وحدة الدراسات
هل ستشهد أوربا شتاء كارثيا الايام القليلة القادمة لا سيما بعد ان قام القيصر بقطع الجزء الاكبر من امدادات الغاز والنفط الى القارة العجوز ؟
قبل إفتتاح منتدى ستوكهولم التاسع للسلام والتنمية الأيام القليلة الفائتة ، صدر عن المعهد تقريرا يمكن إعتباره إنذار أخير للبشرية المختل توازنها ، وقد حمل عنوانا فريدا :” بيئة السلام : الأمن في عصر جديد من المخاطر “.
ملامح التقرير الجديد ، تظهر الكوكب الأزرق في حالة قلق ، لا سيما من تزايد الأزمات وتعقيداتها ، وتطورات المشاهد على الأرض ، والخوف من الإنفلات غير المتوقع أو المحسوب .
كارثة إنذار ستوكهولم الذي بإيدينا تتمثل في أن عالمنا في حالة طوارئ ، ربما غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة ، فيما يقول البعض أنها تجاوزتها .
يضع التقرير العالم أمام ثنائية مثيرة للتفكر ومدعاة للتدبر ، ثنائية البيئة والسلام ، والتي يقول قائل مستنكرا :” وما العلاقة بين الأمرين؟
تبدو العلاقة وثيقة إلى مدى بعيد ، فإزدياد حدة الأزمات البيئية على وجه البسيطة ، يدفع الأوضاع الأمنية إلى التردي ، فيما عمليات إزالة الغابات وذوبان الأنهار الجليدية وتلوث المحيطات بالبلاستيك ، ترفع من درجة حرارة الكرة الأرضية ، وتمضي بالبشر إلى فوهة البركان الإيكولوجي المتوقع .
بنود تقرير سيبري الأخير تفتح الباب واسعا لمناقشة جدلية الفقر والإرهاب ، وتحذر من أنه طالما غاب العدل ، لن يوجد السلام ، بدءا من الصومال ، الدولة الإفريقية التي تعاني منذ زمان وزمانين ، وصولا إلى الولايات المتحدة الأمريكية سيدة قيصر ،في حاضرات أيامنا .
في حال الصومال ، الواقعة في القرن الإفريقي ، دفع الجفاف المستمر إلى جانب الفقر ونقص المؤن وضعف الحكومة ، المزيد من الشباب إلى أحضان جماعة ” الشباب ” الراديكالية المتطرفة .
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ، بدا وكأن الفقر والتنمر ، كانا وراء مشاعر الغضب والإضطراب العنصري التي تملكت الفتى ذو الثمانية عشر عاما ، والذي أرتكب مجزرة تكساس بعد أن قتل جدته .
في أمريكا الوسطى دفع تغير المناخ إلى إنعدام المحاصيل ، ومع رواج الفساد ، وسيادة العنف ، صحت الولايات المتحدة لتجد موجات مليونية من المهاجرين غير الشرعيين على بوابتها الجنوبية ، ما زخم نظريات اليمين الأمريكي المتشدد إلى درجة التطرف ، والنتيجة المرة رأيناها في حادث مدينة بافلو في نيويورك قبل بضعة أسابيع .
تبدو الآن المعادلة واضحة كل الوضوح بين الطبيعة والسلام ، لدرجة أن الإضرار بأحدهما يعني من غير تهوين أو تهويل ، إلحاق الضر بالأخر ووضع ضغوطات عليه .
هل فات الوقت لإصلاح المشهد الذي يتأزم يوما تلو الأخر وليس أخره أزمة الغذاء العالمي ، تلك التي حذرنا منها في قراءات سابقة من قبل ؟
يذهب ، دان سميث ، مدير معهد ستوكهولم لابحاث السلام إلى تبيان المفارقة القائمة كونيا والتي تزيد المشهد تعقيدا ، ذلك أنه وفي حين أن هناك رؤساء دول وحكومات يرحبون بالتحرك لتدارك الأزمات العالمية ، نجد أن الضغوطات المحلية التي يقعون في سياقاتها ، تجعلهم غير قادرين على مجاراة إنقاذ سفن الغير ، قبل إنقاذ سفينة كل منهم .
على سبيل المثال وليس الحصر ، حين تقوم الهند في وقت سابق من شهر مايو آيار الجاري بحظر تصدير القمح ، فإن ذلك يؤدي بالضرورة إلى رفع أسعار الحبوب حول العالم ، على الرغم من أنها دولة مصدرة صغيرة نسبيا ، لكن من يستطيع أن ينكر على حكومة الهند دورها في تأمين الغذاء لشعبها قبل أن تصدر الفائض إلى الخارج .
الأمر نفسه ينطبق على إندونيسيا والتي حظرت تصدير الزيوت لحماية مخزونها المحلي ، وإن كانت هناك أخبار مبشرة بأنها سترفع هذا الحظر قريبا .
لماذا الخوف من الأخر وهل بلغنا بالفعل العتبة التي قال فيها الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز :” الإنسان ذئب لأخيه الإنسان “.
حكما جاءت مخاوف الدول المختلفة من جراء توقف سلاسل التوريد ، بفعل جائحة كوفيد -19 الشائهة مرة ، وطوال عامين كئيبين ، وبسبب الحرب الروسية – الأوكرانية الأخيرة مرة أخرى ، والتي لا يدري أحد إلى متى سيصطلى العالم بنيرانها قلقا في النهار ، وأرقا في الليل .
حين تتحدث كريستالينا جورجيفا ، مدير عام صندوق النقد الدولي بالقول :” إننا نواجه حشدا من المصائب ، وأن الإقتصاد العالمي يواجه على الأرجح أكبر إختبار له منذ الحرب العالمية الثانية” ، فإن الوضع على الأرجح حرج للغاية.
حلمت الإنسانية بعد سقوط جدار برلين بعالم من المودات ، لا سيما بعد إنزياح كابوس الشيوعية الذي جثم على الصدور لسبعة عقود تقريبا ، لكن نظرة على النزاعات المسلحة في العقد الماضي ، من 2010 إلى 2020 تبين أنه كان كابوس وليس حلما رومانسيا مخمليا .
وصلت النزاعات المتصاعدة خلال عشر سنوات إلى 56 نزاعا مسلحا ، كما تضاعف عدد اللاجئين والنازحين سيما بعد حرب أوكرانيا إلى مائة مليون .
أما على صعيد عسكرة العالم ، فحدث ولا حرج عن زيادة الرؤوس النووية في عام 2020 بعد سنوات من التخفيض ، هذا قبل أن تدخل الصين إلى معترك الصراع بحزمة تصل إلى عشرة آلاف رأس نوية عما قريب .
عصر المخاطر الجديدة ، يحتم نوعا من التعاون غير المسبوق، لمواجهة تحديات غير معروفة وبخاصة من قبل البيئة ، لكن التساؤل المؤلم قبل الإنصراف أين هي تلك الإرادة الدولية ، وهناك من يصب الزيت على النار لتبقى الحرب الأوكرانية مشتعلة ، بل ويكاد يفتح جرحا غائرا في جبين الصين ، يمكن أن يقود لحرب عالمية نووية مؤكدة ؟
عالم تنقصه الحكمة ، يعني، الخوف من شتاء اليأس القادم.