واشنطن – بكين..صراع تحت الماء.. دراسة

أرشيفية

المراقب : وحدة الدراسات

هل تمثل الكابلات البحرية نقطة صراع بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ضمن العديد من مدركات المنافسة القطبية بين الدولتين ؟
مؤكد أن الأمر يجري على هذا النحو بالفعل ، سيما أن الصراع تحت البحار يجري بهدف السيطرة على أكبر قدر ممكن من البيانات التي تمثل عصب الصراع الإقتصادي أول الأمر ، وقبل أن يتحول المشهد إلى مجابهة عسكرية .
هنا التساؤل :” هل تحاول واشنطن، ذات اليد العليا تكنولوجيا، طرد الصين من شبكة الإنترنت العالمية، من خلال التضييق عليها عبر كابلات البحار والمحيطات ؟
من الواضح أن واشنطن الماضية قدما حسب مخطط المحافظين الجدد ووثيقة القرن الأميركي لعام 1997، لا تكتفي بفكرة تشديد قبضتها على شبكة الكابلات البحرية حول العالم فحسب، بل بات من الواضح أنها تستهدف ضمان هيمنة شركاتها على السوق، لأن مشغلي الكابلات يمكنهم تحصيل رسوم على مرور البيانات بمجرد تثبيت أقدامهم ، وذلك ببيع النطاق الترددي أو تأجير السعة لشركات التقنية ، ومقدمي خدمات الإنترنت، وغيرهم وبصفقات تمتد لعقود عادة.
لم يكن للصينيين أن يصمتوا أمام تمدد الهيمنة الأميركية في هذا السياق ، ولهذا عمدوا إلى توفير شبكاتهم الخاصة من الكابلات البحرية، وتحولوا إلى راع للبنية التحتية الكثيفة للكابلات في البحار القريبة بما فيها الكابلات الأميركية واليابانية .
هل تعمد الصين إلى التجسس على الولايات المتحدة من خلال شبكات الكابلات البحرية ؟
ليس سرا أن أحد أفضل الطرق المفضلة من جانب الصينيين في منافساتهم الجيوسياسية مع الأميركيين، التجسس وسرقة المعلومات من قبل الداخل الأميركي، وسواء كانت معلومات إقتصادية أو عسكرية .
الآن تمثل خطوط الكابلات البحرية تحت البحار، فرصة ذهبية للصين لا تعوض للحصول على المعلومات الصافية الوافيه.
في عام 2022 ، أصلحت السفن الصينية كابلات تديرها شركات إتصالات أميركية مثل AT&T و VERIZON وشركات تكنولوجيا عملاقة مثل مايكروسوفت ، وذلك في منطقة بحر الصين الشرقي .
هل كانت هذه فرصة ذهبية لبكين للحصول على المعلومات والبيانات الأميركية من مصادرها وقبل أني تم تنقيتها أو تصفيتها، في واحدة من أخطر عمليات التجسس الصينية على الأميركيين ؟
يبدو أنه من الوارد جدا ذلك، سيما أنه في شهر مايو أيار التالي ، زعمت شركة مايكروسوفت ، وبشيئ من الثقة ، أن بعض الجهات المدعومة من الحكومة أخترقت بنية اتصالاتها التحتية .
والشاهد أنه على الرغم من أن بكين نفت أي صلة بالمحترفين، الإ أن شكوك واشنطن بدت شبه مؤكدة ، وقد كان ذلك أحد الأسباب التي دفعت واشنطن إلى السعي لإبقاء كابلاتها الجديدة بعيدا عن الصين فعليا ، إذ تحظر مبادرة الشبكة الأميركية النظيفة لعام 2020، أي أتصال مباشر فعلي بين الولايات التحدة وبين البر الرئيسي الصيني .
ولعل قصة الصراع بين بكين وواشنطن على منطقة بحر الصين الجنوبي، تبدو في أحد أهم جوانبها ذات علاقة بقصة كابلات الأنترنت والمعلومات..ما الأمر على وجه الدقة ؟
بحسب العديد من الخبراء الجيوسياسيين ، فإن من سيفرض سطوته ويبسط أجنحته على منطقة بحر الصين الجنوبي، سيكون بمقدوره السيطرة عمليا على خمس التجارة العالمية، لكن الأهم من وجهة نظر كثير منهم أن أبرز الأصول الاقتصادية المتاحة في المنطقة هي البيانات الضخمة، حيث يعتمد مستقبل شبكة الإنترنت بأكملها على الدول التي تهيمن على بحر الصين الجنوبي.
ويضاف إلى ذلك أن اقتصاد الإنترت في منطقة جنوب شرق آسيا سيصل إلى تريليون دولار أميركي بحلول عام 2030.
من هنا يمكن للقارئ أن يتفهم لماذا سيتجاوز كابلي ” بايفروست ” و ” إيكو”، المقرر تشغيلهما العام الجاري ، المياه المتنازع عليها قرب الصين ، كما هو حال مشروع “ابريكوت” الذي يبلغ طوله 12 ألف كيلو متر ليربط الفلبين بإندونيسيا ، والذي من المقرر إقامته العام القادم 2025.
على جانب أخر تتجلى العوامل الجيوسياسية بوضوح أكبر، في منطقة جنوب غرب المحيط الهادئ ، حيث ألغى البنك الدولي عام 2021، مشروع كابل كان سيربط بين جزيرة غوام، والتي تعد نقطة إرتكاز مهمة للغاية للعسكرية الأميركية ، وبين ميكرونيسيا وكيريباتي وناورو، إذ كانت شركة HMN TECH الصينية هي الأقرب للفوز بالمشروع لكن واشنطن كانت السبب الرئيس في إفساده .
لا يبدو صراع الجواسيس عبر خطوط الكابلات البحرية قائما أو قادما بين القوى ذات العلاقات المتردية، والقريبة من الصراع إلى التنافس عمقا قريب فحسب، بل يمتد حتى بين الأصدقاء أنفسهم، فيما الأكثر مدعاة للسخرية أو العبث، هو قيام الولايات المتحدة الأميركية، قلب الناتو النابض، بالتجسس على بقية الدول الأعضاء في الحلف من الجانب الأوربي ، الأمر الذي تبدى بشكل واضح خلال العامين الماضيين .
في يونيو من عام 2021، طفت على السطح أنباء فضيحة تجسس دولية قامت بها واشنطن تجاه أصدقاء أوروبيين مقربين جدا، وفي مقدمهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل .
أنباء الفضيحة تسربت من خلال تقرير أذاعته هيئة الإذاعة والتلفزيون الدنماركية ، وفيها بدا واضحا أن الأميركيين وبالتعاون مع المخابرات الدنماركية تجسسوا على شخصيات أوروبية بارزة أخرى بجوار ميركل ..كيف جرى ذلك ؟
المؤكد أن وكالة الأمن القومي NSA المغرقة في سريتها ، كان لها قصب السبق في المشهد ، وذلك من خلال تنصتها عبر كابلات دنماركية بحرية ، أتاحت للأميركيين التنصت على قادة ومسؤولين رفيعي المستوى في ألمانيا والسويد والنرويج وفرنسا .
والمعروف أن الدنمارك تستضيف عددا من محطات الإنزال لكابلات الإنترنت البحرية من وإلى السويد والنرويج وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة ، وهي الكابلات التي تم استخدامها من جانب الأميركيين في التجسس واسع النطاق الذي تم الكشف عنه .
هنا جرى التساؤل :” هل استخدمت واشنطن ذات الاسلوب الذي تجسست من خلاله على السوفيت في زمن الحرب الباردة، ونجح مع كابلات الأوروبيين كما نجح من قبل مع كابلات السوفيت ؟
للأمر قصة ولاشك، ذلك أنه خضم الحرب الباردة، درج السوفيت على التواصل من خلال كابل يقع تحت البحر في المياه الإقليمية السوفيتية ، وعبر الكابل كانت تتدفق البيانات السوفيتية المهمة بين القواعد العسكرية المختلفة .
بدا هذا الكابل صيدا ثمينا لحلف الناتو، لكن الإقتراب منه عبر قوات البحرية الأميركية أو أي من حلفائها الأوروبيين، كان يعني المجازفة بصدام عسكري شبه محتوم بين الناتو ووارسو.
من هنا بدت وكالة الأمن القومي ، والمنوط بها رصد كافة الإتصالات خارج الولايات المتحدة لديها الحل ، ذاك الذي تمثل في غواصة بحرية صغيرة، مجهولة المصدر، بمعنى أنه لا يمكن معرفة من وراءها ولا من أرسلها ، ومهيأة خصيصا لغرض إختراق هذا الكابل ، عبر التسلل والإنزلاق بدون رصد من دفاعات البحرية الروسية .
عثرت الغواصة الروسية بالفعل على الكابل ، وقامت بتركيب جهاز تنصت متطور عليه ، وكانت تعود شهريا لجمع البيانات التي سجلها الجهاز ،وأستمرت العلمية مدة طويلة حتى أكتشف أمرها محلل سابق في وكالة الأمن القومي الأميركي ، يدعى رونالد بيلتون ، والذي باع معلومات مهمة عن هذه العملية للسوفيت .
هل تمارس أميركا اليوم نفس هذه الدور على الأعدا والحلفاء على حد سواء ؟
مؤكد أنها تفعل ذلك لا سيما من خلال ما تتمتع به من قدرات تقنية متقدمة تحوزها من خلال علماءها ومهندسوها وشركاتها التي تساهم في إختراع وبناء الأجزاء الكبيرة من البنية التحتية للإتصالات العالمي ، ومنها الكابلات البحرية ، وتميل خطوط البيانات الرئيسية إلى العبور إلى الحدود الأميركية ومياهها الإقليمية أو قواعدها العسكرية المنتشرة بكثرة عبر العالم ، ما يجعل التنصت على البيانات والمعلومات والمكالمات الهاتفية أمرا في منتهى السهولة واليسر .
هل كان لواشنطن يد في عملية بعينها، كادت أن تدفع الروس مؤخرا إلى القيام بهجمات قاتلة تحت المياه، تستهدف الكابلات الأوروبية والأميركية على حد سواء ؟
إلى قراءة لاحقة مكملة ومتممة.

 

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

تسريب تسجيل لـ “جالانت”: لا دولة فلسطينية وأميركا تفهم ذلك

متابعات- خارجي أشارت تقديرات الجيش الإسرائيلي أن القتال العنيف في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة …