الإندوباسيفيك …عالم الصراعات القادمة

المراقب: وحدة الدراسات

ربما  كانت  قمة حلف الناتو  الأخيرة في فيلنيوس ،  عاصمة ليتوانيا،  فرصة للتفكير في عالم مع بعد النظام  العالمي الجديد، ذاك الذي لم يطل به المقام أكثرمن ثلاثة عقود ، بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي ،  ونهاية الحرب الباردة أوائل تسعينات القرن المنصرم.

الجديد الذي يواجه الحلف الذي أنشئ كتحالف عسكري وسياسي  لدول أمريكا  الشمالية وأوروبا  في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبهدف منع وقوع أعمال عدائية  بين الدول في المستقبل ،هو أنه بات يواجه عالما مغايرا، فيه روسيا تعود من جديد كقوة عسكرية مزعجة للغرب، وقد بدت تجربة أوكرانيا ، مخيفة للغاية،  ذلك أنه رغم كافة الدعم الغربي لحكومة زيلنسكي، الإ  أنها  لم تتمكن من تحقيق أقل إنتصار في مواجهة بوتين.

بالإضافة هناك تحد هائل يلوح في الأفق يتمثل في الصين، والتي تقترب من مرحلة التجليات العسكرية، بعد أن حققت  نجاحاتها الإقتصادية ، كما الحال في سيرة ومسيرة القوى الكبرى تاريخيا.

ويمكن للمرء أن يجد تحديات مثيرة أخرى ،  تمثل كوريا  الشمالية واحدة منها، فهي رغم أوضاعها الإقتصادية المتردية، تبقى قوة نووية تقلق أمريكا والغرب في النهار، وتؤرقهما في الليل .

يعتبر الناتو نفسه ملتزما  بالحلول السلمية للنزاعات، غير أنه وفي حال فشل  الجهود الدبلوماسية  ، فإنه يراهن على القوة العسكرية  اللازمة للقيام بالعلميات الخاصة بإدارة الأزمات.

الجديد في فكرة الناتو الاسيوي، أنه يفتح الباب أمام دول اسيوية  لعضوية ،  فقد كانت ولاتزال المادة  العاشرة  من إتفاقية الحلف تنص على أن العضوية فيه متاحة لأي ” دولة أوروبية  في وضع  يمكنها  من تعزيز مبادئ هذه المعاهدة  والمساهمة  في أمن منطقة شمال الأطلسي .

ماذا  عن الجيوش المكونة للحلف وعن تراتبيتها  العسكرية؟

أكبر جيش للناتو هو الجيش الأمريكي والذي يبلغ قوام جنوده نحو 1.35 مليون جندي ، وفقا لأخر الإحصائيات ، فيما  تركيا  يبلغ عدد جيشها نحو 447 ألف فرد .

تحتل فرنسا  المركز الثالث  في قائمة دول الناتو ذات الجيوش  الأكثر عددا   207 ألف جندي ، ثم المانيا 188 ألف، فإيطاليا 174 ألف،  وأخيرا  المملكة المتحدة 156 ألف،  ما يعني أن العدد الإجمالي لجيوش الناتو تبلغ نحو 3.5 مليون للعسكريين والقوات المدنية  الذين يمكن الإعتماد عليهم، وتساهم كل دولة عضو  بكل ما  في وسعها  في التحالف ، ولكل منها  وزن إستراتيجي، وتأثير إقليمي مختلف من أجل تعزيز أمن قارة أوروبا بنحو خاص .

هل المسالة العددية  هي الداعي لأن يوسع  الناتو من عديد قواته؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك، إذا  أخذنا  في عين الإعتبار أن عدد أعضاء الجيش الصيني العامل نحو 2.3 مليون جندي ، وهناك 2.2 في قوات الإحتياط، بينما عدد قوات جيش كوريا  الشمالية نحو 1.2 مليون جندي ، وهناك 4.5 مليون في الإحتياط، تقترب من 2 مليون جندي .

والثابت أنه رغم أهمية الأسلحة الصاروخية والبحرية والطيران، يظل دور قوات المشاة فاعل وناجز في كافة المعارك الأممية حال حدوثها، ومن هنا يمكن فهم ما قاله الرئيس بايدن عن أهمية التعاون الثلاثي الجديد.

الذين تابعوا  لقاء كامب ديفيد  تساءلوا : ” هل نحن أمام تحالف سياسي ، أم تكتل عسكري، له أهداف ماورائية تتجاوز فكرة التنسيق السياسي والتعاون في عالم متغير بتسارع مستمر ؟

الرئيس بايدن وفي إفتتاح أعمال  القمة  قال ” بلداننا  ستعمل كقوة خير  في منطقة المحيط الهادئ.

قبل إنطلاق القمة ، كان مستشار الأمن القومي  الأمريكي ، جيك سوليفان قد سبقه بالقول :” أن قمة اليوم  انطلقه لعهد جديد بين أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية ، ومشيرا  للعمليات  الأمنية  للدول الثلاث بإعتبارها  ستشهد زخما  جديدا سيمتد لسنوات طويله حسب قوله .

حاول سوليفان هو القوة السياسية الضاربة في إدارة بايدن صرف الأنظار عن القول بأن الأمر تجمع له أهداف عسكرية أو موجه ضد أحد بعينه ، ولهذا  قطع بأن :  ” الشراكة بين أمريكا  واليابان وكوريا  الجنوبية ، ليست موجهة ضد أحد ،  وأنه ليس هناك ناتو جديد في المحيط الهادئ”.

 هل هذا  الحديث صادق بدرجة  مطلقة؟

المؤكد أنه ولوقت قريب  لم يكن بالإمكان تصور مثل هذه  القمة، وسط خلافات منذ عقود  بين حلفي واشنطن  المرتبطين بمعاهدة،  ويشكلان قاعدة  لنحو 84.500 ألف جندي أمريكي ، تتعلق بالإحتلال الياباني لشبه الجزيرة لكورية في الفترة ما بين  1910- 1945.

اليوم تغيرت الأوضاع وتبدلت الطباع،  وها هو الرئيس الكوري الجنوبي ، بون سوك بول، يصرح بأن هناك حاجة  لتعزيز أسس التعاون بين الولايات المتحدة  وكوريا  الجنوبية واليابان ، وأننا أتفقنا على  وضع  قناة لتنسيق ردنا على  أي أزمة تطرأ في المنطقة.

من جانب اليابان، بدا واضحا  كذلك أن التطورات، ويمكن القول التهديدات المتنامية من جانب الصين لليابان،  وكذا  الخلافات الروسية – اليابانية، قد دفعت طوكيو للدخول في علاقة  قوية مع  بيونغ يانغ عبر واشنطن .

أعتبر رئيس وزراء اليابان ” فوميو كيشيدا ” أن هذه  القمة الثلاثية  هي الأولى من نوعها  في التاريخ ، وأضاف أن النظام العالمي  يشهد اهتزازا  بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا  وبسبب أنشطة الصين  وكوريا  الشمالية  “.

جاء البيان الثلاثي في نهاية أعمال القمة، ليفتح الباب واسعا أمام ماورائيات تتجاوز التنسيق السياسي ، إذ يقول  :” نتعهد بالتشاور فيما بيننا  للتنسيق بشأن الرد  على التحديات  والإستفزازات والتهديدات التي تمس مصالحنا  وأمننا الجماعي في المنطقة”، ويضيف ” إن الشراكة الثلاثية   بين واشنطن  وطوكيو وسول تعزز الأمن والإزدهار  لشعوب الدول الثلاث  وللمنطقة والعالم “.

لكن البيان يفتح المستقبل أمام ما هو أبعد من التنسيق السياسي ، إذ يقول ما نصه :” نتعهد بنزع سلاح كوريا الشمالية بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن  ونحث بيونغ يانغ  على التخلي  عن برنامج صواريخها  الباليستية “.

هل يتضح هنا الوجه العسكري للتعاون بين العواصم الثلاث في مواجهة كوريا الشمالية والصين بنوع  خاص، روسيا  بصفة عامة؟

_______________________

إلى  الجزء الثاني من هذه القراءة

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

وزير الداخلية الإيراني يكشف ما حدث لطائرة رئيسي

وكالات – قال وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، الأحد، إن طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *