خاص
حين عين الرئيس الروسي بوتين قائدا جديدا للحرب مع أوكرانيا، بدا واضحا أن القرار وربما الشخص المعين، غير محبوب أو مرغوب من جانب بريغوجين .
ليس سرا أن هناك ما يشبه” صراع أجنحة ” مكتوم بين رجال الرئيس الروسي، وقد استمع العالم مؤخرا لنداءات بريغوجين ،وتهديداته بالإنسحاب من باخموت ، وذلك بسبب نقص الإمدادات العسكرية والتسليح لجماعته .
فاغنر لم يوفر إتهام من أسماهم ” النخبة الروسية”،بحماية أبناءهم، بينما يهلك أبناء عموم الشعب على الجبهة، وهو وضع قال إنه يمكن أن يؤدي إلى إضطرابات في روسيا “.
ما الذي جرى في 1917 ، وهي يمكن بالفعل أن يكرر التاريخ ذاته في روسيا؟
بإختصار غير مخل ، كانت خسائر روسيا في الحرب العالمية الأولى، وتحديدا في الفترة ما بين 1914، و1917مخيفة ، بل مريعة ، فقد خسرت روسيا وقتها أكثر من مليوني جندي وضابط خصوصا بسبب نقص الأسلحة ، الأمر الذي أدى إلى حدوث ثورة جعلت القيصر نيكولا الثاني يتخلى عن العرش، ومن ثم تشكلت حكومة مؤقتة ، لكنها لم تكن مسيطرة على شيئ، ولم تفكر في الإنسحاب من النزاع الذي بات يثير غضبا شعبيا في البلاد .
أدى هذا الإخفاق إلى قيام الثورة البلشيفية ،وقد كان أول قرار لهم هو أن يعرضوا على الدول التي تحارب روسيا وقف الأعمال العدائية.
هل سيكرر التاريخ نفسه كما تساءل كارل ماركس ذات مرة ؟
الشاهد أن التاريخ لا يكرر نفسه ، هذه حقيقة ، لكن يمكن أن تتشابه أحداثه .
هنا قد تبدو رؤية بريغوجين ذات وجاهة ما ، سيما إذا استمر المواطنون العاديون في استلام جثامين أبنائهم بينما يستمتع أبناء النخبة بأشعة الشمس في رحلات بالخارج .
يتحدث بريغوجين بقوة ، وهناك نصر باخموت من وراءه يدعمه ، رغم هجومه الواسع على قيادة القوات المسلحة الروسية في باخموت والمتمثلة في الجنرال فاليري غراسيموف .
لم تكن هجومات قائد فاغنر على قيادات الجيش الروسي شيئ جديد، فقد سبق ووجه إنتقاداته مرارا وتكرارا ضد نخبة الجنرالات الروس الذين يقودون الحرب في الأشهر الأخيرة .
هنا يتساءل القارئ :” ما الذي يجعل بوتين يصبر على تصريحات طباخه الشهير ؟
تقول مجلة ” هيل ” الأمريكية، في تحليل لها، يمزج بين العسكرية والسياسة، أن بريغوجين لن يتعرض للكثير من العواقب، رغم إنتقاداته لقادة الجيش الروسي، طالما أنه لا يهاجم الرئيس الروسي بوتين أو الحرب نفسها؟
ليس من اليسير أن يعادي قائد مجموعة مرتزقة، قيادات الجيش النظامي في أي دولة ، والإ سيكون مصيره الهلاك.
هنا تبدو حلقة مفقودة بالنسبة لفاغنر ، توقفت عندها مجلة ” الفورين أفيرز ” الأمريكية ذائعة الصيت…ماذا عن ذلك ؟
لفهم أهمية فاغنر وبرغوجين، لابد من العودة إلى التسلسل الهرمي للجبش الروسي والإستخبارات الروسية.
في حقيقة الأمر ، وبحسب التسلسل التاريخي العسكري الروسي، يظهر لدينا ومنذ زمن جوزيف ستالين ، وجود واضح وقوي للقوات الروسية غير الرسمية، فضلا عن ذلك ، لدى مجموعة فاغنر إرث كبير في أوكرانيا ، فقد برزت لأول مرة خلال حرب روسيا السابقة في إقليم الدونباس قبل 8 سنوات .
هل هذا هو فقط السبب الرئيس الذي يجعل بوتين يحافظ على بريغوجين ؟
ربما يكون هناك ما هو أكثر أهمية، ويتخفى بين سطور الصراع الدائر في الكرملين اليوم ، لا سيما مع جنرالات الجيش الروسي ، وقبل الخوض في وضع “جماعة السيلوفيكي ” المحيطة ببوتين .
يرى بوتين أن فاغنر ربما تعتبر ” وثيقة الأمان والضمان” الشخصية له، في مواجهة جموح جنرالات الجيش ، وقد أعتبر بوتين طويلا أن هولاء يمكن أن يضحوا مصدر تهديد له ذات يوم .
من هنا يمكن للمرء أن يتفهم الدور الحقيقي لفاغنر ، ضمن ديالكتيك وديناميات السلطة القائمة اليوم في روسيا ، والتي ستشكل القائد القادم للبلاد عند لحظة زمنية بعينها .
لا ترتبط جماعة فاغنر في واقع الأمر فقط بمجريات المعارك العسكرية على الأرض فحسب، بل بالصراع داخل أجنحة السلطة في روسيا ، وهو صراع يبدو مكتوما اليوم، لكنه حكما سينطلق في وقت ليس ببعيد ، والأمر رهن بالمعارك في أوكرانيا وتطوراتها .
هل فاغنرهي الجناح العسكري غير المرئي للإستخبارات الروسية، والخاضع لبوتين بشكل سري، في مواجهة أي تغيرات أو تطورات تنشأ في عقول الجنرالات لإزاحته من موقعه أو موضعه في أي وقت يشاؤون ؟
تبدو القصة مثيرة وخطيرة وفي حاجة إلى قراءة مفصلة، غير أنه ومن دون إغراق في التفاصيل ، تظهر حقيقة فاغنر يوما تلو الأخر كأداة ضمن أدوات مديرية المخابرات الرئيسية الروسية GRU ، والتي تختلف عن نظام جهاز الأمف اليفدرالي الروسيFSB.
هذه الأداة ، أو القسم الجديد داخل مديرية المخابرات الرئيسية الروسية ، لا يضمن لبوتين حائط صد في الداخل فقط، بل يمكنه من الإشراف على العديد من العمليات العسكرية الخاصة في الخارج كذلك.
لكن ورغم كل ذلك، لا نزال في البحث عن صدقية تحذيرات فاغنر من ثورة ضد بوتين، وهل هناك بالفعل من يدفع في طريق تفتيت روسيا من الداخل ، عبر إثارة حرب أهلية ، ومحاولة العودة بعجلة الزمان إلى وقت ثورة البلاشفة الذين قبضوا على روسيا لسبعة عقود ؟
المستقبل كفيل بتقديم إجابات.