خاص بالمراقب
من أفضل المفكرين الذين تناولوا قصة العلاقة بين المثقف والسلطة ، سيما إذا كان مناضلا ، من نوعية المثقف العضوي الذي تحدث عنه المفكر الإيطالي اليساري الكبير ، أنطونيو غرامشي ، كان الدكتور إداود سعيد ، رجل الإستشراق الشهير ، عبر كتابه ” المثقف والسلطة “.
بحسب غرامشي ، فإن جميع الناس مفكرون ، ولكن وظيفة المثقف أو المفكر في المجتمع ، لا يقوم بها كل الناس .
يقسم غرامشي وظيفة المفكر أو المثقف إلى قسمين :
الأول : يضم المثقفين التقليديين مثل المعلمين ورجال الدين .
الثاني : يضم المثقفين المنسقين المرتبطين مباشرة بالطبقات أو المشروعات التي تستخدم المثقفين في تنظيم مصالحها .
هل يمكن إختزال صورة المثقف في أصحاب مهنة بعينها ، أم أنه من الوارد أن يكون الفنان والممثل ، عطفا على الكاتب والإذاعي على درجة من الوعي الثقافي ، ما يمكنه من حمل رسالة ما أو تمثيل وجهة نظر بعينها ، ومن ثم يتجسد ذلك والإفصاح عنه عبر مجتمع ما ، وتمثيل ذلك باسم المجتمع ؟
تكاد الأمثلة المتقدمة تقدم لنا صورة للفنان المستقل ، والمفكر أو الكاتب المتجرد عن الحزبية ، والتي تعتبر صورة للشخصيات القليلة الباقية المؤهلة لمقاومة ومحاربة التنميط .
هنا لا يضحى إشتباك المشاهير مع عالم السياسة ، أو التطلع إلى البيت الأبيض مجرد شهوة عابرة ، بل فعل تلاحم حقيقي بهدف تغيير الواقع .
والشاهد أن الذين لديهم علم من كتاب أحوال المؤسسة السياسية الأمريكية ، يدركون عمق الإشكالية ، حيث باتت مهترئة وفاسدة في جزء غالب منها ، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام رموز المجتمع من المثقفين بإختلإف خلفايتهم الفكرية للمشاركة في إستنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية ، والبحث عن وجوه غير ممجوجة قادرة على إستنهاض الحياة السياسية ، وتجديد الدماء في شرايين السلطة التنفيذية للبلاد ، حيث البيت الأبيض في المقدمة من تلك السلطة ، بل وعلى رأسها .
عرف الكاتب البريطاني الشهير ” جورج أورويل ” صاحب رائعة ” 1984 ” ، بأنه أحد أهم المفكرين الذين تناولوا قضية الأخ الأكبر في الداخل الأمريكي .
في الوقت عينه ، يمكن إعتباره من أفضل الذين قدموا لدور المثقف الأمريكي تحديدا ، وما يتوجب عليه القيام به ، وذلك من خلال عبارته الشهير :” نحن في عصر أصبح فيه من واجب الأعمال الإبداعية أن تطلق الرصاص”.
هل يمكننا تصور أفكار المشاهير الساعين للعب دور في الحياة السياسية الأمريكية كطلقات رصاص مجازية تبدل الأوضاع وتغير الطباع ، كما يتبدى خاصة في الرؤى اليوتوبية والأحلام الطهرانية التي تطلقها الكاتبة الأمريكية ماريان ويليامسون ، أحدث وجوه الإنتلجنسيا الأمريكية المنضمة إلى قافلة مطلقي الرصاص ، على حد تعبير أورويل ؟
ربما يتمتع الفنان والكاتب والأديب ، بقدرة أكبر على إستجلاء المشهد العام بابعاده الزمنية ، لا سيما المستقبلية منها ، فالفن والأدب ، السينما والمسرح ، الكتابة والقراءة ، تجعل صاحبها ينفتح على العالم ، ويخوض في مجال ما هو غير مرئي ، يفتح الآفاق الواسعة للحلم ، وبرؤية نقدية للمجتمع الذي ينتمي إليه ، وللمنظومة الإنسانية بشكل أكبر وأعمق ، ليغترف من تجارب الأمم المتباينة ، من غير خجل أو وجل ، وبدون عقد أو حساسيات ، وقيمته تتساوق مع قدرته على الإقتراب من مواطنيه، والإحساس بهم ، وفي نفس الوقت مع مقدرته على الحفاظ على مساحة أمان من السلطة الحاكمة .
هل من خلاصة ؟
من المؤكد أن ما يحدث في قصة الترشح للرئاسة الأمريكية ، يمكن فهمه عبر رؤية الشاعر والناقد والمصلح التربوي الإنجليزي ،” ماثيو أرنولد “، والذي ذهب إلى أنه من المفترض أن يتولى أهل الثقافة الإفصاح عن الذات الفضلى، وعن الأفكار .
المثقفين لا يعيبهم أن يكونوا مشاهير ، إنهم افراد تؤهلهم قدرتهم على التفكير والحكم لتمثيل أفضل الأفكار ، وتمكينها من السيادة والغلبة لمصلحة ونفع المجتمع كله .
لم يكن ريغان أو شوارزنيجر فقط هما من أغوتهما وأغرتهما اضواء البيت الأبيض ، إذ تطول القائمة ، ومن أحدثها اسم النجم الأمريكي العالمي ،”دوين جونسون ” المعروف ب ” ذا روك “، صاحب الحضور السينمائي الطاغي والمميز عبر الشاشة الذهبية والفضية على حد سواء .
في فبراير شباط من العام 2021 ، تحدث جونسون عن فكرة ترشحه لإنتخابات الرئاسة الأمريكية ، وكيف أنها تراوده ، لا سيما إذا كان هذا ما يريده الأمريكيون ، على حد تعبيره .
فكر جونسون في الترشح للرئاسة عام 2017 ، إنطلاقا من مناهضى تامة للرئيس ترامب ، وبعد أربع سنوات أي قبل نحو عامين جدد ” ذا روك ” الفكرة .
لاحقا وفي أكتوبر 2022 ، تراجع جوسنون عن الأمر ، معلنا أنه لن يترشح لرئاسة أمريكا 2024 ، رغم تفوقه في إستطلاعات رأي جماهيرية سابقة ، مفضلا إختيار اسرته ودوره كاب على حساب أي مشاركة سياسية أخرى ، وموضحا أن بناته حاليا في سن حرجة ويحتاج للتواجد بقربهما افضل من أي شيئ أخر في الحياة ، رغم حبه الكبير لبلده ، سيما أنه تغيب لسنوات عن منزله ، وأبتعد عن نشأة ابنته الأولى بسبب العمل ، لذا فإن أولويته حاليا هي لعب دوره كرب أسرة .