المراقب : وحدة الدراسات
في أكتوبر 2020 نشرت النيويورك تايمز الأمريكية ومن جديد تقريرا عن آليات إستخدام الولايات المتحدة للقوة ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة ، وكيف أنها كقوة كبرى سعت للهيمنة على العالم قسرا وجبرا ، منتهكة قواعد العدالة الدولية ، وعازمة على اللجوء إلى القوة الخشنة بمفردها لتحقيق نزعتها الإمبراطورية .
من البيانات المثيرة في هذا السياق ، القول أن الولايات المتحدة لطالما كانت دولة محاربة ، ذلك أنه ومنذ إعلان إستقلالها في 4 يوليو 1776، وعلى مدى تاريخها الذي يزيد عن 240 عاما ، كانت البلاد دوما في حالة حرب عدا فترة تقل عن 20 عاما .
أحد أهم الباحثين الأمريكيين الذين أولوا إهتماما لتلك الجزئية ، داكوتا وود ، الزميل البحثي البارز المتخصص في برامج الدفاع بمركز الدفاع الوطني التابع لمؤسسة التراث الأمريكية ، هيريتاج ، والذي توصل إلى أن الولايات المتحدة “كل 15 عام أو نحو ذلك ، تدخل في صراع مسلح جديد .
واشنطن وللحفاظ على هيمنتها ، والحديث ل ” وود ” أنتهكت بشكل صارخ مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأعراف القانون الدولي مرات عديدة .
هل يمكن أن نعدد الحروب التي دخلتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة ؟
البداية من عند الحروب في شبه الجزيرة الكوية وفيتنام وكوسوفو ، ثم الموجة الثانية في أفغانستان والعراق ،ولاحقا سوريا ، عطفا على العمليات العسكرية ذات الطابع السري التي جرت على نحو مكثف منذ العقدين الماضيين .
ماذا عن بقية التقارير التي توضح إدمان أمريكا على القيادة بالقوة ؟
في مارس 2021 ، أصدرت مجموعة ” كود بينك “، وهي مجموعة أمريكية مناهضة للحروب تقريرا رصدت فيها بعض الحقائق ، ومن بينها أن أمريكا وبعض من حلفاءها واصلوا قصف دول أخرى على مدار العشرين عاما الماضية ، حيث أسقطوا في المتوسط اكثر من 40 قنبلة في اليوم .
أما ستيفن والت ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد ، فقد سطر عبر دراسة مطولة لخه منشورة بمجلة الفورين آفيرز عبارات يفهم منها ما يجري وبعض منها يقول :” إن الحملات التي نهاية لها في الخارج تطلق العنان لمجموعة من القوى السياسية والعسكرية الأمريكية ، لا سيما السرية ، عطفا على السلطة التنفيذية المعززة ، لإظهار المزيد من كراهية الأجانب ، والوطنية الزائفة ، والديماغوغية ، وجميعه تتعارض مع الفضائل المدنية التي تعتمد عليها الديمقراطية الصحيحة .
هل العسكرة إذن طرق الفرار الأمريكي وستار المشروعية الوهمي للنخبة المسلحة التي تنتهج نهج المواجهة والهروب إلى الأمام مرة وإلى الأبد ؟
أحد الركنين الرئيسيين الذي تقوم عليه فلسفة الوجود الأمريكي ، فكرة مدينة فوق جبل ، بجانب طرح القدر المستنير ، وكلاهما يعني أن الأقدار الإلهية هي التي أختارت لواشنطن مكانها ومكانتها حول الكرة الأرضية ، وأنها من خلال نموذجها اليوتوبي ، سوف تضحى وإلى ماشاء لله مدينة تنير للعالم ديمقراطية وحقوق إنسان ، عدالة وكرامة إنسانية ، دفاع عن الحريات الشخصية والحق في إعتناق المرء ما يشاء من معتقدات دينية أو لا يعتقد .
غير أن من يطالع واحدة من أهم الإستراتيجيات الأمريكية في العقدين الأخيرين يخلص إلى أن أمريكا ليست مدينة فوق جبل ، بل فوق قواعد عسكرية منتشرة حول العالم .
في 17 سبتمبر 2002 جاء في تلك الإستراتيجية ما نصه :” إن وجود القوات الأمريكية في الخارج هو أحد أعمق التزامات الولايات المتحدة تجاه حلفاءها وأصدقائها . تثبت الولايات المتحدة عزمها على الحفاظ على توازن القوى لصالح الحرية من خلال استعدادها لإستخدام القوة للدفاع عن أنفسنا وعن الآخرين . لمجابهة عدم اليقين وتحديات الأمن الكثيرة التي نواجهها ، ستحتاج الولايات المتحدة إلى القواعد والمحطات في أوربا الغربية وخارجها ، وفي شمال شرق آسيا ، ستحتاج ايضا إلى إتاحة مؤقتة لنشر قوات الولايات المتحدة على مسافات بعيدة “.
هل عكست تلك الإستراتيجية روح ما بعد الحرب الباردة ؟
المعروف أنه اثناء الحرب الباردة ، كان المبدأ العسكري المعياري هو أن للقواعد الاجنبية مهما أربعة : تواجد القوة العسكرية التقليدية في المناطق التي تهم الولايات المتحدة ، الإعداد ، في حالة الضرورة ، للحرب النووية ، العمل كنقاط انطلاق تضمن الإستجابة الأمريكية السريعة للهجمات . توظيفها كرموز للسطوة الأمريكية .
وفي واقع الحال ، ظلت الولايات المتحدة ، منذ نهاية الحرب الباردة تبحث ، دونما توقف ، عن مبررات جديدة لبنى قواعدها دائمة التوسع ، بدءا من التدخل الإنساني إلى نزع أسلحة العراق .
ويبقى السؤال متى تغير امريكا قناعتها بالقوة الخشنة وتعمد من جديد الى تفعيل قواها الناعمة ؟