2024 نقاط ملتبسة وكرات لهب مشتعلة.. دراسة

أرشيفية

المراقب: وحدة الدراسات

بالعودة إلى صفحات التاريخ، فإن المرء يجد تعبيرا مشتركا في جميعها :” يعرف الجميع كيف تبدا الحروب، لكن لا يعرف المرء كيف تنتهي “.
من هنا يفهم القارئ أن المقدرة على التحكم في مسيرة العنف، وحال اشتعال النيران وتدحرج كرة اللهب، أمر صعب للغاية ، حيثث تتوالد حركيات عديدة ، يتغير معها الفاعلون ، وتتبدل وتتعدل فيها الأهداف صباح مساء كل يوم في كل حرب .
ولعل النقطة الجوهرية الأولى التي تحول الحروب من محلية إلى إقليمية، وما يهدد بجعلها عالمية، هو ظهور لاعبين جدد على خارطة الصراع الإستراتيجية، لاعبين كانوا مستترين إلى وقت قريب ، ولم يكن حضورهم واضحا، وإن كانت أصابعهم الخفية ظاهرة للذين لديهم علم من كتاب الداسائسس والمؤامرات ، أو بلغة أكثر موضوعية ، الذين يعلمون بواطن الأستراتيجيات الدولية ، وكيف يمضي عالمنا المثير .
تتحول الحروب كذلك من صراعات محلية إلى إقليمية كبرى، حين تنعدم إستراتيجيات الخروج الواضحة لكافة الأطراف ، حيث تتحرك الحروب في هذه الحالة إلى تدافع للمفاجات التاريخية، وربما للأقدار الموضوعية ، ما يعني أن مساحة إنتشار النيران تتسع من غير هدى، ولا أدنى مقدرة على الوقوف في وجه المجهول، وهو من أخطر الأوضاع في الحروب، حيث يستشعر الجميع الخطر ، في حين لا يمكن لأحدهم التنبؤ بقادم أيامه .
ومن بين الأسباب التي تزخم تحولت الحروب من إقليمية إلى دولية ، الإدارة غير العقلانية، وتحكم العاطفة في المعارك على الأرض .
هنا ينبغي الإشارة إلى أن الحروب من عند صن تزو، وصولا إلى كلاوفيتز ، تعتبر أداة من بين أدوات إدارة أي صراع سياسي ، بالضبط شأنها شأن المفاوضات السياسية، وعلى هذا النحو، فإنه حال غياب الإدارة العقلية الرشيدة ، سواء بسبب الضغوطات الشعبوية، أو الإندفاعات العاطفية، يتسع الخرق على الراتق ، وتتعذر المصالحة بعد أن تسيل الدماء إلى نقاط أبعد مما كان من المتوجب أن تمضي في طريقه .
وفي الإطار عينه، يمكننا القول أن غياب ما يسمى في الحروب ب ” النقطة أو النقاط الحرجة”، وعدم المقدرة على تحديدها ، يعد من الأسباب الرئيسة المرجحة لتوسيع دائرة النار والدمار ، ما يسهل إنجرار قوى أخرى إقليمية مجاورة، ويفتح الأبواب واسعة لأخرى دولية للإنجرار في دائرة الصراع ، ما يفتح الأبواب واسعة لمخاطر التصعيد من غير أدنى وعي ولا أنتباه .
هناك من الأسباب ما هو موصول كذلك بما يعرف بالنتائج الغير مقصودة عادة في أي صراع إقليمي ، ذلك أن حدوث خطأ ما بشكل عرضي، قد يزيد من أحتمالات الحرب الأوسع والأبشع ، وغالبا ما تجري المقادير بهذه الطريق حال تناسي ما يسمى ب” ميزان الأنتباه العسكري”، أي تغافل طرف ما قدرة الأطراف الأخرى عسكريا .
كيف يمكن لنا أن نطبق هذه التوجهات النظرية على أرض الواقع ؟
مؤكد بالحديث المفصل عن الأزمات الثلاث المتقدمة كأمثلة ونماذج حية على الهوة الواسعة والمفتوحة للصراعات التي تنحو من عند الإقليمية إلى العالمية .
يمكن النظر إلى الصراع الروسي الأوكراني أول الأمر على أنه صراع محلي بين دولتين جارين، بينهما أواصر قربى ومصاهرة ودماء مختلطة .
تحركت روسيا لجهة أوكرانيا بعد أن أيقنت أن هناك اياد للناتو تتلاعب بالخارطة الجغرافية، وذلك من خلال محاولة ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، الأمر الذي أعتبره القيصر بوتين، تهديدا استراتيجيا لا يمكن الوقوف أمامه موقف الصامت أو العاجز، وإنما وجب التحرك عسكريا ، ومن هنا كان التدخل العسكري في فبراير شباط 2022على النحو الذي تابعه العالم على الشاشات .
مع أندلاع أعمال الحرب ، بدت المعركة وكأنها تخرج حكما، ويوما تلو الأخر ، عن نطاق الصراع التقليدي بين الجارين اللدودين، فقد أنغمس معسكر الناتو في الأزمة إلى جانب أوكرانيا.
كان من الواضح أن إتساع دائرة الصراع بين روسيا من جهة ، وأوكرانيا المدعومة من الحلفاء الأوربيين والأميركيين من جهة ثانية سوف يتمدد ، فقد رد الغرب عبر حرب إقتصادية شاملة ، بل ومدمرة ، من خلال حزم عقوبات نارية غير مسبوقة حلت على رأس الإقتصاد الروسي، بأمل ضعضعة أركان الدولة الروسية ، وذلك من خلا ل عزل روسيا عن محيطها الإقليمي ، ونطاقها الدولي ، أملا في أن يزعزع ذلك استقرارها السياسي والإجتماعي، وبهدف تأجيج جماعة ” السيلوفيكي ” المحيطة ببوتين، لدفعه خارج الكرملين ، وإنهاء الأزمة، وإعادة نسج ما جرى مع الإتحاد السوفيتي في زمن غورباتشوف .
على أن ذلك الحصار الإقتصادي المفروض على روسيا لم تطال نتائجه الروس فحسب، ذلك أنه حال نظرنا إلى الخارطة العالمية، سنجد أن العديد من البلدان وثيقة ولصيقة الصلة بموسكو، تجاريا وسياحيا، قد عانت وستعاني من الإرتدادات الطبيعية للعقوبات الإقتصادية .
عطفا على ذلك فإن دائرة الصراع غير المباشرة والتي تجعل من الأزمة الروسي- الأوكرانية، ميدان ضرب نار لأمم وجماهير غفيرة أخرى، باتت تشمل أسعار الغذاء والوقود في العديد من البلدان ، ويكفي المرء النظر إلى ساحة الحبوب وكيف تأثرت الدول التي كانت تعتمد على إستيراد القمح من أوكرانيا ومن روسيا نفسها .
من هنا تبدو دائرة الصراع أبعد من الواقع الإقليمي، حيث تطال النيران أطرافا عالمية أخرى ، من الناحية الإقتصادية ، وتؤثر على ” افاق الأقتصاد العالمي “، وعلى المدى البعيد قد تفضي الحرب الروسية – الأوكرانية ، إلى تبديل النظام الإقتصادي والجغرافي – السياسي العالمي من أساسه ، إذا حدث تحول في تجارة الطاقة، وأعيدت تهئية سلاسل الإمداد ، وتجزأت شبكات المدفوعات ، وأعادت البلدان التفكير في حيازاتها من علمتها الأحتياطية .
على أن علامة الإستفهام التي لا تنفك الألسنة تتحدث عنها :” هل الصراع الأوكراني مرشح لإتساع أشمل ليصل إلى حرب عالمية ؟

الحديث عن الصراعات الإقليمية التي لا تنفك تتحول إلى أزمات وحروب دولية، لا يوفر بؤرة خطر قاتلة متمثلة في بحر الصين الجنوبي ، حيث تشمل النزاعات الغقليمية كلا من المطالبات الجزرية والبحرية بين عدة دول ذات سيادة في المنطقة ، وهي سلطنة بروناي ، وجمهورية الصين الشعبية ، وجمهورية الصين ( تايوان )، وأندونيسيا ، وماليزيا ، والفلبين ، وفيتنام .
يمر ما يقدر بنحو 3.37 تريليون دولار أميركي من التجارة العالمية عبر بحر الصين الجنوبي سنويا ، وهو ما يمثل ثلث التجارة الصينية عبر بحر الصين الجنوبي ، الأمر الذي يبين الأهمية القوصى لهذا الممر الملاحي العالمي .
واليوم تتجه العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين نحو مزيد من التعقيد في ضوء التنافس الاقتصادي والسياسي التاريخي بين الدولتين ،إضافة إلى تنامي التوتر مؤخرا حول منطقة بحر الصين الجنوبي الذي تزعم بكين سيادتها عليه .
وبالعودة إلى العام المنصرم 2022، نجد حدوث العديد من المشاحنات بين الدولتين لهذا السبب ، بل أنه من المتوقع أن تتزايد وتيرة الصراع بشكل ملحوظ في ضوء جملة من المحفزات الدولية والإقليمية لبيئة الصراع بين أميركا والصين .
تبدو منطقة بحر الصين الجنوبي، لغما قابلا للإنفجار في ىية لحظه، وقد تبادل الجيشان الأميركي والصيني كلمات قاسية نهار 22 نوفمبر 2022 ، بعد أن نفذت سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية أول عملية بحرية للملاحة في بحر الصين الجنوبي ، وذلك منذ التقى قادة القوتين في وقت سابق من شهر نوفمبر عينه في محاولة لتخفيف التوترات.
في بيان له ، زعم الجيش الصيني أن السفينة ” يو اس اس تشانسيلور زفيل”، وهي طراد صاروخي موجه ، دخلت بشكل غير قانوني المياه بالقرب من جزر ناشا والشعاب المرجانية الصينية دون موافقة الحكومة الصينية .
أما الجانب الأميركي ، فقد وصف من خلال بيان صادر عن الأسطول السابع للبحرية الأميركية تصريحات حساب جيش التحرير الشعبي بأنه “كاذب” واستمرار لتحريف الأعمال الأميركية في بحر الصين الجنوبي .
هل من خلاصة ؟ المؤكد أن عالمنا المعاصر يعاني من حالة ولادة متعسرة لنظام عالمي جديد، وما تمدد الصراعات الإقليمية إلى مواجهات عالمية، إلا أوقات مخاض، وهو ما يعود بنا إلى ما قاله ، كارل ماركس ذات مرة من أن ” العنف قابلة التاريخ “.

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

الحرب النووية.. أمام العالم 72 دقيقة حتي ينهار ويتحول الي ظلام دامس

المراقب- قسم الترجمة تتزايد المخاوف من اندلاع حرب نووية عالمية لا سيما بعد تصاعد الخلافات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *