تظهر الإحصائيات الأخيرة أن تزايد عدد المسلمين في القارة الأوربية لا يتوقف عند دولة بعينها، أرتبط تاريخها بعلاقات ما مع العالم العربي والإسلامي ، كما الحال مع فرنسا، بل يمتد إلى دول أخرى ذات تاريخ مسيحي مهم بل مركزي في القارة الأوربية كما الحال مع إيطاليا، عاصمة الكنيسة الكاثوليكية.
تشير أخر الإحصائيات الإيطالية أن عدد المسلمين في إيطاليا يقدر بنحو 1.8 مليون نسمة ، معظمهم يتركزون في الجهات الصناعية شمال البلاد ، في حين تضم العاصمة روما وحدها أكثر من مائة ألف ، وبالنسبة لدور العبادة ، فتضضم روما واحدا من أكبر المساجد في أوربا ، فضلا عن مساجد أخرى تنتشر في المدن والحواضر .
وفي تقرير أعدته منمة كاريتاس ومؤسسة مبجر التابعة لمجلس الاساقفة الإيطاليين هن الهجرة إلى إيطاليا / نشر في أكتوبر تشرين أول الماضي ، وجد أن المسلمين يمثلون أكثر من 29% من بقية الأجانب المقيمين في البلاد .
واشار التقرير إلى أن عدد المواطنين المسيحيين في غيطاليا أنخفض إلى اقل من 2.8 مليون نسمة مقارنة بنحو 2,9 ملون العام الماضي .
تأتي بلجيكا بعد فرنسا من جهة الإيمان بالمعتقد الكاثوليكي ، وهي بدروها مقصد للمهاجرين المسلمين من أصول مغربية بنوع خاص ويتجاوز عدد المسلمين هناك 700 ألف مسلم ،.
يحتل الإسلام في بلجيكا المرتبة الثانية ضمن الديانات المعتنقة في هذا البلد الأوربي المتميز بنوعية الحياة وببعض من أفضل جامعات أوربا .
وبحسب تقرير لجريدة الإيكونوميست البلجيكية ، فإن نصف أطفال المدارس الحكومية في بروكسيل من عائلات مسلمة ، كما يوجد في العاصمة أكثر من 300 مسجد. تعترف بلجيكا بالدين الإسلامي وتخصص ميزانية لتدريس التربية الإسلامية ، وتدفع رواتب بعض الأئمة.
على أن قصة هولندا ، فهي ذات علاقة خاصة مع الإسلام والمسلمين، ذلك أنها وفي العقود الأخيرة من القرن المنصرم،وجدت نفسها في حاجة إلى المزيد من الأيدي العاملة، الأمر الذي فتح الفرص لعشرات الآلاف وقتها من تركيا والمغرب للهجرة إلى هولندا.
يبلغ عدد سكان هولندا من المسلمين اليوم نحو مليون نسمة، أي حوالي 6% من عدد السكان، كما أشارت صحيفة AD الهولندية مؤخرا إلى أن الإسلام يعرف انتشارا واسعا داخل البلد ، وعززت ذلك بأرقام تفيد تنامي الإسلام في العاصمة أمستردام على غرار الديانات الأخرى.
وللمسلمين مع المانيا قصة طويلة ، تعود قبل ستينات القرن الماضي، وسابقة على تفضيل تيار الأخوان المسلمين اللجوئ إليها ، وهو الأمر الذي فصله الكاتب الكندي ” إين جونسون” في كتابه الشهي ” مسجد في ميونيخ”.
غازل الزعيم النازي أدولف هتلر المسلمين في تركيا وشمال إفريقيا ومصر خلال الحرب العالمية الثانية، ولعب كثيرا على أوتار القضية الفلسطينية، وبلغ به الأمر حد تكوين ما عرف بالفيلق الإسلامي في الجيش الألماني .
لهذا يمكن القطع بأن الحضور الإسلامي في ألمانيا، سابق على غيره من الدول الأوربية الأخرى .
في هذا الصدد ليس سرا القول أن المانيا من بين أهم الدول التي قصدها المسلمون من نهاية الحرب العالمية الثانية ، ويقدر عدد المسلمين هناك بنحو 5.5 مليون مسلم ، وتتجاوز نسبة الأتراك الثلثين ، كما أن عدد المسلمين بهذا البلد عرف تزايدا بنوع حاص ما بين الأعوام 2010و 2020 ، حيث قصدها نحو مليون لاجئ، بنوع خاص من دول ما سمي بالربيع العربي ، وتشير الإحصائيات الألمانية إلى أن 86% من هولاء الذين قصدوا ألمانيا كلاجئين هم من المسلمين.
هل تعداد المسلمين الألمان مرشح للزيادة مرة أخرى؟
ذلك كذلك قولا وفعلا، وبخاصة في ضوء نسبة الولادات الالمانية المتراجعة بشكل كبير بين الألمان، حيث يبلغ معدل المواليد 1.5% وهو الأدنى في القارة الأوربية، الأمر الذي يجعل التركيبة السكانية لالمانيا على المدى الطويل لصالح المسلمين ، ما يبين أهمية قبول ” الواقع الإسلامي في ألمانيا “.
وبحلول العام 2050سوف ترتفع نسبة مسلمي ألمانيا من 6% إلى 20% ما يعني أن واحدا من كل خمسة اشخاص في المانيا قد يصبح مسلما في المستقبل.
والشاهد أن ما ينطبق على المانيا ، وبريطانيا وفرنسا، ينسحب كذلك على إسبانيا التي عاش جزء كبير منها تحت الحكم الإسلامي لمدة خمسة قرون ، وماتزال تحتقظ بعض مدنها باثار تشهد بذلك.
اليوم هناك نحو 3 ملايين مسلم في إسبانيا، وينحدر أكثرية المسلمين هناك من الأصول الأمازيغية ، خاصة من شمال المغرب العربي وبعض البلدان الإفريقية، ويتوزع المسلمون على مدن عديدة مثل مدريد وكتالونيا والأندلس وفالنسيا وموثيا وكانارياس .
لم تتوقف زيادة نسبة مسلمي أوربا على الدول القريبة تقليديا من الشرق الأوسط والعالم العربي جغرافيا،بل أنسحب الأمر كذلك على بعض الدول الإسكندنافية مثل السويد ، والتي كانت حتى وقت قريب جدا حديثة العهد بفكرة استقبال المهاجرين .
شهدت السويد تدفق كبير للاجئين المسلمين من البوسنة والشيشان والعراق ولبنان والصومال وأفغانستان ، عطفا على سوريا بنوع خاص ، ما جعل نسبة المسلمين هنام تصل إلى نسبة 6 إلى 8 % من نسبة السكان السويدين ، حيث يصل السكان المسلمين إلى ما بين 500 ألى 800 ألف مسلم من جنسيات مختلفة أكبرها السورية 185 ألف وعراقية 145 ألف .
هل من صورة إجمالية لمستقبل الإسلام والمسلمين في القارة الأوربية العجوز، والتي يمكن للمهاجرين وأجيال المسلمين الجدد تجديد شبابها من خلال معدل ولادات أعلى مما هي فيه الآن وما يتسبب في كارثتها الدموغرافية ؟
إلى قراءة قادمة.