المراقب : وحدة الدراسات
يتساءل المراقبون والمحللون السياسيون وثيقي ولصيقي الصلة بالشأن الأمريكي الصيني :”هل الصين بالفعل تمثل تهديدا للقطبية الأمريكية المنفردة اليوم بمقدرات العالم، أم أن الأمر مجرد هواجس في عقول القائمين على مقدرات الدولة الأمريكية العميقة؟
حين صدرت وثيقة الأمن القومي الأمريكي الأول في رئاسة بايدن في أكتوبر 2022، أعتبر “دانيال راسل ” مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق أن عامل المنافسة مع الصين يتخلل كل فصل ، وأنه من الواضح أن إستراتيجية اليوم تحولت إلى تركيز ساحق على المنافسة مع الصين “.
هذا التصريح تؤكده رؤية محللين آخرين أعتبروا أن إدارة بايدن قامت بتنظيم سياستها تجاه الصين في النسخة الجديدة من تقرير ” إستراتيجية الأمن القومي “، لكبح جماح الصين دفعة واحدة.
يرفض الصينون الإعتبارات الأمريكية التي ترى فيها تهديدا ظاهرا أو مبطنا ، وتقطع بأن الإدارة الديمقراطية الحالية لم تدخر جهدا في تضخيم المنافسة بين القوى العظمي ، وفي مهاجمة الصين والإفتراء عليها في المجال الإيديولوجي ، وتقيد تنمية الصين في مجال العلوم والتكنولوجيا ، وأستخدام الادوات المالية للضغط على الشركات الصينية ، وتكثيف تشكيل ” زمرة مناهضة للصين ” لسد طريق التنمية أمام بكين .
على صعيد أخر يستشهد الصينيون بالتاريخ كحير دليل على أنهم لم يتسببوا يوما ما في أذى ما للولايات المتحدة، وعندهم أنه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية ، لم تثر الصين الشعبية أبدا أي حرب أو صراع ، ولم تغزو شبرا واحدا من أراضي الدول الأخرى.
تدافع الصين عن نفسها بأنها تتمسك بمفهوم التنمية السلمية، وتحافظ على بنشاط على الإستقرار الإستراتيجي العالمي ، وتدعم بقوة النظام الدولي .
ترى الصين أن إتهامات واشنطن لها بأنها ” التحدي الجيوسياسي الأكبر “، أمر ينافي ويجافي فكرة ” التعايش السلمي ” التي تدعو لها دبلوماسية بكين ،وأنه يمكن لأي شخص يتمتع بشيئ من المصداقية والعقلانية أن يدرك زيف إتهامات واشنطن ، والتي تنتهج نهجا أرسطيا ، يعتمد مقاربات المواجهة المسلحة، وليس النسق الكونفوشيوسي القائم على النظر إلى الإختلافات حول العالم من منظور توزيع الأدوار وقبول المختلف .
غير أن واشنطن وفي كل الأحوال لا ترى مصداقية لهذه الدفوع الصينية ،وترى أن الصين تتحرك حثيثا في المرحلة الحالية ، من أجل تعظيم مكانتها الإقتصادية، بل إنها تستغل ما يتوافر لها من أموال ساخنة لتحقيق إختراقات دبلوماسية اليوم لن تلبث أن تضحى عسكرية في الغد ، وخير دليل على ذلك سعيها الحثيث لعسكرة مياه المحيط الهادئ…ماذا عن أهم الملفات الخلافية بين واشنطن وبكين ، والتي تجعل النظرة الأمريكية، واثقة كل الثقة من أن التهديدات قادمة لا محالة غدا، وقائمة اليوم أيضا بصورة أو بأخرى؟.
تبدو النقاط التي يتسع فيها الخرق الصيني على الراتق الأمريكية عديدة وواسعة، وتحتاج إلى قراءات قائمة بذاتها، غير أن نظرة عابرة تعطينا فكرة عن عمق الهوة التي بين الجانبين .
يمكن للمرء أن يؤرخ تاريخا جديدا للخلافات الأمريكية الصينية، يبدأ من أواخر عام 2019، أي مع ظهور فيروس كوفيد-19 المستجد، والذي أطلق عليه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الفيروس الصيني .
أعتبرت أمريكا الأخرى، غير الظاهرة للعيان، أن تصدير هذا الفيروس للعالم عامة وللولايات المتحدة خاصة، أمر مقصود ، سيما أنها كلفها خسائر بشرية ومالية هائلة وغير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .
تنظر واشنطن لما تقوم به الصين من تجارة حول العالم ، على أنها عمليات غير عادلة، تعرض أمريكا لسرقة مقنعة وربما مقننة، وهذا ما دعا ترامب عينه لفتح النيران عل بكين عام 2018 ، كما صعد حرب الرسوم الجمركية التي أنتهت بفرض رسوم بقيمة مئات المليارات من الدولارات على السلع المستوردة بينهما.
لم ولن تكف واشنطن عن إتهام بكين بالسرقة، سواء كان الأمر متعلقا بالسرقات التكنولوجية المدنية، أو العسكرية وبخاصة النووية.
في هذا السياق كانت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هوواوي هدفا لحملة أمريكية متصاعدة لعزلها دوليا ، إذ أتهمت واشنطن الشركة بسرقة أسرار تجارية أمريكية وحذرت من أن بكين قد تستخدم معداتها للتجسس على الإتصالات العالمية .
من بين الملفات المثيرة للجدل بين واشنطن وبكين، ملف هونج كونج ، حيث ألغت وزارة الخارجية الأمريكية الوضع التجاري الخاص الذي كانت تتمتع به هونج كونج كمركز مالي عالمي .
حاججت واشنطن بأن المدينة التي تسلمتها الصين من بريطانيا في نهاية التسعينات لم تعد مستقلة بما فيه الكفاية عن الصين .
أندفعت واشنطن في هذا الطريق بعد الأجراء الذي أتخذه مجلس الشعب الصيني لفرض قانون للأمن الوطني عل المدينة؟
هل توفر الولايات المتحدة بعض من إتهاماتها التقليدية للصين ؟
بالقطع لا تزال واشنطن ترى في الصين ، أكبر مهدد لحقوق الإنسان في العالم ، وقد وجهت إدارة ترامب انتقادات شديدة ومباشرة للصين متهمة إياها بإعتقال أكثر من مليون مسلم من الإيغور والأقليات الأخرى في مقاطعة شينجيانغ الصينية .
عزز الكونجرس بدوره من الضغوطات الممارسة على بكين من خلال السماح بدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، بفرض عقوبات على المسؤولين الصينين بسب علميات الإعتقال الجماعي .
إلى هنا تبدو الخروقات ضمن سياق الملفات المدنية والإقتصادية ، لكن هل يعني ذلك أن الصين في نظر الأمريكيين لا تمثل تهديدا عسكريا في المدى القريب ؟
إلى قراءة قادمة.