعاد ،وفق مواصفات ذرية بإستخدام تفاعلات كيميائية موجهة عبر آلات غير بيولوجية .
في التصنيع الجزئي ، ستذهب كل ذرة إلى مكان مختار ، للترابط مع ذرات أخرى بطريقة دقيقة محددة ، وتتعهد تقنية النانو بإعطائنا تحكما كاملا في بنية المادة .
يتوقف بوستروم طويلا عند العتبة الاولى للسايبورغ من خلال ركيزة ستخلق عالما جديدا ، تلك الموصولة بعالم الذكاء الفائق أو العقل الفائض الذكاء ، والذي يطلق عليه أحيانا الذكاء الخارق ، وهو نفسه الذي يملك القدرة على التفوق بشكل جذري على أفضل العقول البشرية في كل مجالات الحياة ، بما في ذلك الإبداع العلمي ، الحكمة العامة ، المهارات الإجتماعية .
يفتح بوستروم الطريق للتفكير ، فيما وراء الإنسان الطبيعي ويجعلنا نتساءل عن اسم أخر بعينه ، تردد بشكل واسع في السنوات والأخيرة ، ويكاد يحدث إنقلابا في هذا المجال ..ماذا عن هذا ؟
_____________________
إلى قراءة لاحقة بإذن الله .