المراقب : وحدة الدراسات
في أغسطس من عام 2017 كان جيش كوريا الشمالية يعلن عن وضعه للمسات الأخيرة لخطته ضد جزيرة غوام الأمريكية في المحيظ الهادئ، ووقتها تردد ان الخطة ستعرض على الزعيم الكوري الشمالي للموافقة عليها .
لم تكن خطة الجيش الكوري الشمالي تقضي بالهجوم المباشر على جزيرة غوام ، بل كانت تمضي في طريق إطلاق أربعة صواريخ بصورة متزامنة ، تعبر فوق مناطق شيمان وهيروشيما وكويشي اليابانية .
كانت الخطة تقضي بأن الصواريخ ستحلق لنحو 17 دقيقة و45 ثانية على مسافة 3356.7 كلم وتسقط في البحر على مسافة 30 أو 40 كلم من غوام خارج المياه الإقليمية الأمريكية .
لم تبد الرئاسة الأمريكية في ذلك التوقيت ، حيث كان دونالد ترامب يشغل البيت الأبيض ، ردات فعل مثيرة ، بل على العكس من ذلك ، لجأ ترامب وقتها إلى أسلوب المزح حين اشار إلى أن جزيرة غوام حصلت على حملة ترويجية مجانية بفضل تهديدات بيونغ يانغ ، حيث بات الكل يعرف هذه الجزيرة الواقعة بين جزري هاواي والفلبين .
وفي مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي وحاكم جزيرة غوام إدي كالفو ، قال ترامب :” إن تدفق السياح سيزداد عشرة أضعاف دون الحاجة لأية حملة إعلانية أو إعلامية تتطلب نفقات مالية ، لذلك أهنئكم ، كما توقع لكالفو “شعبية جنونية “.
غير أنه رغم التصريحات الكوميدية من الرئيس الأمريكي السابق ترامب ، الإ أن تقديرات الموقف العسكري الأمريكي كانت تمضي في إتجاه أكثر إثارة ، لتعزز من الحضور العسكري من حول الجزيرة ، وبخاصة في ضوء التهديدات القادمة من القطب المناوئ للولايات المتحدة في الحال والإستقبال …من أين تأتي المخاوف هذه المرة ؟
يعرف المشتغلون بالشؤون الإستراتيجية الدولية أن كوريا الشمالية ، ليست سوى تابع للصين ، وأن بكين تزود بيونغ يانغ بالوقود اللازم لإدارة شؤونها كل ثلاثة أيام .
من هنا يمكن للمرء إعتبار أي فعل عسكري كوري شمالي ، ضمن نطاق التوجهات الصينية الكبرى في صراعها المحتوم مع الولايات المتحدة الأمريكية ، لا سيما في مجال المحيط الهادئ بشكل عام .
هل تضع القوات الصينية البحرية والجوية والصاروخية ، غوام ، في مرمى نيرانها ؟
يبدو أن ذلك كذلك قولا وفعلا ، وهو ما اشار إليه في مارس 2021 قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهاديء، الأدميرال “فيليب ديفيدسون “، بقوله إن الصين قد تغزو تايوان خلال 6 سنوات ، وتهدد جزيرة غوام .
وبشيئ من التفصيل قال ديفيدسون :” أخشى أن يكونوا بصدد تسريع مشروعهم الراحي للحلول مكان الولايات المتحدة بقدوم عام 2050 ، وأضاف خلال جلسة غستماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي :” أخشى أن يكونوا يريدون بلوغ هدفهم في وقت أبكر ، وأوضح أن تايوان هي جزء من طموحاتهم ، وقطع بأن التهديد الصيني بديهي في العقد المقبل ، لا بل خلال السنوات الست المقبلة “.
هل كان ديفيدسون على حق في مخاوفه ؟
مؤكد أن ذلك كذلك ، سيما بعد أن نشر الجيش الصيني العام الماضي تسجيلا مصورا دعائيا ، يظهر فيه طيارون صينيون وهم يتدربون على مهاجمة قاعدة عسكرية في الجزيرة .
لا تخفي الصين أن غوام في مرمى نيرانها بحيث تطلق على صاروخ DF-26والذي يبلغ مداه 4آلاف كيلومتر ، أسم “قاتل غوام “، كما صور مقطع فيديو دعائي صيني قاذفة H-6Kوهي تهاجم قاعدة جوية لم يكشف عنها ، لكن صورة القمر الإصطناعي كانت واضحة ، وأظهرت أنها لقاعدة أندرسون .
في تقرير أخير لها تطرح مجلة الإيكونوميست البريطانية تساؤلا مهما عن غوام، وهل اصبحت بالفعل نقطة ضعف في إستراتيجية واشنطن في المحيط الهادئ ؟
المؤكد أن هناك من بدأ يتنبه للوضع هناك ، وبنوع خاص الرؤساء المتعاقبين للقيادة العسكرية للمحيطين الهندي والهادئ “إندوباكوم “، في هاواي ، كما أن المسؤولين عن أي حرب مستقبلية مع الصين ، يواصلون ” المطالبة بحماية أفضل “.
مع حلول أكتوبر 2022 ، كانت القاذفات الأمريكية “بي-1بي”، التابعة لسلاح الجو الأمريكي ، تهبط في غوام وسط التوترات الجارية في تايوان .
كان هذا هو ثاني نشر للقاذفات الثقيلة الأسرع من الصوت في المنطقة في ذلك العام .
جاء تبرير القوات المسلحة الأمريكية ليفيد بأن النشر المؤقت للقاذفات الثقيلة في تلك المنطقة ، يأتي كجزء من مهمة ” فرقة عمل قاذفات القنابل ” ، بعد يوم من إعلان موقع الإستطلاع الخاص بالطائرة عن إقلاعها من قواعدها المحلية في الولايات المتحدة “.
في الوقت نفسه كان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية ، الجنرال بات رايدر ، يقطع بأن ” هدف المهمة هو توجيه رسالة مفادها أن الولايات المتحدة قريبة من حلفاءها وشركائها لردع أي إستفزاز محتمل ، وذلك ردا على سؤال عما إذا كانت المهمة تهدف إلى توجيه رسالة لكوريا الشمالية .
وبحلول يناير من العام 2023 ، كان سلاح مشاة البحرية الأمريكية ” المارينز “، يعلن عن إفتتاح قاعدة عسكرية جديدة في أقصى غرب جزيرة غوام .
هل بدأت واشنطن ترتب أوضاعها للصراع القادم مع الصين ، وعليه فقد أخذت في ترتيب الأوراق في جزيرة غوام ، وتهيئة المسرح في المحيط الهادئ ؟
بحسب جريدة الوول سترتي جورنال الأمريكية ، فإن القاعدة الجديدة ستكون نقطة الإنطلاق الأول للقوات لبرية الأمريكية حال نشوب نزاع مع الصين .
هل ستضيف هذه القاعدة حضورا عسكريا أمريكيا في غوام ؟
يبدو الأمر بالفعل على هذا النحو ، ذلك أنه من المقرر أن تستوعب القاعدة الجديدة نحو 5000 من جنود البحرية ، الذين سيضطلعون على المد القصير مهمة استكشاف وردع التهديدات في المنطقة .
هنا ليس سرا القول أن قوات ” المارينز ” ستكون ضمن أولى القوات البرية التي ستتدخل في حال أي نزاع مع الصين .
ولذلك على المدى البعيد ، فإن القاعدة ستستخدم كمكان لتمركز تدريب لسلاح مشاة البحرية على حماية جزر المحيط الهادئ ، بما في ذلك الممرات البحرية الحيوية في حالة حدوث غزو .
لا تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالإنفاق على حضورها العسكري في غوام بمفردها ، بل تشاركها اليابان في ذلك ، ففي ضوء ما أوردته الوول ستريت جورنال ، فإن اليابان تساهم في تمويل مشورع قاعدة “كامب لازا “، الذي تبلغ تكلفته نحو 8.7 مليار دولار .
تدرك اليابان أنها معرضة لأخطار المواجهة مع الصين ، وعرضة في الوقت ذاته لصواريخ كوريا الشمالية ، ومن هنا تشتد الحاجة للشراكة مع واشنطن .
أما الجانب الأمريكي ، والذي يعبر عنه قائد سلاح مشاة البحرية الأمريكية ، الجنرال ديفيد بيرغر ، فيقول وسط هذه الأحداث :” إننا لا نريد أن نكافح من أجل خوض القتال . بل نريد أن نكون داخل المعركة بالفعل ، حتى يمكن لقواتنا التقدم عندما يكون هناك نزاع “.
تراهن واشنطن على جزيرة غوام بكل قوة ، ولهذا طرحت البحرية الأمريكية مؤخرا فكرة نشر طرادات الصواريخ القديمة الموجهة من فئة “تيكونديروغا “، بشكل دائم على الجزيرة ، للغستفادة من قدرات الدفاع الجوي القوية لهذه السفن أمام قدرات القوات الصينية .
ورغم أن الدفاع عن جزيرة غوام لن يكون سهلا ، فإن غضافة غواصة خامسة سريعة الهجوم إلى الجزيرة ، سيعقد حسابات بحرية الجيش الصيني ، كما يقول الخبراء الأمريكيون ..
ما الذي يتبقى في هذا الحديث ؟
بالرجوع إلى وضع غوام في الأمم المتحدة ، نجد أن هناك مفاجأة ، وهي أنها موضوعة على لائحة الأراضي غير المستقلة التي ينبغي إزالة اثار الإستعمار فيها .
هل يعني ذلك أن فكرة إستقلال غوام واردة بالفعل ؟
معروف أنه منذ عقود يتصاعد النقاش في داخل غوام حول تنظيم استفتاء لتحديد مصيرها وإختيار أحد حلين ، إما أن تبق مستعمرة أمريكية ، أو أن تسعى إلى نيل الإستقلال .
هنا يطرح حاكم غوام “أدي كالفو “، ثلاثة سيناريوهات :
** الإستقلال
** تحول غوام إلى ولاية أمريكا
** البقاء في وضع الشراكة الحرة مع واشنطن
والشاهد أن الأوضاع المتطورة ، بل المتدهورة في منطقة المحيط الهادئ ، والازمة التايوانية المحتدمة ، وبخاصة في ظل المناورات الصينية الأخيرة ، وما يشبه الحصار الذي تم ضربه من حول تايوان ، بحرا وجوا ، يقطع الطريق على أي سيناريو يسعى لإستقلال غوام .
أما علامة الإستفهام المخيفة للجميع فهي الخاصة بمستقبل غوام ، وهل ستضحى بيرل هاربور جديدة ، ربما تقود إلى هيروشيما معاصرة ؟
الليالي حبلى بالمفاجات .