نداء عودة
كان يبكي فلسطين كلّ ليلة وحيداً وحَلِم بأنّ يعود فتَنتَفي عنهُ صفة لاجيء.
في مثل هذه الأيام الشتائيّة من العام الماضي، قَدمَ إلى بيروت المناضل الأممي هيرغاوا، وعلى مفكّرتهِ مجموعة َمن أسماء القرى الفلسطينية التي قد تسهى عن تدوينها كثير من الخرائط الرسمية، أراد هيرغاوا أن يصوّر عائلات يعود أصولها إلى هذه القرى وهُجّرَ أهلها منها، فكانت جولة معه لمساندته في مخيّم شاتيلا، أما عن العائلات والمعرفة بها، فجاءت نصيحة أهالي المخيم أن نلجأ لأبو أحمد الصالحاني في بيته، فهو عميد المخيم، لوقاره وحكمته ومعرفته بالاهالي وقراهم الأصلية. ووجدنا أنفسنا أمام أيقونة من الصبر والكفاح، فهذا الرجل يحترمه كل الناس ويسمعون لنصائحه في مواصلة التماسك والتمسّك بفلسطين رغم الظروف الأشدّ صعوبة التي يعيشها اللاجئين في المخيّمات، وهذا الرجل أكبر سناً من الدولة التي أقامها الإحتلال الصهيوني على أرضه وعلى أنقاض احلامهِ، ومع كلّ رباطة جأشهِ، كان أبو أحمد يبكي على وسادته كلّ ليلة قبل أن ينام.
كنت أرغب في مزيد من اللقاءات معهُ، لكنّ أبو أحمد رحل تاركاً من خلفهِ اجيالاً تأثرت به وعرفت قصة الشاب الذي إمتلك أرضاً ومواشٍ في البصّة، وكان يعيش على أرضه ملكاً يزرع ويقلع كما قال، ثم تقدّم لخطبة فتاة جنوبية صارت زوجته وأمْاً لأولاده فيما بعد، فهو كان يأتي بالمواشي إلى يَعطر وبنت جبيل وغيرهما من القرى، إلى أن إتقضّ كابوس الإحتلال على حياته فتحوّل لاجئاً، ولم تُمحَ هذه الصفة عن أوراقه لأنه لم يَعُد إلى فلسطين.
عاش أبو أحمد في فلسطين ملكاً وغادرها لاجئاً، وفي عينيه كانت تراجيديا مجزرة صبرا وشاتيلا تروي حكاياتها و حكاية إبنهُ الذي إستُشهدَ فيها. وبذلك يكون ابو أحمد شاهداً من فلسطين وشهيداً لها.
تمام
🌹
في ذكرى النكبة.. رسائل في عدة اتجاهات من أجل تصحيح المسار وتقويم الذات
بقلم : ثائر نوفل أبو عطيوي
لم يعد متسعًا من الوقت السياسي ومن الجهد الوطني لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية 75 ضمن إطار التنظير أو السرد التاريخي الطويل لقضية الأرض المحتلة فلسطين، أو لتسليط الضوء على المعاناة والوجع الفلسطيني في كل عام ضمن رؤية متكررة وتصريحات فضفاضة وأقلام هائمة في إسقاط معاجم اللغة والأسلوب في مفردات ما تكتب عن ذكرى النكبة، أو حتى لمصطلحات وأفكار تشبه مسلسلات الدراما التي معروف نهايتها قبل بدايتها…
اليوم وفي ظل إحياء النكبة 75، لا بد أن يكون الإحياء للذكرى مغايرًا ومختلفًا تمامًا، نظرًا للعديد من الاعتبارات السياسية التي يمر بها شعبنا الفلسطيني بكافه مفرداته وأحواله وتفاصيله، لكي يتم وضع النقاط السياسية فوق الحروف الوطنية ضمن استقلالية وشفافية وموضوعية تامة.