أعد الدراسة للنشر: إميل أمين
عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء في المغرب ، ومن ترجمة الاستاذ مصطفى الورياغلي ، صدر حديثا هذا الكتاب الشيق ، للمؤرخ والفيلسوف الاغريقي بلوتارخ، والمعروف ايضا باسم فلوطرخس ، والمولود سنة 45 ميلادية ، وله مؤلفات عديدة في التاريخ والفلسفة ، منها بل اهمها كتاب ” السير المقارنة لعظماء اليونان والرومان، وكتاب الاخلاق او ” موراليا ” وهذا العمل الذي بين ايدينا .
يتناول هذا العمل الادبي والفلسفي الرفيع نصان ، الاول هو كيف تستفيد من اعداءك، والثاني كيف تميز بين المتملق والصديق .
والشاهد ان الطبيعة الانسانية واحدة ، ثابتة عبر الحق والاماكن .هذا ما يثبته هذان النصان لبلوتارخ ، ذاك المفكر الاغريقي الذي استشعر الحاجة ، منذ زمانه الى مساعدة معاصريه على ان ” يستفيدوا من اعداءهم “، وان “يميزوا بين المتملق والصديق “.
يكشف لنا بلوتارخ في هذا الكتاب الشيق ، حيث تمتزج الدعابة والطرائف ، والاسطورة والتاريخ ، جميع حيل التملق ، ويعلم الحذر من المديح المعسول ، والصراحة المغشوشة ، والاصدقاء المنافقيين ، بل انه يذهب الى حد اثبات منفعة الاعداء ، الذين يدفعوننا الى الاحتراس ، فيكون ذلك حافزا لنا على تطوير انفسنا وتحقيق افضل نسخة من ذواتنا ، وهو ما يشكل في الاخير افضل رد وانبل انتقام يمكن ان نواجه به خصومنا .
يبدو الكتاب وكانه نصائح من الفيلسوف الاغريقي الى ” كورنيليوس بولشير” الذي كان نائبا عاما في منطقة “أكايا ” اليونانية عند اواخر حياة بلوتارخ ، نصائح من اجل ان يقوم بتسيير امور الدولة على افضل طريق.
يذكر الفيلسوف رجل الدولة ، بان حسد اعدائنا يوازن اهمالنا ، ثم اننا نستفيد من انتقامنا من عدو عندما نبتليه بسمو اخلاقنا ، ويسترجع الى ذلك جواب ” ديوجين “الفيلسوف اليوناني صاحب المصباح الشهير ، وهو جواب يليق بالفيلسوف ورجل الدولة :” كيف سادافع عن نفسي ضد عدوي ؟ بان تتمسك بالفضيلة .
يتباكى الناس اذا ما سمعوا مديحا لخيل عدوهم ، وتقريظا لكلابه ، ويشعرون بالاسى اذا ما راوا اراضيه جيدة للحرث ، وحديقته مزهرة . فكيف سيكون موقفهم في رايك ، لو انك أبنت عن انصاف وحكمة وفضل ونزاهة في خطاباتك ، وعن استقامة في افعالك ، وعن حشمة في سلوكك.
يساءل بلوتارخ ” كورنيليوس “..أتريد أن توجع من يكرهك؟ ويجيب :” لا تصفه باللوطي، او المخنث ، او الماجن ، او البهلوان ، او البخيل ، لكن تصرف مثل انسان حقيقي ، وكن متواضعا ، وقل الحقيقة ، وعامل من تلقاهم بانسانية وانصاف .
لكن ان رايت انك مرغم على ان تصل الى السباب ، ابتعد ، ما امكنك الابتعاد ، عن النقائص التي ترميه بها . واسبر اعماق روحك ، وافحص ثغراتها ، حتى لا تسمع صوت رذيلة مخفية يهمس لك ببيت الشعر التراجيدي الذي يقول :” تريد ان تشفى بينما يغلي جسمك بالقروح “.
يكمل بلوتارخ في سرد اخلاقي بديع :” أترميه بالجهل ؟ ضاعف من حماسك في العمل ومن محبتك العلوم . أم تصفه بالجبن ؟ أنعش جرأتك وشجاعتك . أم تهجوه بالمجون ؟ أمح من روحك كل أثر لميل الى الشهوة قد تكون احتفظت به سرا . فلا شيئ ادعى الى الخجل ، واشد ايلاما من ان ترى الرقابة التي يمكن ان توجه الى غيرك تقع عليك انت .
لاتزال هذه الصفحات المنيرة ، المكتوبة منذ قرون طويلة ، تحتفظ براهنيتها وهذا خير دليل على وجاهتها ودقتها وحكمتها .